مما لاشك فيه أننا نجد أنفسنا أمام عنوان صادم لمن لايستوعبه…الله القادر علي كل شئ خلقنا لأنه يحبنا.ولا أحد ينكر محبة الله لنا مهما كانت الظروف والصعوبات التي نمر بها.
لنقف برهة مع أنفسنا متسائلين:هل نحب الله حقا كما بادرنا هو بحبه أولا؟من هو الله بالنسبة لنا؟ديان نعبده بكل خوف ورعدة,أم أب حنون يعتني بنا ويخاف علينا؟
هل كل واحد منا يتجنب فعل الشر لأنه إهانة لشخص الله أم خوفا من العقاب الآتي؟
يرنم داود النبي في المزمور:ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب.وهكذا تبدأ الصلوات:بسم الله الرحمن الرحيم.
يقول أوغسطينوس في كتاب الاعترافات:فلنحب الله لأنه صنع كل شئ وهو معنا,لم يخلق الكائنات ليتخلي عنها منه جاءت وفيه تثبت,إنه مقيم حيث نشعر بطعم الحقيقة,نجده في أعماق القلب وإن ابتعد عنه القلب!عودوا أيها الخطأة إلي قلبكم وتمسكوا بخالقكم,امكثوا قربه فتطمئنوا استلقوا عليه فتستريحوا!.
أصبح إنسان اليوم فريسة الخوف الذي هو سمة مميزة في حياته بالرغم من التقدم المذهل للتكنولوجيا الحديثة وكل الإمكانيات المتاحة بين يديه وفي خدمته لسهولة مهامه.أصبح يخاف الحرب التي إن قامت في أي لحظة,التهمت الأخضر واليابس ويخاف الإرهاب الذي لا آمان له ويحوط بنا جميعا بلا مقدمات ويجعله يفقد أعز الناس إلي قلبه.
ويخاف المرض الذي اتسع انتشاره في بقاع الأرض,بالرغم من التقدم الطبي وتوفير كل وسائل الوقاية والعلاج.ويخاف الجوع والفقر رغم وجود من يمرضون ويموتون من التخمة والفائض عن حاجتهم,والأسوأ من هذا كله يخاف أخاه الإنسان بالرغم من الشعارات التي تنادي بالأخوة والمحبة واحترام حقوق الإنسان.
وأخيرا يخاف من ساعة الموت التي تنقض عليه في أي لحظة,وفي هذا الصدد يقول الكاتب اللامع محمود تيمور:يا الله!لا أرهب في الوجود شيئا مادام ندائي لك ملء سمعي.حتي أنت لا أرهبك لأن حبي لك يعمر قلبي.والمحب الصادق لا يتطرق إلي قلبه الخوف ممن يحب…يا الله! ما أسعدني بحبي إياك! أنا لا أخشي أعاصير الحياة,لأني في عصمة منها,بما أجده لك في قلبي من حب دائم موصول….
لذا إن سلم الإنسان حياته كلها لتدابير الله المحب كما يستسلم الطفل لحضن والديه سيشعر بالثقة والطمأنينة والسلام الداخلي مهما كانت الظروف والأحوال,الله معنا في كل حين ويمينه القوية تسند ضعفنا وتزيل العقبات من طريقنا وتساعدنا علي اجتيازها بشرط أن نثق فيه ونتجاوب معه.
الله معنا أيضا بكلامه في قرآنه وإنجيله الذي ينير عقولنا ويشدد عزائمنا ويدعونا إلي الخير والفضيلة ويعزينا في كل حين,اهتمام الله بنا يفوق كل اهتمام يمكن أن نقدمه لأنفسنا.إن قلبنا لايسعه أن يستريح حقا ولا أن يكون في سكينة ورضي ما لم يسترح في الله.
فالله رؤوف طويل الأناة كثير الرحمة…الله معنا دائما ليرتب ماشوهناه من أمور حياتنا ويعيد تنظيمه علي أكمل وجه.
كم من مرات عديدة نردد علي لساننا كلمة:إن شاء الله أو بإذن الله ولكن في الواقع نريد من الله أن ينفذ مشيئتنا كم من مرة في حياتنا تمنينا لو أن الله لم يسمح لنا ببعض الظروف اليومية التي تحيط بنا,أو يبدلها بأخري,أو أن يستشيرنا قبل أن يتمم إرادته!
ويعود سبب ذلك إلي ضعف إيماننا بأبوة الله وحبه الساهر دائما أبدا فالله لايسمح بأي شئ إلا لخيرنا,وكما يقول بولس الرسول:كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله.
ولا يسمح بما هو فوق طاقتنا,ولكنه يضع مخرجا للظروف التي نمر بها,يؤمن بكل هذا من يفكر بحكمة وثقة ويشعر بأن الله أب لنا جميعا.
إذا…لماذا يسمح الله بكل هذه الأمور؟لنضجنا الشخصي واكتساب الخبرة والمهارة في الحياة والصمود أمام الصعوبات حتي تكتمل شخصيتنا.
الله خلقنا لأنه يحبنا,إذا لماذا نتخيل أو نشك ولو للحظة بأنه يهملنا؟!
لماذا نخاف وكل الخلائق والأمور بيده؟نحن لا نخاف شيئا في الحياة مادام الله موجودا.
فإذا كانت الحلول بيد الله,فهل يستطيع أي كائن أن يضع العقد؟لنتكل إذا علي الله ومعونته حتي يحلو المر ويسهل الصعب ويتحقق المستحيل.
فالإيمان بحب الله هو شمس الروح التي تختفي أمامها حشرات الشكوك.
ويردد داود النبي في المزمور:معونتنا باسم الرب صانع السموات والأرض.
يجب علينا أن نطلب معونة الله غير المحدودة والمجانية حتي يتعاون معنا ويشاركنا أمورنا الصعبة, ونعتمد عليه وهو الذي يستجيب لنا في كل وقت لنتخطي العقبات التي تواجهنا.
معظمنا يبحث عن الله في الكتب المقدسة والمراسم الدينية فقط,ويدعي بأنه لم يشعر بقربه في حياته الشخصية فما هو السبب؟
لأن الله موجود أيضا بين البشر الذين نتقابل معهم كل يوم وفي كل مكان وخاصة الأكثر فقرا وتواضعا نراه في شخص المحكوم عليه بالسجن.نراه بين الفقراء الذين يستعطون خبزا يسدون به جوعهم.نراه بين الذين يركضون حيث توزع الحسنات والمعونات نراه في المريض الذي يتألم علي فراش المرض.نراه في الشخص الذي ينتظر فرصة عمل.
إذا من يريد أن يتلقي بالله عليه أن يمد يد العون للفقير الواقف علي بابه.وأن يزوره في المستشفيات والسجون كما يود الذهاب للمسجد أو الكنيسة.يقوم بكل هذا ليخفف عنهم آلامهم ويأسهم وحزنهم.من يفعل هذا سيتقابل مع الله في المسجد والكنيسة والكتب المقدسة.
لأن الفقير هو الذي يمد يده ولكن الذي يأخذ الحسنة هو الله.
للأسف نجد في يومنا هذا أشخاصا يعبدون إلها آخر وهو المال ويسعون إليه بكل وسيلة حتي ولو كانت غير مشروعة,ويعبدون هذا الإله ليلا نهارا.آخرون عندهم إله الأنانية والمصلحة والذي يعمي بصائرهم فلا يلتفتون إلي غيرهم واحتياجاتهم ويصمون آذانهم عن شكوي المسكين,وتصبح قلوبهم كالحجارة بدون أي عاطفة إنسانية.
كل هذه الآلهة المزيفة تتحكم في إنسان اليوم,ولكن الإله الوحيد الحقيقي هو الذي خلقنا وأحبنا ويعتني بنا ليلا نهارا.
نطلب من الله تعالي أن يهبنا فهم إرادته وتذكر إحساناته العامة منها والخاصة,بخشوع عظيم,حتي نستطيع أن نرفع له عنها ما يليق به من الشكر والتسبيح.
الله أب لكل منا وكفي!