البداية
(لوقا14:25-30)
وكان جموع كثيرة سائرين معه, فالتفت وقال لهم: إن كان أحد يأتي إلي ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته, حتي نفسه أيضا, فلا يقدر أن يكون لي تلميذا. ومن لا يحمل صليبه ويأتي ورائي فلا يقدر أن يكون لي تلميذا. ومن منكم وهو يريد أن يبني برجاء لا يجلس أولا ويحسب النفقة, هل عنده ما يلزم لكماله؟ لئلا يضع الأساس ولا يقدر أن يكمل, فيبتدئ جميع الناظرين يهزأون به, قائلين: هذا الإنسان ابتدأ يبني ولم يقدر أن يكمل
والمجد لله دائما
من النعم الكثيرة التي يعطيها الله لنا في كل يوم أننا نبدأ بداية جديدة في كل صباح, ولذلك تعلمنا كنيستنا في كل صلاة باكر أن نقول: احفظنا ولنبدأ بدءا حسنا.
والبداية هي الخطوة الأولي التي قد تؤدي إلي نجاح أو فشل, وقد تؤدي إلي وصول الإنسان أو أن يتوه. لذا قال الفلاسفة: إن البداية هي نصف العمل, فبمجرد أن واحدا يبدأ عملا يعتبر نصف العمل, وتحتاج هذه البداية إلي طاقة وفكر وعزيمة لكي يبدأ الإنسان.
في التداريب الرهبانية, يقول الآباء: اذكر أول يوم دخلت فيه الدير, لأن أول يوم يكون له مشاعر خاصة وهو البداية, وبالتالي ممكن أن نطبق هذا علي كل عمل.
عندما تحتفل بعيد ميلادك فإنك تحتفل ببداية حياتك علي الأرض, بداية حضورك وظهورك كإنسان تحيا علي وجه هذه الأرض.
موضوع البداية من الموضوعات الكبيرة والمهمة, فلو كانت بدايتك في العمل أو الدراسة أو الخدمة أو التكريس أو الرهبنة أو الزواج.. إن كانت البداية جيدة, فهي تؤدي إلي نتيجة جيدة, أما إذا كانت البداية غير طيبة أو وجدت فيها انحرافات في الطريق, فإنها قد تؤدي بالإنسان إلي نهاية غير طيبة.
مفهوم البداية وخطواتها:
نضع فكرة البداية في ثلاث خطوات رئيسية للإنسان الذي يعيش في مخافة الله, لأنه في أي عمل أنت تبدأ ويبدأ الله معك, فعند البدء تجد النعمة حاضرة ويد الله عاملة بمجرد أنك تبدأ.
1- خطوة النعمة أو المعونة:
إن النعمة موجودة وحاضرة, يقول الرب لملاك كنيسة اللاودكيين: هأنذا واقف علي الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب, أدخل إليه وأتعشي معه وهو معي (رؤ3:20).
هأنذا واقف: المسيح واقف ويدق الباب, وهذا هو عمل النعمة. ويأتي عمل الإنسان إن سمع أحد وفتح, السمع والفتح من عمل الإنسان البداية.. أدخل وأتعشي معه تكميل العمل بالنعمة والعمل الإلهي.
لذا أول خطوة في البداية هي أنك تبدأ ويبدأ الله معك, أي عندما تبدأ بإخلاص وجدية أعلم أن الله يبدأ معك, ويقول المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث: عندما توجد النية, الله يعطي الإمكانية.
2- خطوة الجهاد: كن صاحب مبادئ:
كلمة مبادئ مشتقة من بدأ, فبمجرد القول إن هذا الإنسان صاحب مبادئ, بسرعة تعرف أن هذا الشخص جيد, لأنه يملك مبادئ.
والمبادئ, هي النقاط التي يبدأ منها الإنسان تفكيره: في العمل, في الدراسة, في الخدمة.. إلخ.
وكلمة مبادئ كلمة مهمة جدا, وبالتالي لكي ما تكون سيرة حياتك صحيحة يجب أن يكون لديك مبادئ, وهناك قول: فلان عاش من أجل المبادئ. أي عنده مبادئ في حياته.
إذا البداية الأولي خطوة النعمة والمعونة, ثم تأتي خطوة الجهاد, وهذا الجهاد لكي ما يكون قانونيا يحتاج أن يكون فيه مبادئ, ولا تتخلي عن مبادئك لكي ما يصلح الله طريقك.
مثال:
إذا قلنا إن يهوذا الإسخريوطي قد بدأ حسنا.. لقد كان تلميذا للسيد المسيح, وحضر مع ربنا يسوع المسيح معجزات كثيرة, واستمع لتعاليم كثيرة.. فما الذي جعله ينحرف؟ لم يكن عنده هذه المبادئ, ولذلك نجده سريعا يتخلي عن موقعه ويستهين بسيده.
إذا كان لديك مبادئ في حياتك, فإن حياتك ستكون سعيدة وناجحة.
مصادر المبادئ:
المصدر الرئيسي لمبادئنا وحياتنا هو الكتاب المقدس, فلابد أن تستمد من الوصية الإهية المبدأ الذي تعيش به.
3- خطوة الكمال:
إن عشت بالمبادئ تجد حياتك تتقدم من خطوة إلي خطوة.. وإذا حافظت علي هذه المبادئ جيدا يكتمل طريقك وتأتي إلي نهاية الأمر.
إن الله الذي بدأ معنا يكمل معنا للنهاية, وتكون نهاية الأمر خيرا من بدايته, كما يقول الكتاب: نهاية أمر خير من بدايته (جا7:8). هذه هي خطوة الكمال.
في (لو14:28) يقول: ومن منكم وهو يريد أن يبني برجاء لا يجلس أولا ويحسب النفقة, هل عنده ما يلزم لكماله؟ يجب أن تلاحظ فعل يريد يقصد به لديه الرغبة, فهو أولا يحسب النفقة, ويجب أن يكون لديه مبادئ, ومن الضروري أن يكون لديه خطة أو كما يسمونها خارطة طريق, وهذا التعبير مهم في التربية, فالأم عندما تجلس مع ابنها (ابنتها) وتسلمه خبرة الحياة فهي تسلمه خارطة الطريق.
قصة…
يحكي أن أحد الشباب في الخارج عندما بلغ 18 سنة أخذ يسجل كل المبادئ التي تعلمها من والده ووالدته, وقال: هذه هي خارطة الطريق التي تسلمتها من أبواي.
أنواع البدايات:
1- البداية الكاملة أو الحسنة الصالحة:
يمكن أن نسميها بداية الأبرار أو عزم الصديقين, مثال لذلك الطالب الذي يبدأ دراسته. فمن أول يوم يذاكر دروسه بكل جدية, فتكون النتيجة مفرحة.
يقول القديس بولس الرسول في رسالة فيلبي: إن الذي ابتدأ فيكم عملا صالحا يكمل إلي يوم يسوع المسيح (في1:6). يسوع المسيح يكمل العمل.
بدأت مشروعا, بدأته بجدية؟ بدأت ارتباطا وتكوين أسرة بدأته بجدية؟ هذه هي البداية الصالحة.
2- البداية الخاطئة أو بدايات الأغبياء:
القديس بولس الرسول يكلم أهل غلاطية في آسيا الصغري ويقول لهم: أهكذا أنتم أغبياء! أبعدما ابتدأتم بالروح تكملون الآن بالجسد؟ (غلا3:3).
إن الروح أسمي من الجسد, لقد بدأوا الطريق الروحي بجدية, ولكن بعدما بدأوا توقفوا ورجعوا للوراء, وهذه البداية كانت بالروح, ولكن حاول صاحبها أن يسندها بالجسد. فنجد مثلا: يهوذا, قد بدأ بالخير وأكمل بالشر.