في الله، تتفوّق الرّحمة على كلّ الأعمال. ولذلك الإنسان الرحوم هو إنسانًا إلهيًّا حقًّا، لأنّ الرّحمة مولودة من المحبّة والأخلاق الطيبة والنوايا الحسنة .
” طوبى لِلرُّحَماء، فإِنَّهم يُرْحَمون ” ( متى ٥ : ٧ )، لهذا السبب، فإنّ أبناء الله الحقيقيّن هم أكثر رحمةً وأكثر ترحيبًا للخطأة والمتألّمين والمهمشين ، من أولئك الّذين ليس لديهم هذه المحبّة . الرَّحمة المولودة من المحبّة هي واجب على كلِّ واحد مِنّا ، وتجاه بعضنا البعض . وإن لم نمارس هذه الرَّحمة بالأعمال ، فسيطالبنا ربّنا عنها بحساب خاصّ يوم الدينونة .
لا ترتكز الرَّحمة على الأموال والماديات والهِبات فقط ، ولكنها تُمارس أيضًا تجاه كلّ الآلام الّتي بإمكانها أن تنقضّ على قريبنا . من يرى ذلك بدون أن يشهد لإخوته عن محبّة حقّة وتعاطف حقيقيّ في مشاركتهِ آلامهِ وعذاباته ، همومهِ ومشاكلهِ وصعوباتهِ ، ولا يغلق عينه عن ذنوبه وخطاياه بشعور من الرحمة ، على هذا الإنسان أن يخاف من أنّ يرفض الله رحمته عليه لأنّه ” لا تََدينوا لئلاّْ تُدانوا فكما تَدينونَ تُدانون ، ويُكالُ لكُم بِما تَكيلون ” (متى ٧ – ١ – ٢).
نحن أصحاب القلوب القاسية والخالية من كلّ طيبة ، نتعلّم الخير من خالقنا ، لإنّه خلقنا على صورتهِ ومثالهِ، وعلينا أن لا نكون لإخوتنا وأقاربنا وأصحابنا في المجتمع وفي كلِّ مكان نخدم فيه قضاةً متشدّدين وحكّامًا.
” لا تدينوا لئلاّ تُدانوا ” ( متى ( ٧ : ١ ) الرب يسوع ، المعلّم الإلهيّ ، سيأتي وسيكشف عن خفايا قلوبِنا وسيمنح لكُلِّ واحدٍ مِنّا ، المكان اللائق في العالم الآخر ، في الملكوت السماويّ . فعلينا أن لا نوجّه أي كلمة ، ولا أحكامًا قاسية لإخوتنا لكي لا نتعامل بالمثل ، ولكي لا يؤذينا كلام الفم ، كما تفعل الأسنان الحادّة عندما نقرض لساننا أثناء تناول الطعام . في قول يسوع : ” لا تدينوا لئلاّ تدانوا ” لا ينفي الحكمة والفطنة ، بل يُحذّرنا من الحكم والإدانة بقساوة شديدة على إخوتنا في الإنسانية وتوجيه جميع أنواع الألفاظ والإساءات والإهانات والإنتقادات لهم .
لنخفّف إذاً موقفنا وحكمنا وإدانتنا تجاه الآخرين . ولا ننسى أبداً أن الله الذي يفحص القلوب ويعرف خفاياها ، سيزن حياتنا ويحكم على أفعالنا . إذاً لا ترفض أن تكون رحومًا على مثال أبيك السماويّ ، لئلاّ يتمّ إقصاؤك عن المغفرة عندما تصبح بحاجةٍ إليها .