من هو المدير الناجح؟ هل هو الشخص الذي يحوذ إعجاب الجميع بأسلوبه البارع في التخاطب بلباقة؟ هل هو الشخص الذي يحرص على الاحتفاظ بمظهر أنيق وابتسامة دائمة؟ هل هو الشخص الذي يبدو دائما الأكثر معرفة والأكثر خبرة؟ كل هذه الصفات جيدة ومطلوبة لكن كيف يكون الحال لو اكتشف أن كل ذلك مجرد قناع يخفي وراءه جهلا بأمور أهم أو فسادا خطيرا؟ المدير الناجح هو القائد الأمين على مصلحة المؤسسة ومصلحة كل مرؤوسيه في نفس الوقت، فلن يكون العمل مثمرا إلا إذا شعر كل العاملين سواء كانوا عمال أو موظفين.. بالاستقرار النفسي والمادي معا، وهنا نستطيع أن نقول أنهم سعداء في العمل، فلا يفكر واحد منهم أن يقدم استقالته أو يقدم شكوى ضد زميل أو زميلة أو يرفع شكوى ضد مديره المباشر إلى المدير الأعلى بل يشعر كل فريق بالتآلف، ويحاول كل فرد أن يتعاون مع زميله ويكمل نقائصه ليخرج العمل في النهاية ملحمة من النجاح، بالطبع هذا تصور مثالي لكنه ليس مستحيلا، بل هو يحدث بالفعل بنسبة كبيرة داخل المؤسسات العالمية الناجحة.. ولكن ما هي الآليات التي يمكن أن تحقق هذا الحلم.. السعادة في العمل؟
“من السهل أن تجعل الناس تخاف منك، لكن ليس من السهل أن تجعل الناس تحبك”، فإذا لم يكن المدير محبوبا لن يكون ناجحا، فإذا كان ظالما أو قاسيا أو ديكتاتورا، فإن فروض الطاعة والولاء لن تقدم إلا في وجوده، أما في أثناء غيابه قد تحدث مهازل أو مصائب، فما أجمل أن تكون الطاعة بناءً على التقدير والاحترام والاعتزاز، فإذا نجح المدير في أن يستحوذ على عقول وقلوب مرؤوسيه معا.. حينئذ فقط يستطيع أن يأمر فيطاع، وهذه هي النتيجة الطبيعية، عندما يشعر كل فرد أنه موضع احترام وثقة لا يمكن أبدا لهذا الفرد أن يخذل رئيسه إذا طلب منه عملا ما، حتى لو كان هذا العمل عبئا إضافيا، مع العلم أن الحوافز المادية مطلوبة لكنها ليست الوحيدة التي تحرك النفوس.
والمدير القائد مطالب بأن يتعاطف مع الموظف وهو في أضعف حالاته، فربما يكون متعثرا في أدائه في بداية التحاقه بالعمل ويحتاج إلى تدريب، ربما يكون محتاجا للمساعدة ليندمج مع الزملاء، ربما يجب نقله إلى قسم آخر يتناسب مع قدراته، ربما يكون لديه ضغوطا في حياته الخاصة ويحتاج مساعدة أو إرشاد، وربما يعاني مشكلة صحية، كل هذه العناصر يجب توقعها والتعامل معها بكل حكمة وإنسانية.
ذات مرة دخل السيرريتشارد برانسون .. رجل الأعمال البريطاني المعروف.. مؤسس مجموعة “فيرجين جروب” التي تضم أكثر من 360 شركة؛ ليتفقد فجأة أحد فروع الشركة، فوجد أحد الموظفين نائما، فطلب من أحد الزملاء أن يصوره بجوار الشاب النائم، ونشر الصورة على حسابه الخاص في موقع التواصل الاجتماعي وكتب معلقا على الصورة : “لكي تبقى شركتنا الأولى في إرضاء العملاء.. عمل هذا الموظف حتى غلبه التعب”، بعد هذا الموقف فاز برانسون بالمزيد من حب الموظفين له، وزاد أيضا احترام العملاء له.
إذن الحب والاحترام والتقدير المادي والمعنوي والترقيات أيضا.. كل ذلك وقود لدفع العمل إلى النجاح، لكن في بعض الأحيان تحدث حالات من الفتور ربما بسبب الروتين أو ضغوط الحياة.. هنا لابد أن يبحث المدير عن أدوات متنوعة لتجديد الحماس، رحلات – حفلات – تكريم – مسابقات وتوزيع جوائز .. الخ.
إن سعادة الموظفين، هي أساس زيادة الإنتاج وزيادة أرباح المؤسسة، ولو فتشنا في دهاليز غالبية المؤسسات العملاقة التي تحقق أرباحا طائلة، لا يمكن أن نجد موظفيها يشعرون بالتعاسة، فلا يمكن أن نجد موظفا يشكو من انخفاض راتبه أو عدم توافر وسيلة انتقال مريحة له أو عدم توافر الأدوات و الأجهزة اللازمة أو عدم توافر بيئة نظيفة وصحية للعمل.
والواقع أن إسعاد الموظفين هو هدف ووسيلة في حد ذاته، من حيث المبدأ هو هدف إنساني، فمن حق كل إنسان ألا يشعر بالظلم وألا يتعرض لضغوط أو تفرض عليه ساعات عمل إضافية تسبب له إجهاد، فإذا نال الموظف كل حقوقه المادية والمعنوية سينعكس ذلك علي اتقانه للعمل وزيادة الإنتاج أو تعامله بأسلوب إيجابي مع الجمهور أو مع زملاءه عندما تدور عجلة العمل، هذا هو الهدف والمحصلة النهائية.. نجاح منظومة العمل ككل وليس تدليل الموظف بدون نتائج إيجابية.
وماذا يريد الموظف أيضا؟ كل الموظفين في العالم يفضلون أن يكون لديهم مساحة من الحرية في اختيار أشياء معينة في العمل مثل المكان ونوعية العمل والتخصص وطريقة الأداء وشركاء العمل، والكثير من الموظفين الأذكياء والطموحين لديهم دائما أفكار واقتراحات جديدة، يريدون أن يجدوا من ينصت إليهم، ويضع اقتراحاتهم موضع اعتبار، ولذلك فالمدير القائد هو الذي ينصت بكل اهتمام للأفكار الجديدة حتى لو كانت غريبة، وعليه دراستها جيدا والاستماع لآراء مستشاريه، فربما تكون هذه الأفكار سببا لجلب الخير للمؤسسة بأكملها.
والواقع أن كل فريق العمل يحتاج إلى التدريب والتطوير من حين لآخر حتى لا تنطفيء المواهب مع تكرار كل ما هو قديم، فلا بد من تنظيم دورات تدريبية أو ندوات أو مؤتمرات لتغذية كل تلك العقول لإعطائها دفعة إلى الأمام لتحقق النهوض بالمؤسسة.
ولازلنا نتحدث عن السعادة في العمل وهي ليست حلما أو خيالا، ولو نظرنا بوعي إلى العالم من حولنا لنعرف كيف تدار المؤسسات الناجحة سوف ندرك أنه يتم اختيار خبراء لتعيينهم في مناصب كبيرة لتحقيق السعادة للموظفين، على سبيل المثال وليس الحصر.. في إحدى الشركات الهندية “أوتوماتيك” يوجد منصب “مهندس السعادة”.
وفي شركة أنتوراج الأسترالية نجد منصب “مدير الأفراد والسعادة” بديلا عن منصب “مدير الموارد البشرية”، وهو يعمل علي تحقيق السعادة للموظفين من خلال توفير بيئة للابتكار والتطوير والنمو، وفي شركة “أجايل في نيوزيلاندا نجد منصب” بطل السعادة” !
وبالفعل أصبحت دول العالم تتنافس في إسعاد موظفيها، وقد أجرت مؤخرا مؤسسة التوظيف الهولندية “روبرت هاف” مسحا على 250 ألف موظف حول العالم لبحث مدى سعادتهم في العمل، ونشرت نتيجته في صحيفة “تليجراف” الهولندية، جاءت الولايات المتحدة في المرتبة الأولى، تليها ألمانيا وهولندا.
الكثير من الشركات العالمية العالمية تتفنن في إسعاد، بل تدليل موظفيها، تقدم لهم كل سبل الراحة والترفيه والمتعة، ها هي شركة “جوجل” تقدم أماكن مخصصة للنوم وغسيل ملابس مجاني، وكافيتيريا بالمجان، وتوفر شركة “ياهو” للموظفين مراكز لياقة بدنية ويوجا، وماذا يفعل زوكر بيرج صاحب شركة الفيس بوك العملاقة؟ إنه يقدم 4000 دولارا للآباء الجدد، وأربعة شهور أجازة أمومة وأبوة، ويسدد تكاليف الحضانة، أما المذيعة الأمريكية أوبرا وينفري فهي تكافيء الموظفين (المشجعين بأجر) بأسلوبها الخاص، فقد قدمت مؤخرا رحلة مجانية لـ300 شخصا من مشجعيها إلى استراليا على متن طائرة يقودها جون ترافولتا !
ربما يعتقد البعض أن هذه مجرد تقاليع لتدليل الموظفين، لكن أين نحن من الحد الأدنى لتلك الامتيازات؟ إن الموظفين المصريين لا يطلبون مراكز لياقة بدنية أو يوجا، ولا يطلبون أماكن للنوم وغسيل الملابس مجانا، ولا يطمحون في رحلات حول العالم، إن لسان حالهم يقول ليت المؤسسات توفر لنا وسائل انتقال مريحة و تأمين صحي شامل.
وما رأيكم في شركة ألمانية للمعدات الزراعية “كلاس” يقوم الموظفين فيها بتقييم الإدارة؟! إنهم يمنحون الإدارة درجات لتفاصيل كثيرة، مثل إدارة العمل الجماعي والمساواة بين الجنسين والتعامل مع الأكبر سنا و مستوى الأجور.. وشركة ألمانية أخرى لتقنية المعلومات يقوم فيها المدير بإعداد الإفطار للعاملين !
إذن المدير في مثل تلك الشركات الناجحة ليس هو الحاكم الآمر الناهي، وليس هو أبو الهول المختفي في مكتبه الذي يصعب مقابلته، وليس هو الشخص الذي يطفيء حماس أحد الموظفين، بل على العكس تماما، المدير القائد هو صاحب المفتاح السحري الذي يفتح كل الأبواب المغلقة ويحل كل مشاكل العمل ويذلل كل الصعوبات ويرفع الضغوط عن كاهل الجميع، إنه بالفعل “مدير السعادة”.