رحل عن عالمنا اللاهوتي العظيم، الرجل الحديدى، الرجل الذى ترك أعلى المناصب العلمية ووزع أمواله الكثيرة، كما فى سير الاباء الاوائل ليذهب للرهبنة، أول أسقف تم اعتقاله فى اعتقالات سبتمبر أيام السادات، الاسقف الذى تم تشويه صورته من البعض لصراحته للحفاظ على ما تسلمه من الاباء، منارة التعليم فى الكنيسة القبطية، رجلًا من أسرة الشهيد سيدهم بشاى، العلامة اللاهوتى الانبا بيشوى مطران دمياط وكفر الشيخ وتوابعها ورئيس دير القديسة دميانة الذى ذهب الى موطنه السماوى أثر أزمة قلبية مساء الثلاثاء ٢ أكتوبر عن عمر يناهز ٧٦ عاما !
الأنبا بيشوي، كان اسمه قبل الرهبنة مكرم إسكندر ولد بالمنصورة فى ١٩ يوليو عام ١٩٤٢، توفى والده وعمره أربع سنوات فهو ابن وحيد لوالدته الأرملة، عاش لسنوات طويلة في أسرة مسيحية ثرية ومتدينة وهو من سليل نيقولا باشا، وكان متميزا ومتفردا ومتفوقاً بين أقرانة في العلم والخلق والتدين وبعد نجاحة في الثانوية العامة إلتحق بكلية الهندسة جامعة الاسكندرية، كان متفوقًا في دراسته الجامعية وكان ينجح بإمتياز مع مرتبة الشرف كل سنة دراسية حتي حصل علي بكالوريوس الهندسة وتم تعيينة معيداً بكلية الهندسة جامعة الاسكندرية عام ١٩٦٣، إلى أن حصل على شهادة الدكتوراة في العلوم الهندسية وهذه الشهادة لم يحصل عليها إلا المتميزون و النابغون.
و برغم أن جميع وقف وممتلكات نيقولا باشا آلت إليه، وهي في حدود محافظة البحيرة ودمنهور بمنطقة شمال الدلتا وتقدر بحوالي الالف فدان، قام مكرم إسكندر – نيافة الانبا بيشوي – بنقل هذة التركة والوقف والتنازل عنها للكنيسة وكل ممتلكاتة المادية والعينية كما قال الكتاب المقدس آلت للفقراء والمعوزين والذين ليس لهم أحد أن يذكرهم، وتبع سيده السيد المسيح، ودخل سلك الرهبنة للتفرغ للعبادة الحقيقية .. نعم ترك العالم ونذر حياته بدير السريان العامر، و رسم راهبا في ١٦ فبراير عام ١٩٦٩ باسم توما السرياني وظل في الدير لمدة عامين و فى ٢٤ سبتمبر عام ١٩٧٢ تم ترسيمه أسقفاً وعمره ٢٩ عاماً و ١٠ شهور، رغم أن الحد الأدني لترسيم القسيس وليس الأسقف 30 سنة، ولكن البابا شنودة ولحبه الشديد للأنبا بيشوي قام بترسيمه أسقفاً، لانه كان مزمعاً على السفر إلى سويسرا ليتناوب رئاسة الحوار الأرثوذكسى، على مستوى الكنائس الأرثوذكسية فى العالم، وكان بداخل الحوار مطارنة من كلا عائلتى الكنائس الأرثوذكسية وكان الموقف يشكل بعض الحرج فى رئاسته الجلسة فى وجود هؤلاء المطارنة ! وهو أقل رتبة منهم ولذلك قال له المتنيح البابا شنوده: إن هذه الرسامة جاءت فى ميعادها.
نيافة الأنبا بيشوي تعمق في علم اللاهوت ودرس أقوال الآباء في مراجع باللغة الإنجيلزية، و أحب علم اللاهوت بفروعه المختلفة وإستهوته هذه الدراسة إلي أبعد حد حتي أنه يتكلم في ذلك العلم كثيراً في عظات وإجتماعات، في لقاءات في جلسات خاصة، ويستغرقه الكلام في ذلك لساعات طويلة.
فى ٧ سبتمبر ١٩٨١ قرار الرئيس السادات بالتحفظ عليه، ولم يكن قد أجلس على كرسيه حيث ظل معتقلاً فى السجن من ٧ سبتمبر سنة ١٩٨١ إلى ١٢ فبراير سنة ١٩٨٢ فى التحفظ، وبعد الإفراج عنه ذهب إلى دير مارمينا بمريوط ودير البراموس ثم دير السريان، وعاد إلى إيبارشيته في الأول من يناير عام ١٩٨٥، مبتدئاً بكنيسة السيدة العذراء بسخا وجاء معه من دير السريان وفد من الآباء الأساقفة منهم المتنيح الأنبا ثاؤفيلس رئيس الدير وأصحاب النيافة الأنبا هدرا أسقف أسوان والأنبا بنيامين أسقف المنوفية والأنبا أشعياء أسقف طهطا، والأنبا بسادة أسقف إخميم وأجلسوه على كرسيه فى سخا بعد صلاة الشكر ورفع البخور وسط ألحان الشمامسة وفرحة الشعب، ثم ذهب إلى باقى الكنائس الرئيسية فى الإيبارشية.
أختير سكرتيراً للمجمع المقدس فى عام ١٩٨٥ و عمل أستاذا للاهوت في الكلية الإكليريكية، مثل الكنيسة القبطية فى مؤتمرات كثيرة بالخارج أهمها المباحثات اللاهوتية التى هدفها تقريب وجهات النظر والإتحاد بالكنائس العالمية المختلفة، كما أنتخب عضواً بعدد من المجالس الكنسية والعالمية، كذلك تم إختياره من قٍبل قداسة البابا رئيس لجنة الحوار والتقارب مع الكنيسة الكاثوليكية في روما وقد تم الاتفاق علي 90 % من المسائل اللاهوتية الخلافية للكنيسة الارثوذكسية وهذا بفضل حجته اللاهوتية القوية والمقنعة والعلمية والبعيدة كل البعد عن العاطفة والتعصب بإعتراف كرادلة الكنيسة الكاثوليكية، وعلى رأسهم المتنيح قداسة البابا يوحنا بولس الثاني.
في ٢ سبتمبر ١٩٩٠، تم ترقيته إلى درجة مطران، وقد جاءت مناسبة هذه الرسامة أثناء تدشين كاتدرائية القديس أثناسيوس الرسولى بدمنهور فى يوم الأحد ٢ سبتمبر ١٩٩٠، حيث تم نقل رفات القديس إلى الكاتدرائية، وكان البابا شنوده الثالث مزمعاً على أن يقوم بترقية نيافة الأنبا باخوميوس مطراناً فى هذه المناسبة، فطلب قداسته إضافة إسم نيافة الأنبا بيشوى إلى جانب نيافة الأنبا باخوميوس تقدير لمكانته الكنسية و تعبه من أجلها، فجال أنبا بيشوي في حياته كل متاحف العالم يجمع البرديات والمخطوطات الخاصة بالكتاب المقدس منذ العصور الاولي للمسيحية الي الآن وهذا مجهود عظيم وجبار ليعطي درساً علمياً وعملياً بالدليل والحجة والبرهان بإستحالة تحريف الكتاب المقدس، وهذة المخطوطات والبرديات موجودة حاليا في المكتبة الحديثة بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية لهواة البحث العلمي والاضطلاع.
أشتهر بتفنيد دعاوي زيدان الباطلة والمغرضة في رواتيه الكاذبة والمتجنية علي الكنيسة القبطية “عزازيل” وكشفه في جميع المحافل العلمية والبحثية.
أن كان يظهر الرجل الحديدي، القوي، إلا أن قلبه الطفولي و محبته البسيطة، شعر بهما كل من تقرب منه بالحق، و أن تكلم فكان مدققا عظيما، يجعلك تترك كل شئ بإرادتك لتسمع له.
وداعا أنبا بيشوي اللاهوتي العملاق يا من تركتنا لتمضي بسلام، الله يعيننا كما أعانك.