الفاضل الدكتور القس أندريا زكي رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر
الفاضل الدكتور القس ثروت قادس رئيس مجلس الحوار والعلاقات بسنودس النيل الإنجيلي
السيدات والسادة, الحضور الكريم يسرني بالأصالة عن نفسي, وبالنيابة عن سنودس النيل الإنجيلي المجمع الأعلى للكنيسة الإنجيلية المشيخية بمصر, أن أرحب بحضراتكم جميعاً في هذه المناسبة الهامة, افتتاح الأكاديمية الدولية للحوار.الحوار لغويًا هو ديالوج, أي التكلم وتبادل الأفكار, وهو أداة الفكر والتفاعل اللفظي بين اثنين أو أكثر من البشر, بهدف التواصل الإنساني, وتبادل الخبرات والأفكار, وتكاملها في أسلوب بعيد عن التعصب, ولا يُقصد به الخصومة, فهو في هذا يختلف عن الجدل الذي فيه منازعة وقوة وخصومة, كما يختلف عن المناظرة التي تقوم على المواجهة والتضاد والتصحيح والإبطال, الحوار بحق قيمة إنسانية عظمى لايكاد يختلف حولها اثنان من سكان عالمنا, مشرقه ومغربه, وشماله وجنوبه, وهو يبدأ بالبيت والمدرسة والمجتمع, والحوار الراقي لا غنى عنه من أجل التعايش مع الآخر بل ومن أجل ما هو أروع وهو العيش المشترك الذي يقوم على الوحدة الإنسانية وجوداً ومصيراً, فيحب المرء لغيره ما يحبه لنفسه, ويؤمن بضرورة وجوده معه وإلى جانبه, يدخل معه في حوار منفتح, يتبادل وإياه الفكر, يسمعه جيداً, يأخذ منه ويعطيه, ويعرف كيف يختلف معه في الرأي دون أن يخسره, فيكون الاختلاف مصدراً لثراء حياتهما معاً, وللفهم الأعمق لمنطق الحياة, بل ولمعرفة الآخر معرفة أوثق بكل مكوناته, والاعتراف به وبخياراته, ليصير الحوار موضوعياً ومتكافئاً, ذلك أن الحوار المتجانس الذي يسعى إلى كشف الأمور المشتركة هو الضمانة الحق للعيش المشترك. والحوار الراقي هو الذي يخلو من أية نبرة تنفير أو تعيير أو تحقير, وهو الذي لا تشوبه جدلية التعصب, ولا صخب النقاش الحاد, الذي قد ينطوى على عدوانية مرفوضة رفضاً بات.
ومما لا شك فيه أن الإصلاح الديني الذي قاده مارتن لوثر في31 أكتوبر عام 1517 في فيترمبرج في المانيا لعب دوراً كبيراً في كسر جمود وحدة الرأي الواحد الذي لا يجب مناقشته, وفتح أفاقاً جديدة للحوار العقلاني, والاعتراف بوجود الأطراف المختلفة, والأفكار المتباينة هي التي نقلت الإنسان من عصر البداوة إلى عصر الصناعة ثم إلى عصر ما بعد الصناعة أي حضارة الألفية الثالثة, وأن من أهم ثمارها حب التعددية بشتى مظاهرها بصفتها من أهم وأجمل حقائق الحياة مع ما تنطوى عليه من غيرية وسماحية ثقافية ودينية, وترسيخ الإيمان بعالمية العلم والمعرفة, ونبذ التعصب وبذوره, ومن أهم أقطاب صُناع هذه الحضارة: فرانسيس بيكون في إنجلترا, وديكارت في فرنسا, وفولتير وجان جاك روسو وجون لوك, وغيرهم من قادة التنوير.
وهنا لا يجب أن نغفل الدور الهام الذي قام به ابن رشد الفيلسوف المسلم في نقل وترجمة فكر أرسطو إلى أوربامما أسهم في التنوير الأوربي لقد دعا ابن رشد إلى إعمال العقل, حيث قال إذا تعارض النص مع العقل فلابد من تأويل النص ليتفق مع العقل.
إن العدو الحقيقي لنا جميعًا هو : غياب ثقافة الحوار الذي يأخذ في الاعتبار نسبية الحقيقة, وأنها ليست حكراً على أحد, والإيمان بتعدد الرؤى, والاقتناع بحق الاختلاف, وبحق الآخر في قبوله كما هو, وأن الحقيقة المطلقة الوحيدة التي يمكن أن يُجمع عليها جميع البشر هي غير موجودة باستثناء المو وهنا لابد أن أشيد بالسياسة الخارجية الألمانية التي. تهتم وتحرص على الحوار مع المجموعات الدينية المختلفة في خارج المانيا, من أجل إرساء دعائم السلام في ظل عالم حافل بالأزمات والصراعات التي تقوم على مبررات دينية, كما أشيد بالدور الذي تقوم به الكنيسة الإنجيلية المشيخية في مصر ودورها في نشر قيم التسامح والعيش المشترك وقبول التعددية من خلال الحوارات والندوات التي تقام بالشراكة مع الأزهر الشريف ووزارة الوقاف المصرية.
وقد لعبت الهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية دوراً كبيراً ومهماً في توسيع دائرة هذه الحوارات. وكذلك مجلس الحوارات والعلاقات المسكونية بسنودس النيل الإنجيلي برئاسة الدكتور القس ثروت قادس الذي قام بدور متميز في الحوار على مدار الثماني سنوات الماضية.
من المؤسف أن الأصوليين الدينيين والإرهابيين أعداء الحياة كثيراً ما يستغلون الدين بشكل محزن, ويفسرون النصوص الدينية بعيداً عن سياقها التاريخي والحضاري, لذا إذا كنا لا نريد أن يصبح الدين جزءاً من المشكلة علينا جميعاً ان نتكاتف معاً لنجعله جزءاً مسموعاً ومرئياً من الحل, وعلينا أن نتصدى جميعاً بكل حزم وقوة لمن يسئ استخدام الدي. فرسالة الأديان هي نشر ثقافة السلام لا الخصام, وزرع بذار الحب لا الحرب, لذا علينا أن نسعى جميعاً لنجعل مصطلح “الدين والسلام” أكثر تداولاً, وأكثر انتشاراً, وأكثر فاعلية, من مصطلح “الدين والصراع”.
إن الأديان بها طاقة كامنة للسلام علينا أن نظهرها ونبرزها ونعيشها ونطبقها في حياتنا اليومية.
ولو نظرنا في الأفق لنبحث عن الطاقة البناءة الكامنة في الأديان, سنكتشف أن مشاهير أبطال الثورات اللاعنفية, أيقونات السلام العالمية, من أمثال مهاتما غاندي, ومارتن لوثر كينج, ونيلسون مانديلا, كانوا مناضلين سياسيين لكنهم كانوا في الوقت ذاته, شخصيات شديدة التدين, وكلا الجانبين: الدين والسلام, كانا بالنسبة لهؤلاء مرتبطين ارتباطاً عضوياً وحتمياً أحدهما بالأخر, وهناك أعداد لا تحصى من أمثال غاندي وكينج ومانديلا, أعداد من دعاة السلام, ساهموا بنجاح وبفاعيلية عالية في تحفيف حدة الصراعات, وفي تجنيب البشر موجات كثيرة من العنف.
وهذه الأمثلة ما هي إلا غيض من فيض من أمثلة لا تُعد ولا تُحصى, إن ذوى الخلفيات الدينية من الرجال والنساء يمكنهم تخفيف حدة الصراعات, والدفع نحو تحقيق السلام باستخدام الطاقة البناءة الإيجابية الكامنة في الأديان. وختاماً إذا أردنا السلام فلاغنى عن الحوار, وإذا غاب منطق الحوار فحتماً سننطق الحراب, وسيعلو صوت البنادق, وستُحفر الخنادق, وتُستب.