هي كالشمس التي تحجبها أحيانا غلالة رقيقة من الضباب الذي ينقشع رويدا رويدا على مر سنوات من عمر الزمان فيكشف لنا جوانب جديدة من وجهها وتنفتح خزائن أسرار لم نتوقع إكتشافها بعد مرور 45 عاما من عمر الزمان إنها حرب أكتوبر التى يظهر لها في كل عام أبطالا مجهولون ربما لم يكونوا على خط النار بشكل مباشر لكنهم أدوا أدوارا خفية وحفظوا أسرارا عسكرية خطيرة لولاها ما تحقق النصر الذي نباهى به ومن هؤلاء النقيب سمير لبيب بسلاح الإشارة والذي كان لنا معه هذا الحوار :
*ماهي بيانات بطاقتك الشخصية؟
-سمير لبيب حنا عبده من مواليد 17 / 7/ 1947 ببنها وتخرجت فى المعهد العالي للعلوم المالية والتجارية بالزمالك “كلية التجارة جامعة حلوان حاليا” عام 1969.
*متى إلتحقت بالخدمة العسكرية وماذا كان دورك ؟
-تم تجنيدي ضابط إحتياط بالقوات المسلحة في سبتمبر 1969 وعقب إنتهاء التدريب بكلية الضباط الإحتياط تم توزيعنا على الوحدات فكان توزيعي بسلاح المدرعات وأخذت فرقة وكان باقي على إنتهاء الفرقة وضرب النار أسبوع واحد وكان ذلك أوائل عام 1970 لكني وزملائي فوجئنا بمدير مدرسة المدرعات يجمعنا ويسألنا إن كان أحدنا يرغب في ترك السلاح ولما لم يبدى أحد رغبته في ذلك أخبرنا أن سلاح الإشارة طلب “50” ضابط وسيأخذون فرقة في الإشارة وقد طلبوا منا ترشيح “4” من المدرعات فلما لم يجد من أحدنا الرغبة في ترك السلاح قام بعمل قرعة وكنت أنا ضمن من سيتركون المدرعات فبكيت وطلبت وساطة عقيد أعرفه فأعطاني “كارت” لمقدم بمدرسة المدرعات فقال لي أنه لن يلبى طلبي لأن سلاح الإشارة أفضل كثيرا وأريح من المدرعات والغريب أنني كنت باللواء “5” مدرعات الذي أبيد فيما بعد بالكامل في ثغرة “الدفرسوار” فكان نقلي للإشارة هو سبب نجاتي من الموت للمرة الأولى وبعدها ذهبت لدورة سلاح الإشارة فكنت الأول على “50” ضابط فقالوا أن الأول والثاني والثالث سيقومون بالتدريس في مركز الجبل الأحمر ولن يوزعوا على وحدات ومع أول أيام قيامي بالتدريس طلبني قائد المركز وأبلغني بنقلي إلى فرع الإمداد بجوار الكلية الفنية العسكرية بالعباسية حيث أسندت لي مسئولية العقود الخارجية للأسلحة والمعدات الخاصة بسلاح الإشارة وعندما قابلت مدير المركز قال لي أن مدير سلاح الإشارة سيناقشنى وبعد أسبوعين سيختبر مدى علمي بكل التعاقدات الخارجية لكل الأسلحة ولابد من الرد الوافي وإلا سينقلني للبحر الأحمر وبالفعل قام اللواء “محمد رفعت وهبة ” مدير سلاح الإشارة بإختباري وأثنى على مجهودي في ترتيب التعاقدات الخارجية لكل معدات سلاح الإشارة بكامله وقال لي بالحرف الواحد “أنت الأن وثيقة سرية فهذه العقود أسرار عسكرية أنت مؤتمن عليها ولابد أن تخبرني بما يأتي من أسلحة أولا بأول حتى يتم عمل أوامر التسليح والإمداد لوحدات سلاح الإشارة بالكامل وكان ذلك خلال حرب الإستنزاف والإعداد لحرب أكتوبر ثم إنتقل المقر من العباسية لمدينة نصر وكنت هناك دائما مع مدير السلاح حتى لا حظنا أن القيادة كانت تستدعينا لمشاريع تكتيكية للتدريب على الحرب وتم تعييني قائد مستودع أسلحة الإشارة فرعى “1” بدلا من رائد يدعى “عبد الكريم” كان يجرى عملية جراحية وكان من المقرر أن هذا المستودع الذي كان في ميت حبيش بطنطا سيندفع خلف القوات خلال العبور وظللت قائده ل”4″ شهور ثم عدت لموقعي بالمركز حتى قيل لي أن هناك مشروع تكتيكي بمركز عمليات “200” (رفض ذكر مكانه لضرورات الأمن القومي) وهو مركز بديل للمركز الذىي كان الرئيس السادات يدير منه الحرب وكان سيستعمل حال إكتشاف المركز الأول وذهبت إلى هناك لأكون أقل رتبة حيث أنني ملازم أول وسط عمداء وعقداء أركان حرب ومقدمين وكنا في رمضان ولم يكن أحد يعلم بساعة الصفر وكانت النوبتجيات مقسمة بيني وبين “3” ضباط بواقع 8 ساعات لكل منا وفي يوم العبور كان المفترض أن أغادر المركز في الثامنة صباحا ويتسلم العميد “حسين الدسوقي” مكاني لكنه طلب مني البقاء لإرتباطه بعزومة إفطار عائلية فوافقت وفي تمام الثانية والربع ظهرا فوجئت بإتصال من الرائد “عبد الكريم ” قائد مستودع طنطا الذي عملت مكانه “4” شهور وهنأني ببدء العبور وأعطاني قائمة طويلة من الأسلحة والمعدات التي يجب أن أرسلها له بمعسكر الجلاء بالإسماعيلية مع أخر ضوء لإمداد القوات التي تعبر بها مباشرة وإتصلت بالعميد “حسين دسوقي” فحضر فورا للمركز وكذا إتصلت بمستودعات الإشارة التي جهزت المعدات وذهبت بها أنا وأحد العقداء مع أخر ضوء متوجهين لمعسكر الجلاء بالإسماعيلية.
*ما هي أصعب المواقف التي واجهتك خلال الحرب ؟
– أكثر موقف محفور بذاكرتي هو أننا عندما وصلنا أنا والعقيد لمعسكر الجلاء أمرونا ألا نغادر الإسماعيلية إلا في الصباح الباكر فتوقعت أن نبيت بأحد الملاجئ وكنا لا نرى المكان ليلا ولا نعرفه لأنه تحت الأرض وله سلالم رملية وكان المفترض بحسب التقاليد العسكرية أن ينزل العقيد أولا ثم أنا الملازم الأول ثم الجندي لكننا طلبنا من الجندي الواقف بالمؤخرة أن يتقدمنا لإرشادنا للمكان وخلال المناقشة سمعنا دوي إنفجار صاروخ وفي نفس اللحظة وجدت الجندي يرتمي بجسده على ظهري ونظرت له لأجد جثة بلا رأس وكأنه إستشهد بدلا مني لأننا كنا نطلب منه أن يتقدمنا والعقيد خلفه ثم أنا وهكذا نجاني الله من الموت للمرة الثانية بمعجزة.
*كيف أمضيت أيام الحرب حتى تحقق النصر ؟ وهل كلفت بشئ أخر ؟
-ظللت في موقعي مسئولا عن كل العقود الخارجية طوال الحرب وأضيف لها العقود المحلية وكان ذلك بأمر مديرسلاح الإشارة اللواء “محمد رفعت وهبة” والذي عند خروجي من الخدمة عام 1975 أقام لي إحتفالا بمكتبه وكرمني طالبا مني ضرورة ترك تليفوناتي وعناويني لإستدعائي في حالة الطوارئ وقبل خروجي طلب مني تدريب “3” ضباط إحتياط وعقيد وتعريفهم بكل تفاصيل عملي بالعقود وعقب خروجي بشهر واحد وكنت أعمل بوزارة المالية إستدعاني مدير السلاح لسؤالي عن عقد ألمانيا الشرقية التي كانت تطالب بثمن “4” أجهزة تم توريدها لسلاح الإشارة خلال الحرب وأخذتهم القوات البحرية ولم تردهم عقب الحرب لسلاح الإشارة فطلب مني مخاطبة قائد البحرية لرد الأجهزة وقمنا بدفع ثمنهم لألمانيا الشرقية.
*هل إستمرت علاقتك بسلاح الإشارة والجيش بعد عام 1975 وواقعة ألمانيا الشرقية؟
-فور علمه أنني من بنها قام مدير سلاح الإشارة بنقلي لشركة بنها للصناعات الإلكترونية “المصنع الحربي” الذي كان يقوم خلال الحرب بتجميع الأجهزة الحربية وبعد أخذ ورد مع رئيسي المباشر بوزارة المالية تم نقلي لشركة بنها للصناعات الإلكترونية ببنها لأواصل مهمتي التي بدأت مع حرب الإستنزاف وحرب أكتوبر بمتابعة العقود الحربية لسلاح الإشارة وتجميعها بالشركة وتسليمها للسلاح وهذا أتاح لي السفر لعدة دول للتدريب ومناقشة المشاكل المالية بيننا وبينهم في مجال التسليح ومنها إنجلترا “4 مرات” وليبيا “3 مرات” وكانت أخر سفرياتي لعقود الأسلحة إلى النرويج عام 2002 وبسبب كفاءتي التي شهد بها مدير سلاح الإشارة توطدت علاقتي بالدكتور سيد مشعل وزير الإنتاج الحربي الأسبق وتم مد خدمتي 4 مرات في واقعة هي الأولى من نوعها من عام 2007 الذي شهد تكريمي من قبل الوزير وحتى عام 2011 وهكذا كنت مؤتمنا على كل أسرار عقود تسليح سلاح الإشارة خارجيا ومحليا وتجميعها لمدة “41” عاما كاملة من حرب الإستنزاف مرورا بحرب أكتوبر وحتى عام 2011 .
* ماهي الرتبة التي أنهيت بها خدمتك العسكرية؟ وهل عبرت أفلام أكتوبر عن أهوال الحرب كما عشتها؟
– خرجت عام 1975 برتبة نقيب وللأسف كل الأفلام المنتجة قديما وحديثا عن حربي الإستنزاف وأكتوبر لم تعبر إلا عن أقل من 50% من أهوال الحرب ولم تقدم بطولات كثيرة صنعت النصر العظيم.
* أخيرا هل تذكر مواقف أخرى خلال الحرب وهل تطالب الدولة بشئ نظير دورك الوطني الهام؟
– أتذكر أنه بعد صدور قرار الرئيس السادات بإلغاء العقود مع الجانب الروسي والتعاقد مع دول الغرب ومنها أوربا وإنجلترا وفرنسا للوصول لتسليح أكثر تطورا يمكننا من دخول الحرب بثقة تم عقد إجتماع بهيئة التسليح برئاسة رئيس الهيئة وطلب حضور كل مندوبي الأسلحة لمعرفة موقف عقود التسليح وما إنتهى منها لعمل تعاقدات جديدة مع الغرب فأرسلني مدير سلاح الإشارة وكنت وقتها ملازم أول فقال لي رئيس الهيئة “فين رئيس الفرع بتاعك؟ إنت اللى هتقوللى موقف العقود الخارجية بالكامل؟ “فقلت له” لو كان لا يعلم بكفاءتي وإلمامي بكل التفاصيل لما أرسلني” فطلب منى إستدعاء رئيس الفرع اللواء “حسين الدسوقى” وكان كلما توجه له بسؤال أقوم أنا بالرد عليه بإجابة وافية فإستبقاني أنا ورئيس الفرع بعد الإجتماع حيث تحدث إلينا بشكل ودي جدا كإعتذار عما بدر منه في حقي وإستهانته بي وسخريته مني في بداية الإجتماع ..أما عن ما أطالب به فهو أكيد ليس شيئا ماديا فقد كنت أخدم وطني الغالي وأساهم في تحقيق النصر وإسترداد الكرامة ولو عاد بي الزمن للوراء لفعلت ما فعلت وأكثر دون أي مقابل من أي نوع لكني فقط أطالب الدولة ممثلة في وزارة الدفاع بمنحي ميدالية تذكارية كالتي تم منحها لزملائي الذين ظلوا في الخدمة بعد عام 1975 لأنني وزملائي الذين خرجوا معي شاركنا في حربي الإستنزاف وأكتوبر ويعلم الله أننا قدمنا كل ما إستطعنا تقديمه لمصرنا الغالية.