حياة الرضا
ولكن شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان 2كو 2:14
كيف نقتني حياة الرضا؟
قبل أن نتحدث عن كيفية اقتناء حياة الرضا, سنتحدث أولا عن ما قبل خلقة الإنسان,فقبل أن يوجد الإنسان كان مجرد فكرة في عقل الله, فالله الخالق العظيم فكر في الإنسان قبل أن يوجد, وفكر فيه كشخص, وكإنسان يولد في هذا العالم,أكثر من ذلك أن الله كان مشغولا بالإنسان قبل أن يكون له اسم أو وجود.
وكان الله في ترتيبه أن يوجد إنسانا الذي هو أنت فيخلقك في زمن معين, وفي توقيت معين, وبجنس معين وتولد علي أرض معينة, وتصير أنت كما هو الآن,وهذا الأمر شيء هام جدا يجب أن نتذكره دائما لأنه أساس لحياة الرضا,إننا من قبل أن نوجد والله مهتم بنا, وهذا ما يسمي انشغال الله الخالق بخلقه يديه.
فقبل أن يرتبط زوج بزوجة,كان الابن في ترتيب الله أنه ذات يوم سيولد,فالله يعرف كل خطوة في حياتنا, بل أن حياتنا كلها مكشوفة أمام عينيه,فمهما أعطانا الله من عمر,إن كان مائة عام أو أكثر أو أقل فهذه السنين الطويلة بكل تفاصيلها مكشوفة, ومعروفة أمام عينيه,فاعلم أنك كنت فكرة في عقل الله, والله انشغل بك حتي أوجدك لذلك فأنت موضع اهتمام الله قبل أن توجد,وهذا هو الأساس القوي لحياة الرضا.
مثال لذلك: إن الله قد يرتب بعض الأحداث,وهذه الأحداث قد تسمح أن يتزوج شخص معين زوجة معينة وينجبا ابنا,ويصير هذا الابن معروفا علي الأرض بالاسم الذي أخذه عند ميلاده,وهذه هي المرحلة الثانية وهي خطة نظام الله في البشر,ومن الممكن أن نبسطها بطريقة أخري فنقول: إنك كنت فكرة في عقل الله, ثم صرت خطة في قلبه ثم صرت فرحة في يده عندما أوجدك,فكم أنت كائن مهم جدا عند الله؟!
فالله لم يخلق إنسانا بلا هدف,فكل إنسان أوجده الله علي هذه الأرض له مقصد وله هدف,فالله لم يخلق الإنسان صدفة, حاشا لله, فالإنسان كان فكرة في عقل الله وخطة في قلبه,وفرحة في يده,وكما يقول الكتاب: لذاتي مع بني آدمأم8: 31وصار الله مسرورا جدا بالإنسان.
ولتشبيه ذلك من طبيعة حياتنا البشرية,عندما تكون سيدة حبلي وتنتظر مولودا قادما,ففي يوم ميلاده تكون فرحة كبيرة في البيت,ونفكر في اسم هذا المولود ماذا سيكون إن كان ابنا أو ابنة ويتم تسجيله في المواليد, ويكون له اسم في المكان الذي ولد فيه.
وقد نعبر عن هذه الفرحة بأن يأتي الأهل والأصدقاء للمباركة,ثم بعد ذلك يبدأ هذا الطفل في النمو قليلا قليلا,حتي يصير إنسانا كاملا وبالغا,ويعيش هذه الحياة,وهذه كلها أفعال بشرية,أما الله الخالق فتكون فرحته فرحة خاصة جدا, وكما يقول الكتاب:أنا حملتكم علي أجنحة النسور وجئت بكم إليخر19:4.
وهنا نسأل كيف إنسان بهذه الخلفية يعيش حياة الرضا؟ وكيف يقتنيها؟ ونجيب أن هناك ثلاثة جوانب تجعل الإنسان دائما فرحا ويعيش في جو من الرضا والقبول,وهذه الجوانب الثلاثة هي: أولا الطاعة والقبول, ثانيا حياة التسليم,ثالثا: الثقة والإيمان.
أولا: الطاعة والقبول:
إن أول جانب من جوانب اقتناء حياة الرضا هو القبول والطاعة لمواعيد الله,فالإنسان الذي قد درب نفسه علي أن يطيع الله في حياته يستطيع أن يعيش في حياة الرضا, فالطاعة بها شكل من أشكال الإيمان أو التسليم كما حدث مع أبينا إبراهيم أبي الآباء.
فقد كان يحيا في أور الكلدانيين أي في العراق حاليا,وسمع نداء إلهيا يقول له: اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلي الأرض التي أريك,فأجعلك أمه عظيمة وأباركك وأعظم اسمك وتكون بركة, وأبارك مباركيك,ولاعنك ألعنه. وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض, فذهب أبرآم كما قال له الرب وذهب معه لوطتك12:1-4.
فعندما نتأمل هذه الآيات السابقة,وهذا النداء الإلهي نستطيع أن نري بوضوح أكثر من جانب, فنري في هذه الآيات الأمر الإلهي, وأيضا الطاعة الإنسانية,أو الطاعة البشرية التي قد تم تنفيذها مباشرة, وكما نتعلم من النسكيات الديرية هذه العبارة: علي ابن الطاعة تحل البركة والحياة تشهد بذلك.
فالإنسان الذي يعيش في الطاعة ينال بركة,ففي البيت ينال بركة الأسرة… وفي الدير ينال بركة الرهبنة… وفي الخدمة ينال بركة الكنيسة… وفي المجتمع ينال بركة المجتمع الذي يعيش فيه والمقصود بالطاعة هنا هو الطاعة الحكيمة والطاعة المتعقلة, وليس الطاعة المطلقة بدون تعقل.
لذلك لايستطيع الإنسان أن يشعر بحياة الرضا دون أن يعيش في هذه الطاعة,أما الإنسان الذي يرفض حيا الطاعة والقبول,ويريد أن يفعل ما يراه فقط, ويري دائما أن أفكاره فقط هي الصائبة والصحيحة فهذا الإنسان لايستطيع أن يعيش في حياة الرضا.
ثانيا حياة التسليم:
إن الجانب الثاني الذي يساعد الإنسان علي حاة الرضا هو حياة التسليم, وأبسط صورة لحياة التسليم,هي صورة أب يكون ممسكا بيد ابنه الصغير,ويسير معه في أحد الشورع المزدحمة,فنري أن هذا الابن الصغير لا يكون مشغولا بكيفية عبور الشارع أو يخشي من العربات.
ولكنه يشعر بمنتهي الأمان, لأنه ممسك بيد أبيه, والأكثر من ذلك أننا نجده مشغولا بالنظر إلي الناس والعربات والمحلات, وكل ما يلفت الانتباه من صور أو إعلانات أو أضواء أو غيرها,وشعوره بالأمان هذا يرجع إلي أنه ممسك بيد أبيه! لذلك نقرأ في بعض سير القديسين,أنه عندما كان أخ مبتدئ يتعرض لبعض الحروب الروحية,كان يقف للصلاة ويقول:ببركة أبي ارفع يارب عني هذه الحروب.
أن الإنسان في هذه الأزمنة التي نعيش فيها أصبح إلها لنفسه وذلك لأن عقله قد اخترع وابتكر أشياء كثيرة جدا,وأصبح لايستطيع أن يعيش حياة التسليم لأن عقله أصبح يفكر في كل شيء,ولكنه يفكر بطريقة سلبية أما التسليم فهو التفكير الهاديء.
وكما يقول الكتابأما طيب القلب فوليمة دائمةأم 15:15 بمعني أنه يكون فرحا وراضيا ودائما في حالة من التسليم القلبي أو التسليم الداخلي, والتسليم هو الذي يجعل الإنسان يشعر بشكل من أشكال الراحة النفسية والراحة الداخلية. ففي بعض الأحيان لايستطيع الإنسان أن يشعر براحة نفسية, وذلك لأنه يريد الحصول علي أشياء كثيرة إن كانت نفسية أو مادية ولايريد حدوث أشياء أخري قد لايرغب في حدوثها.
وأيضا من أسباب عدم حدوث الراحة النفسية,أنه قد لا تنسجم أفكاره مع أفكار من حوله ممن يتعامل معهم, في مجال الأسرة, أو العمل, أو الخدمة, أو في أي مجال.
ومن المعروف مما قرأناه من أقوال الفلاسفة عن تاريخ البشرية قبل ميلاد السيد المسيح, أن الأخلاق كانت هي العنصر الحاكم في علاقات البشر بعضهم مع بعض,ومع الوقت تطور البشر وعرفوا الله والتجسد والصلب, وكان ذلك كما نعلم جميعا منذ أكثر من ألفي عام, ثم بدأ التطور العلمي ومع بداية الثورة الصناعية في العالم واختراع الآلات,أصبح عقل الإنسان هو إلهه.
وعلي سبيل المثال أذكر لكم هذه القصة الواقعية إنني في إحدي المرات كنت أتحدث مع مجموعة من الشباب الأجنبي في الخارج,وكنت أتحدث معهم عن الله,وأنه هو االذي يدبر حياتنا, وفوجئت بفتاة عمرها لايزيد عن ثمانية عشر عاما تقول لي إني لا أحتاج إلي الله في أي شيء! عندما أريد الكهرباء أضغط علي مفتاح الكهرباء,فيضيء المكان, وهكذا كل ما أحتاج إليه فما الذي يجعلني أحتاج إلي الله! وبالطبع هذا فكر قاصر.
إن حياة التسليم بها ضمان للصحة النفسية للإنسان ولكن ما معني الصحة النفسية؟إن الصحية النفسية هي أن كل وظائف جسم الإنسان تكون متوافقة بعضها مع بعض لذلك عندما يحدث صراع ورغبات وتطلعات للإنسان ربما تكون بعيدة عن يديه قد يحدث بعض الخلل في وظائف جسم الإنسان,وقد يجد الإنسان نفسه قد دخل في أتعاب نفسية كثيرة, لذلك فحياة التسليم هي أداة أمان.
إن أقرب مثال لذلك هو قصة حياة راعوث الجميلة,التي عاشت حياة التسليم حتي آخر يوم في حياتها,وعندما نقرأ السفر الخاص بها في الكتاب المقدس,وهو سفر صغير جدا,عبارة عن أربعة أصحاحات نستطيع أن نختصره في أن: راعوث إنسانة عاشت حياة التسليم, برغم كل ما مر بها من ظروف قاسية خلال مشوار حياتها.
ثالثا: الثقة والإيمان:
إن الجانب الثالث الذي يجعلنا نعيش في حياة الرضا هو الثقة والإيمان, بمعني الثقة في شخص السيد المسيح الذي يدبر هذه الحياة,وكما يقول الكتاب: ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الله.رو8:28 فعندما نقرأ هذه الآية نشعر أن لنا ثقة, وإيمانا داخليا بأن يد الله قوية وما زالت تعمل وهو يدبر كل شيء.
وتدبيرات الله للإنسان تدبيرات حكيمة جدا ولكن قد يشعر الإنسان في بعض الأوقات أنه غير مدرك لما يحدث حوله من أحداث, وهل هي لخيره أم لا؟! ولكن من خلال ثقته وإيمانه بيسوع المسيح,تصير حياته في جو من الرضا الجميل.
مثال لذلك شاول الطرسوسي,الذي كان يضطهد كنيسة الله بإفراط وكان مجرد ذكر اسمه يزعج كل أحد من المؤمنين ولكن بعد ظهور السيد المسيح له في الطريق إلي دمشق,ولم يجد شاول غير جملة واحدة يستطيع أن يجيب بها علي السيد المسيح وهي: يارب ماذا تريد أن أفعلأع9:6.
إن هذا السؤال: يارب ماذا تريد أن أفعل؟ هو أحد أسئلة الكتاب المقدس الجميلة,وكأن كل فرد منا يريد أن يقول للرب: يارب أنا لا أريد أن أفعل شيئا بفكري الخاص أو رغبتي الخاصة,بل أريد أن أفعل ما تريده أنت, والذي يفرح قلبك أنت. وعندما نتذكر أحداث يوم خميس العهد, عندما انحني السيد المسيح وبدأ يغسل أرجل تلاميذه وجاء دور القديس بطرس الرسول, ابتعد ورفض في البداية,فقال له السيد المسيح قولا جميلا جدا:لست تعلم أنت الآن ما أنا أصنع,ولكنك ستفهم فيما بعديو13:7.
فنحن في بعض الأحيان نري أمورا كثيرة,ولكننا لا نفهم لماذا؟! ولكن الله في توقيته المناسب يعمل, ويعمل لخيرنا دائما كما يقول الكتابكل أيام الحزين شقيةأم 15:15 فالإنسان الذي لايكون راضيا عن ظروفه ويعيش في جو من الحزن تكون كل أيامه تعبا وشقاء.
والمقصود بالحزين هنا هو الإنسان البعيد عن الله والذي يسير بفكره الخاص, ويوجد بداخله كثير من الأمواج والصراعات لرغبات كثيرة,ومثل هذا الإنسان لايجد تعزية في الطريق الروحي.
أما طيب القلب فوليمة دائمةأم 15:15, والمقصود بطيب القلب هنا,هو الإنسان الراضي عن حياته ويعيش في حياة الطاعة والقبول, فالإنسان الذي يعيش حياة التسليم يشعر دائما أنه في وليمة دائمة, بمعني أنه يشعر بالشبع الدائم.