جبر الخواطر أو “تتطيب الخواطر” من الأفعال المحمودة دينيا واجتماعيا، فمن يجبر خواطر الناس يتسم بالنبل والرقى. وكما هو معروف أن كلمة جبر تعنى “تجبير الكسر” أى أنها مقابل الكسر، وكلمة خاطر لها أكثر من معنى فهى تعنى فكرة أو رأى ولكنها بالمعنى المجازى تعنى القلب أو النفس. وعندما نقول أخذ بخاطره أو جبر خاطره، فهذه يعنى التعزية والمواساة، أى الترضية وتطييب كسرة القلب أو النفس. ويحدث هذا عندما يمر الشخص بظروف مؤلمة فيحتاج إلى من يأخذ بخاطره أو يجبر كسرة قلبه أو نفسه. ومن الدعوات الشائعة والتى تتضمن نوعا من التعبير عن الشكر والامتنان هى: “ربنا يجبر بخاطرك”. ويمكن أن يكون جبر الخواطر على سبيل المجاملة، فلا ضرر من ذلك، لأن الهدف ليس تحقيق شئ سوى التخفيف من الحزن وكسرة القلب.
وتهتم الثقافة الشعبية بجبر الخواطر ومواساة الأشخاص ومداواة نفوسهم، وتتنوع المقولات والأمثال الشعبية بتنوع الحوادث والظروف، كالموت، والفقدان وغيرها. ومن بين ما يستدعى تطييب الخاطر تأخر قلة الحظ فى الزواج، فعدم زواج الفتاة أو تأخره يعد مشكلة تستدعى الهم والحزن، وينكسر خاطرها عندما ترى أن أترابها يتزوجن وهى على حالها، وهو الأمر الذى يتطلب التدخل لجبر خاطرها، وهذا ما تقوم به بعض الأمثال الشعبية للتقليل من شأن من تزوجن من حيث قيمتهن الجمالية، وإبراز أن المسألة تتعلق بالحظ والأقل جمالا دائما حظها أوفر من صاحبة الحسن والجمال. وغالبا ما يأتى جبر الخواطر باستخدام الأمثال الشعبية على سبيل المجاملة لا أكثر. ومن هذه الأمثال: “إدوا البخوت لمكتكتين الروس أما اللى شعرهم ناعم بختهم متعوس”، بمعنى أن حظ ذوات الشعر المجعد أفضل من ذوات الشعر الناعم.. وكذلك:”إدَم البخوت للندل والندلة ومكتكتين الشعر والهبلة”. ومن الأمثال كذلك: “بخت العفنة بالحفنة”، و”أم بربور لا تبور”، “تبقى سوده وبنت عبد ودخلتها ليلة الحد”، وأيضا “عورة ودخلتها العصر”، “الفرح لعلعة والعروسة ضفدعة”، “من كُتر خطابها بارت.. مسى عليها الليل واحتارت”. “لا عين كحيلة ولا خد أحمر”.
وكما يتضح فى هذه الأمثال، فإن معايير الحسن والقبح تقول على رموز جسدية كالشعر الناعم وحمرة الخدود كدليل على الجمال والحسن. ولكن الاستهداف ينصب بالأساس على الفتاة التى كان لها حظ الزواج، فهى الأوفر حظا رغم صفاتها القبيحة والتى تتضمن سمات جسدية كالشعر المجعد “الكُتكت”، ولكن كذلك الجوانب العقلية والنفسية كالندالة والهبل. ولا تخلو المسألة من نظرة عنصرية حيث يتم وصف ذات الحظ الأوفر فى الزواج بأنها سوداء ومن سلالة العبيد. والهدف من استخدام هذه الرموز الجسدية والنفسية هو مجرد التقليل من شأن صاحبة الحظ، وبالتالى جبر خاطر قليلة الحظ وإعطائها ثقة فى ذاتها بأن حظها أقل لسبب معروف ومنطقى وهو أنها الأجمل وليست من تلك الفئة القبيحة المحظوظة.
وبالطبع فإن عملية جبر الخواطر بسبب عدم الزواج أو تأخره تخص النساء دون الرجال، فلا نجد من الأمثال الشعبية ما يستهدف جبر خاطر الرجل بسبب تأخر زواجه، ولكن ربما لومه لتأخر زواجه، لأن القرار يكون بيده، أما قرار زواج الفتاة فليس بيدها فهى يجب أن يتم طلبها ولكن ليس من حقها أن تطلب. كما أن عدم زواج الفتاة أو تأخره يعد وصمة على جبينها وعبء على أسرتها. ولمعرفة خطور الأمر وأهميته، يكفى الإشارة إلى أن الثقافة الشعبية تقرن زواج البنت بالجبر، وعدم زواجها بالموت، فيقول المثل الشعبى: “البنت لما تكبر تقول الجبر يا القبر”، والجبر فى هذا المثل يعنى الزواج.
صحيح أن جبر الخواطر من الأمور المحمودة، حتى لو جاء على سبيل المجاملة، ولكن المشكلة أنه فى حالات مثل هذه ليس إلا مناورة للتخفيف من وقع ثقافة تظلم النساء بسجنهم داخل علاقة الزواج، فبدونها تنتهى حياة المرأة. وهذه الضغوط عرفتها الفتيات ولا زلن حتى فى ظل التغيرات التى شهدتها المجتمعات المعاصرة. إن الضغوط بسبب خوف البنت من أن “يفوتها” قطار الزواج فيمتن معنويا، جعل الكثيرات يقبلن الدخول فى علاقات زوجية هى الموت بعينه. إن جبر الخواطر لن يحرر النساء من ضغوط الواقع الثقافى والاجتماعى، أما ما يحررهن هو تغيير هذا الواقع.