تبدأ قصة دير السلطان، عندما زار صلاح الدين الأيوبي المدينة المقدسة أورشليم شخصياً، نزل في دار القسوس المجاور لكنيسة القيامة، ثم رأى أن يعوض القبط عما أصابهم من أضرار نتيجه لإشهاده لهم في بداية حكمه واضطهاد الفرنجة لهم باستيلائهم على ممتلكاتهم واعتبارهم هراطقة وعدم السماح لهم بزيارة الأراضي المقدسة طيلة احتلالهم لأورشليم، ولما كان يعمل معه كتبه من الأقباط.
وفي سائر الإدارات وخاصة بناء القلعة في مصر فمنحهم المكان الذي أصبح معروفاً باسم “دير السلطان” نسبة إليه. كما رد إليهم جميع ممتلكاتهم التي استولى عليها الفرنجة في الأماكن المقدسة، ولما كان الأقباط قد حرموا من زيارة الأماكن المقدسة فقام بإعفاء الأقباط من ضريبة الزيارة لأورشليم لإزالة المعاناة التي عانوها و راعى القبط والأحباش وثبتهما في أماكنهما لأن القبط كانوا من رعاياه والأحباش من جيرانه، واستشهد بأبي المكارم المؤرخ القبطي الذي كان آخر ما كتبه في سنة 1208 م ، حينما استولى الفرنجة على القدس منعوا مسيحي لبشرق بأن يسعدوا بزيارة الأماكن المقدسة، فلما استرجعها صلاح الدين منهم فتحها مرة أخرى لزيارتهم لها.
يتضمن دير السلطان مجموعة من المباني القديمة المتناثرة، وفيه أرض خالية تصل مساحتها إلى ألف متر وحوله سور بارتفاع يقرب من 4.5 متر، يفصل بين الدير وبطريركية الأقباط، وفي نهايته باب خاص بالأقباط وحدهم، ويوجد باب ثالث لهذا الدير من الناحية الشرقية على الطريق العمومي المجاور للمباني المعروفة بالمصبنة، ويعد القمص ميصائيل الأورشليمي الراهب المصري الوحيد الذي توجد له قلاية داخل دير السلطان المغتصب.
جاء في مذكرة بملكية دير السلطان بالقدس للأقباط الأرثوذكس أصدرها الأنبا ياكوبوس مطران الكرسى الأورشليمي في أغسطس سنة 1953 ، وأيدها الأنبا باسيليوس خليفته بمذكرة أصدرها في مارس 1961 م.
كما جاء ما نصه:”يجدر بنا قبل أن نستعرض الأسانيد التي تثبت ملكية القبط لدير السلطان من أن نتحرى أسباب هذه التسمية إذ لا نسبه بين “الدير” و “السلطان” إلا إذا كانت نسبة الهبة للواهب، والهبة لا تأتي جزافاً بل لا بد لها من حافز مثل نفع ذي صلة كصلة القربى أو صلة التبعية، وما دام السلطان هو الواهب فلا ريب أن الصلة كان أساسها التبعية أو الرعوية.
وجاء ما نصه:”وهل ننسى من حاربوا في صفوف جيوش الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب الذي يقول لنا التاريخ عنه أنه لما تم الصلح في فلسطين عم السرور بين الفريقين ونادى المنادون أن البلاد الإسلامية والنصرانية واحدة في الأمن والمسالمة، وتوجه الملك إلى القدس لتفقد أحوالها، وأقام فيها مدة يقطع الناس ويعطيهم دستوراً ويتأهب للسير إلى مصر، حيث أورد الوثائق والخطابات المتبادلة بين مطارنة الكنيسة القبطية للكرسي الأورشليمي وبين المسئولين من رجال الدين ورجال الدولة، وكلها تؤيد ملكية الأقباط لدير السلطان.
المحكمة الإسرائيلية تؤيد حق الأقباط
في يوم 25/4/1970 م ، قامت القوات الإسرائيلية في عيد القيامة بإخراج الرهبان الأقباط وسلمته للأحباش، وكان هذا الحادث مخالفا للتعهد الذي تعهدت به إسرائيل بأن تبقي كل شيء كما هو في الأماكن المقدسة وتحترم أحكام الاستاتيسكو (الوضع الراهن) وتحافظ عليه دون تغيير “اضطر مطراننا في القدس إلى رفع دعوى أمام محكمة العدل العليا الإسرائيلية ضد الحكومة الإسرائيلية، وضد وزيري الشرطة والأديان وضد أسقف الأحباش , وقدم 25 صورة فوتوغرافية تثبت تبعية الدير للأقباط من واقع الكتابات القبطية والعربية على أحجبة الكنائس وما فيها من فن قبطي ـ وتمت المعاينة ,و أثبتت أحقيتنا.”
ورفع مطران القدس (المصري) دعوى أمام المحكمة العليا الإسرائيلية بالقدس فأصدرت حكما في 16 مارس 1971 بالإدانة الصريحة للقوات الإسرائيلية، وأثبت الحكم الاعتداءات على رجال الدين الأقباط وحكمت المحكمة بإعادة الدير المغتصب ولكن الحكومة الإسرائيلية ماطلت ورفعت دعوى أمام المحكمة العليا بالقدس فحكمت هذه المحكمة العليا بالقدس أيضا بالإجماع في 9 يناير 1979 بأحقية الكنيسة المصرية في تسلم دير السلطان وكرر الحكم إدانة المحكمة لتصرفات الحكومة الإسرائيلية التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ الأماكن المقدسة.
أصدرت محكمة العدل العليا الإسرائيلية قرارها رقم 70/109 في صالحنا وأدانت التعدي على ديرنا وذكرت أن ما حدث كان ضد الأمن وضد النظام العام .
وأمرت وزيرة الشرطة بإعادة المقدسات المغتصبة إلى مصر . كما قامت بتغريم كل من وزير الشرطة وأسقف الأحباش بمبلغ 1500 ليرة إسرائيلية، ونشر قرار المحكمة في كل الصحف العربية والإنجليزية والعبرية ….وفي 1971/3/28 أصدرت الحكومة قرارا بتشكيل لجنة من و وزراء الخارجية والعدل والشرطة والأديان لدراسة الموضوع وتقديم التوصيات لمجلس الوزراء، ولم يتقدم الموضوع خطوة واحدة ورفع المطران المصري دعوة ثانية أمام محكمة العدل الإسرائيلية، وإذا بالمدعي العام الذي يترافع عن الحكومة يطلب من المحكمة عدم الضغط على الحكومة لأن القضية لها أبعاد سياسية ولكن للمرة الثانية أدانت المحكمة الحكومة الإسرائيلية ولكن الاعتداء استمر كما هو، واضطرت مطران القدس إلى إلغاء كل احتفالات الأعياد لأن الطريق إلى كنيسة القيامة مغتصب، وفي عام 2002 تشاجر رهبان من الكنيسة الإثيوبية والكنيسة القبطية المصرية، اللتين تتنافسان منذ سنوات على السيطرة على سطح الكنيسة، بسبب مكان كرسي على السطح، ويرجع التنافس بين ستة طوائف مسيحية إلى فترة ما بعد الحملات الصليبية والانقسام الكبير بين المسيحية في الشرق والغرب في القرن الحادي عشر، ولمنع الخلافات تطلع عائلتان مسلمتان بمسؤولية الحفاظ على مفتاح المدخل الوحيد للكنيسة منذ عام 1178 عندما اسند إليهم السلطان صلاح الدين هذه المهمة.
كما دارت معركة في كنيسة القبر المقدس رحاها بين مجموعتين من القساوسة المصريين والأثيوبيين في تقرير من شبكة الأخبار بي .بي .سي فى 30/ 7/ 2002م أحد القساوسة يكشف رأسه المصابة، واندلع الخلاف الذي تبادل خلاله الجانبان اللكمات والضربات بالعصي والقضبان الحديدية والكراسي، بعدما حرك أحد القساوسة التابعين للكنيسة القبطية كرسيه فوق سطح الكنيسة. لكن الكنيسة ظلت موضع تنافس بين مختلف الطوائف المسيحية، وآخرها الحادث الذي وقع يوم الأحد الماضي وتتنافس الكنيستان المصرية والأثيوبية منذ عدة سنوات على سطح كنيسة القبر المقدس ودير السلطان وعندما احتج القساوسة الإثيوبيون على قيام قس مصري بنقل كرسيه من مكان إلى آخر حتى يتجنب الشمس بدأت المعركة بين الجانبيين.
واعتبر القساوسة الإثيوبيون، أن هذه الخطوة تعتبر انتهاكا لاتفاق سابق يحدد ملكية كل طائفة من حجارة ومصابيح وحوائط الكنيسة ’ أسفرت هذه المعركة عن 11 جريحا بينهم سبعة قساوسة أثيوبيين وأربعة مصريين.
حكم بأمر السلطان العثماني
في عصر البابا كيرلس الرابع الذي أطلق عليه المؤرخون أبي الصلاح نجح مطران القدس الأنبا باسيليوس في الحصول على حكم تثبيت ملكية القبط لدير السلطان في القدس بأمر السلطان عبد الحميد .
نبذة تاريخية عن الدير
يرجع دير السلطان في القدس إلى عهد السلطان عبد الملك بن مروان (684م – 705م) الذي وهبه للأقباط ولذا سمى بـ “دير السلطان ” وقد تم التأكيد على ملكية الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لدير السلطان صلاح الدين الأيوبي في القرن الثاني عشر .
يقع دير السلطان على سقف كنيسة القيامة ويعد جزءا من بطريركية الأقباط وبه الممر المؤدي إلى كنيسة القيامة ويمتد على مساحة 1800 متر مربع ويتكون من : الساحة الخارجية وبها كنيسة القديسة هيلانة في المنتصف وكنيستين أثريتين في الجانب الجنوبي الشرقي من الدير إحداهما على اسم الملاك ميخائيل والثانية باسم الأربح كائنات غير المتجسدين في الجانب الشرقي من الساحة يوجد بعض الغرف يستضيف الأقباط فيها بعض الرهبان الأحباش إلى جانب غرفة الرباطية وهو رئيس الدير وما زال يقيم فيها راهب قبطي.
في النصف الأخير من القرن السابع عشر إلتجأ الأحباش للكنيسة القبطية ليجدوا لهم مأوى مؤقت للإقامة لديهم إلى أن تحل مشكلتهم ويعودوا إلى أماكنهم التي انتقلت عام 1645م إلى كنيستي الروم والأرمن بسبب عدم قدرة الكنيسة الأثيوبية على دفع الضرائب، فاستضافت الكنيسة القبطية الرهبان الأحباش كضيوف في بعض غرف دير السلطان بصفة مؤقتة .
في عام 1820م، قامت الكنيسة القبطية بأعمال الترميم بدير السلطان، مما استدعى إخلاء الدير من كل قاطنيه (للأقباط والأحباش ) يوم 17/10/1820م وسمح لهم بالعودة للإقامة كضيوف بالدير في عام 1840م تقريبا باعتبارهم من أبناء الكنيسة القبطية، وقد قام بعض أصحاب المصالح من الحكومات الخارجية ببث بذور الشقاق بين الأقباط والأحباش وحفزوا الرهبان الأحباش على القيام بمحاولات متكررة للاستيلاء على الدير ومنها : –
– في نوفمبر 1850م حاول الأحباش الاستيلاء على مفتاح دير السلطان ولكنه أعيد للأقباط بوثيقة رسمية من قبل الدولة العثمانية في 3/2/1851م
– في عام 1860م قاموا بتكرار المحاولة وأعيد المفتاح الدير بوثيقة رسمية في 9/4/1863م أيضا في عهد الدولة العثمانية .
– في عام 1888م، قام الأقباط بتجديدات في إحدى كنائس دير السلطان بإذن رسمي من المجلس البلدي بـ القدس، وقد قام الرهبان الأحباش بالتعرض للأقباط لمحاولة منعهم من الإصلاحات فقام الأقباط برفع دعوى لوزارة العدل العثمانية في الأستانة في 2/12/1891م وقد كان قرار السلطان العثماني بتاريخ 18/1/1894م باحقية الأقباط في دير السلطان وإلزام الأحباش بعدم التعرض .
– فى عام 1906م طلب الرهبان الأحباش القيام بترميم الدير كخطوة أولية فى محاولة الإستيلاء عليه ولذلك اسرعت الكنيسة القبطية بتقديم طلب للقيام بالترميم والذى وافقت عليه السلطات الرسمية المختصة فى عام 1810م مؤكدة بذلك أحقية الأقباط كأصحاب الشأن والتصرف فى دير السلطان .
– وفى عام 1945م فى فترة الإنتداب البريطانى قام الأحباش بطلاء إحدى الغرف التى كانوا بقبمون فيها فأرسل محافظ القدس خطابا يؤكد فيه أن ذلك العمل لا يمكن إعتباره فى المستقبل قرينة تؤيد حق لهم فى دير السلطان ، ووجه صورة هذا الخطاب لمطران الأقباط آنذاك.
– فى فبراير 1959م قام الأحباش بتضليل المتصرف الأردنى بالقدس وأقنعوه بأحقيتهم فى دير السلطان ومن ثم قامت الحكومة الأردنية بتسليم دير السلطان للأحباش بالقوة الجبرية فى 22/2/1061م مما إضطر ثداسة البطريرك كيرلس السادس بإرسال وفد من المطارنة لمقابلة جلالة ملك الأردن وعرض الأمر على جلالته مدعوما بالمستندات والوثائق التى تثبت ملكية الكنيسة القبطية للدير فأصدر جلالته قرارا بتاريخ 1/4/1961م بةقف القرار السابق وتشكيل لجنة وزارية لدراسة المستندات والوثائق المقدمة ، وبناء عليه أصدرت اللجنة قرارا ببطلان وقف القرار الصادر بتاريخ 22/2/2961م وأكدت أحقية الأقباط فى ملكية الدير وضرورة إعادة الوضع إلى ما كان عليه بإرجاع مفاتيح الدير للكنيسة القبطية .
– فى يوم 25/4/1970م وأثناء لإقامة قداس عيد القيامة بكنيسة القيامة أرسلت الحكومة الإسرائيلية قوات عسكرية قامت بتمكين الرهبان الأحباش من دير السلطان بتغيير الكوالين وسلموا المفاتيح الجديدة للأثيوبيين ، وعندما علم الرهبان الأقباط بهذا هرعوا إلى دير السلطان لاستعادة ممتلكاتهم ، ولكن القوات الإسرائيلية منعت بالقوة دخول مطران الأقباط وكل من معه إلى دير السلطان .
وقد تقدم مطران الأقباط فورا بدعوى أمام المحكمة العليا الإسرائيلية والتى أقرت بالإجماع بإعادة مفاتيح الكنيستين وأبواب الممر لأيدي الأقباط وذلك بتاريخ 16/3/1971م إلا ان الحكومة الإسرائيلية ما زالت تمتنع عن تنفيذ حكم المحكمة العليا الإسرائيلية إلى يومنا هذا ، بالرغم من الدعاوى العديدة التى قدمت فى الفترة ما بين 1971م وحتى يومنا هذا .
– فى يوم 22/9/2017م يقط حجر صغير من سقف كنيسة الملاك ميخائيل وهى إحدى الكنيستين بدير السلطان نتيجة للترميمات الواقعة فوق سطح الكنيسة فى المنطقة التابعة لكنيسة الروم الأرثوذكس ، مما أدى إلى غلق الكنيسة بواسطة قسم المبانى الخطرة ببلدية القدس إلى حين الإنتهاء من الإصلاحات وإزالة الضرر بسقف الكنيسة ، ومن العجيب أن جميع المشاورات المبدئية قد تمت بدون إخطار الكنيسة القبطية مالكة العقار ، فتوجهنا إلى الإدارات والسلطات المعنية للتعبير عن إستيائنا لهذا التجاهل فى المشاورات ،
فى مساء يوم الخميس 19/10/2017م فوجئنا بالمهندس المعين من قبل الحكومة يحاول غدخال معدات للبدء فى التصليحات بدون إخطارنا وموافقتنا كتابيا ، فأسرعنا جميعا رهبان وشمامسة وخدام وعلى رأسنا نيافة المطران ووقفنا احتجاجا بطريقة سلمية أمام باب دير السلطان لنحول دون دخول أى معدات خاصة بأعمال التصليحات وقد حاول بعض المسئولين من الجهات المختلفة لإقناعنا بإدخال المعدات فرفضنا رفضا تاما دخول اى معدات دون التنسيق المسبق حفاظا على حقوقنا ، وقد تدخلت السفارة المصرية فى الأمر مما أدى إلى تأجيل العمل لحين التنسيق المسبق كتابيا .
جدير بالذكر أن وزارة الخارجية المصرية تقف بقوة مساندة للكنيسة القبطية فى مطالبتها الشرعية بحقها فى استعادة أثر قبطى مصرى بإعتبار أن دير السلطان قضية تهم مصر وليس الكنيسة القبطية فقط ونحن نهيب بكل الجهات المعنية فى مساندة الكنيسة القبطية للحفاظ على أملاكها فى الأراضى المقدسة
قصة دخول الرهبان الأحباش للدير
كان الرهبان الأحباش متواجدين بكنيسة القيامة، ولهم نصيب فى جزء داخلها، ونظرًا لعدم قدرتهم على سداد الضريبة المحددة من الباب العالى الدولة العثمانية، تم طردهم عام ١٦٨٦ ميلادية، وسبق وطرد أيضًا رجال الدين التابعين لـجورجيا عام ١٦٦٤ للسبب ذاته، وصدر فرمان من الباب العالى بأن من يسدد الضرائب المتأخرة لهؤلاء تؤل إليه أملاك الطوائف، أملاك الجورج والأحباش حصلت عليها طائفة الروم الأرثوذكس بعد سداد المتأخرات.
وتراكم متأخرات الضريبة على الأحباش -آنذاك- كان نتاج الحروب التى شهدتها الممالك الحبشية، وصعوبة إرسال دعم مادى لرعايا الحبشة فى القدس خلال القرن ١٧ الميلادي؛ ولم يقبل مطران الأقباط الأرثوذكس حينها تشريد رهبان الأحباش، فاستضافهم فى دير السلطان منذ عام ١٦٦٨ وحتى ١٨٢٠ ميلادية.
واحتاج الدير إلى أعمال ترميم، بحسب وثيقة أواخر القرن الـ ١٧ ميلادية، وتثبت ملكية الأقباط للدير بمخاطبة المهندسين أو المعمر باشى حينها لمطران الأقباط، وبدأت المشاكل تطفو على السطح فى عام ١٨٥٠ ميلادية فى القرن الـ ١٩ ميلادية.
وبدأت المشكلة نظرا لمطامع البرتغال والإنجليز والروس والطليان فى الحبشة، أرادوا أن يتقربوا من خلال الأحباش الذين بلا مكان فى القدس، وحينما بدأ منليك الأول والإمبراطورة زيؤ توتو -حماة هيلاسلاسى- إرسال أموال للأحباش بالقدس واشتروا مكانًا خارج المدينة القديمة.
بدأ قنصل إنجليزى يحرض رهبان الأحباش على سرقة مفتاح دير السلطان، وعرض مساعدته لهم فى السيطرة على المكان بتدخله لدى الباب العالى الدولة العثمانية، مقابل مدّ جسور مع إمبراطور الحبشة، وبدأت تتفاقم المشاكل، وقدم الأحباش شكاوى عدة إلى الباب العالي، وتتقدم الكنيسة القبطية بما يثبت ملكيتها للدير. وحينما جاء منليك الثانى ١٩٠٢ ميلادية، ملك منطقة شوّ بالحبشة، هدد بعدم التعامل مع الكنيسة القبطية إلا بعد ترك دير السلطان للأحباش، ومن شجعه على ذلك الأنبا متأوس، أسقف مصرى بمدينة شو بالحبشة وطمح رسامته مطرانًا، وبالفعل حصل على رتبة المطران، بعد حبس منليك الأول للمطران الأصلي، وهو الأنبا مرقس، ونزل متأوس مطران الحبشة مفوضًا من الملك هناك إلى مصر عام ١٩٠٢، وأدى الطقوس للرسامة مطرانا رسميا، وذهب بصحبة الأنبا يوساب مطران البحيرة والأنبا مرقس مطران إسنا، للقاء القنصل الإيطالى بالقدس بحضور مطران القدس القبطي، ووفق الترجمان الخاص بالقنصلية اطلعوا على أوراق الإثبات، وتبين أن دير السلطان قبطى، وأرادوا الأصول، وبينما أعطوه ملخصًا للأصول، وهى وثيقة قدمتها فى أمريكا وتعد ٢٥ بين وثائق لإثبات مصرية الدير. وفى ١٩٠٦ ميلادية، أرسلت الحبش وفدًا جمع شهادات من الطوائف الأخري، تثبت الوجود الحبشى بدير السلطان دون علم الأقباط، وتزامن مع تقديم الإنجليز رشوة للباب العالى لدعم تواجد الرهبان الأحباش فى دير السلطان، مما أدى إلى أحقيتهم فى فتح باب خاص بهم ’ وفى عام ٩٦٩م، استولى الفاطميون الشيعة فى شمال إفريقيا على السلطة فى مصر، وبسطوا سيادتهم حتى فلسطين، وكان الخليفة الفاطمى الحاكم بأمر الله (٩٦٩م-١٠٢١م) أشدهم فتكًا، فقد أمر بإيقاف الحج إلى البلاد المقدسة وأحرق الصلبان حيث علم بوجودها.
كما منعت مسيرة أحد السعف (الشعانين) فى القدس فى أسبوع الآلام، وفى ٢٨ سبتمبر من عام ١٠٠٨م، أمر الحاكم بتدمير كنيسة القيامة، بادعاء أن مراسيم سبت النور الفصيحة ما هى إلا أضاليل، وبحلول عام ١٠٢٤م نهب ودمر ما يقرب من ثلاثين ألف كنيسة ضمن منطقة حكم الفاطميين، حسب الفرمان الصادر منه القائل: أمر الإمامة بهدم القيامة ليكن سماؤها كأرضها وطولها كعرضها، ولكن بعد ذلك بقليل سمح للبطريرك نيكوفوروس أن يقيم الصلاة فى خرائب كنيسة القيامة، وبعد ذلك بثلاثة عقود عرض الإمبراطور البيزنطى قسطنطين موناخوس بعقد هدنة مع الحاكم بأمر الله، واتفق على تسريح أسرى عرب ممن كانوا فى عهدته لقاء السماح بأن يعيد موظفون بيزنطيون بناء كنيسة القيامة.
وأن يقوم الخليفة الفاطمى بإرسال الأموال اللازمة لبنائها والعمال المهرة المصريين (الأقباط) لإعادة بناء الكنيسة، وذلك شرط لوقف الحرب بينهما. وقد أدت قلة الأموال إلى عدم بناء الكنيسة على كامل مساحتها القديمة وبنائها بشكل أصغر، بحيث لم يبن إلا القبر المقدس بمساحة أصغر داخل رواق كبير، وترك الجزء الذى يسمى البستان المقدس دون بناء، وهو الذى استخدمه الولاة وجامعو الضرائب كمقر لهم.
وفى التاريخ أمثلة لرجال من القبط تولوا مناصب رفيعة بالقدس، وكانت الأديرة مثواهم، مثل: أبو اليمين قزمان بن مينا، الذى يقول عنه ساويروس بن المقفع المؤرخ المعاصر له، إنه (كان ناظرًا لكافور الأخشيدى (٩٦٥م)، ولما تملك المعز عيّنه فى القدس نظرا لحسد يعقوب بن كلس اليهودى الأصل له (٥٦:٢). ثم حدثت حرب فى القدس أدت إلى أن يخفى المال الذى جمعه لمصر خوفا من القرمطى حتى هزم، وعاد أبو اليمين إلى المعز بمائتى ألف دينار حصلها له (٥٨٢).
ومنصور التلباني، ويقول يوحنا بن صاعد بن يحيى المعروف بابن القلزمي، الذى قام برحلات إلى القدس وغيرها فى النصف الثانى من القرن الحادى عشر.
وكان الغز لما ملكوا مدينة القدس.. استخدموا فى عمالة البلد رجلا نصرانيا يعقوبيا محبا للمسيح يعرف بمنصور التلبانى، وله زوجة مثله وهى معونة من يصل القدس من النصارى من مصر وغيرها، واستقر مسير أحد الأساقفة لتكريزها فتوجه فى برمهات سنة ٨٠٨ ميلادية.
وجد بغط القس غبرايال الراهب كاتب القلاية فى زمن الأنبا يوأنس الطوخى (الثالث بعد المائة)، وكانت الغز لما ملكوا مدينة الشام والقدس، راعوا النصارى المقيمين بها وأنهم استخدموا إلى المتولى عمالة البلد جماعة النصارى الذين كانوا يتوجهون إلى دمشق الشام. والسرد التوضيحى يظهر أن دير الملاك المسمى دير السلطان، كان موجودًا من قبل عهد منصور التلبانى (٨٠٨ش – ١٠٩٢م)، وسمى كذلك لأن السلطان بناه ليكون بمثابة نزل أو استراحة لرسل السلطان وعماله فى طريقهم من مصر إلى الشام وغيرها أو العكس.
كما أن موظفى السلطان – ومن مهامهم تحصيل أموال الدولة- كانوا يلجأون إلى الأديرة ويحفظونها بها، باعتبارها المكان المأمون كما فعل أبو اليمن قزمان بين مينا الذى لما غزا القرامطة القدس أخفى فى الدير المال الذى جمعه للدولة حسبما مر ذكره.
ولدى الكنيسة القبطية المستندات الرسمية والوثائق الشرعية التى تثبت ملكية طائفتنا القبطية الأرثوذكسية لدير السلطان، الذى هو موضوع النزاع بيننا وبين الأحباش بالقدس. ومنها ٢١ من الحجج والوثائق الشرعية فى الكراسة التى أصدرها الأنبا تيموثاوس مطران الكرسى الأورشليمى ١٩٠٨م، وعشر وثائق أخرى إضافية فى مذكرت الأنبا باسيليوس الرابع ١٩٦١م، بخلاف الوثائق الخاصة بالوضع الأخير من عام ١٩٧٠ حتى اليوم.
كيف حافظت مطرانية الأقباط الأرثوذكس على حقها بكنيسة القبر المقدس؟
حرص أقباط القدس على الاشتراك فى ترميم كنيسة القيامة منذ أن شرعت الحكومة الفلسطينية فى التجديد، وإعداد الخطة اللازمة لتدعيم كنيسة القيامة والمهد، وإسناد العملية للمهندس وليم هارفى.
لم تتوان الكنيسة القبطية فى إثبات حقها فى المساهمة بأعمال الترميم كطائفة ذات شأن فى القيامة، وأيدتها فى ذلك حكومة الانتداب البريطانى بكتاب موجه من السكرتير العام لحكومة الانتداب إلى مطران الأقباط بتاريخ ٢ مايو سنة ١٩٣٦م.
فيما أمعنت طوائف الروم واللاتين والأرمن فى عنادها وادعت أنها وحدها صاحبة الحق فى كل ما يتعلق بكنيسة القيامة اضطرت حكومة فلسطين إلى أن تسلك نفس المسلك الذى اتخذته من قبل الحكومة العثمانية فقامت بعمل الترميمات المؤقتة على نفقتها فى سنة ١٩٣٨ م.
وعندما استدعت حكومة الانتداب المهندس البريطانى وكتب تقريرا عن ترميم دائرة القبر المقدس أرسلت إلى مطران الأقباط مع كتابها بتاريخ ١٧ فبراير سنة ١٩٤٧ وطلبت ملاحظاته وموافقته عليه وذكرت أيضا أن دائرة الأشغال العمومية بالقدس تكفلت بالقيام بهذا العمل ودفع تكاليفه ’ حينما تجدد التفكير فى ترميم كنيسة القيامة فيما بعد، أرسل مطران الأقباط إلى متصرف لواء القدس فى مارس سنة ١٩٥٣ يقول إن طوائف – الروم اللاتين والأرمن- قدمت طلبا للكشف على كنيسة القيامة من أجل ترميمها، وأنه كان يتوقع أن تخطر طائفة الأقباط بذلك بوضعها ممثلة فى القيامة، وذلك أسوة بما اتبع معها فى سنة ١٩٣٩.
ودحض مطران الكنيسة القبطية بالقدس، ما زعمه البعض أنه لا يجوز للأقباط المشاركة فى ترميم كنيسة القيامة لعدم أحقتيها وهو ما لا يسند إلى الواقع أو القانون، وأكد مطران الأقباط، أنه لا توجد صلة بين الآرمن والأقباط سوى أنهم يدينون بعقيدة واحدة، ولهذا كانوا يتدخلون أحيانا حرصا على مصالح شركائهم فى العقيدة.
وتوالت محاولات إبعاد الأقباط عن المشاركة فى أعمال ترميم كنيسة القيامة رغم أحقيتها فى أجزاء منه إلى أن جاءت أعمال ترميم قبة كنيسة القيامة ١٩٩٤ م بواسطة أحد الأغنياء، قام الراحل الأنبا أبراهام مطران الأقباط بإرسال المستندات السابقة إلى بطاركة الروم والأرمن واللاتين والحارس العام للأراضي المقدسة وإلى الرئيس العام للبعثة البابوية روبرتى استنيورى الذى حضر خصيصا إلى بطريركية الأقباط بالقدس وتفاهم مع مطران الأقباط على كل تفاصيل الترميم ووضعه فى الصورة مثل باقى الطوائف الأخرى؛ وحاولت الطوائف الأخرى الاشتراك فى إجراءات الترميم لكن الأنبا إبراهام المطران الراحل رفض رفضا باتا لأنهم ليس لهم أى حقوق.
المراجع:
– تاريخ القدس لمعارف باشا العارف
– قصة الأرض المقدسة لديمترى رزق
– تاريخ الكنيسة القبطية للقس منسى يوحنا القمص
– المجلد العاشر من دائرة المعارف العمومية للبستانى
- كتاب وطنية الكنيسة القبطية وتاريخها المعاصر القمص أنطونيوس الأنطوني