يحكي أن إبراهيم أبا الآباء قام بدعوة أحد المتسولين ليأكل معه في خيمته,وعندما بدأ إبراهيم في تلاوة صلاة الشكر لله قبل الطعام,قام الضيف بالتجديف علي الله,فحزن إبراهيم جدا وطرده خارجا.وعندما حل المساء سمع صوت الله قائلا له:هذا الشخص كان يجدف علي اسمي مدة خمسين عاما,وبالرغم من هذا كله كنت أوفر له دائما ما يحتاج إليه من طعام وشراب,بينما أنت لم تتحمله ساعة واحدة!.الغالبية العظمي منا تعيش هذه الأمثولة في حياتها,نحن دائما علي استعداد لتوفير الطعام ومستلزمات الحياة للذين في احتياج,ولكن عندما يصدر منهم أي شئ ضد الإيمان أو عدم الثقة في الله أو ينكرونه,نمتنع للتو عن مساعدتهم تاركين إياهم في العوز حتي يموتوا جوعا.
لكن الله رحيم مع كل هؤلاء الذين يرفضون الإيمان به أو بعيدين عنه.وكما يقول السيد المسيح له المجد:الله يشرق شمسه علي الأشرار والأخيار,وينزل المطر علي الأبرار وغير الأبرار(متي5:45).إذا يجب أن نكون رحماء مع الغير كما أن الله رحيم معنا جميعا.
كما أنه يجب علينا ألا نحكم علي تصرفات الآخرين,لأننا لا نعلم ما بداخلهم,وبدلا من أن نصبح جافين معهم,نبدأ في مساعدتهم للرجوع إلي الله والثقة فيه,لأننا عندما نقف معهم ونساعدهم,نظهر لهم رحمة الله وحبه اللا محدودين لهم,سيكتشفون أننا أداة في يد الله الذي أرسلنا للوقوف بجانبهم ومساعدتهم وتوفير كل ما يحتاجون إليه,وكما يقول موسي النبي:الرب الرب!إله رحيم ورؤوف,طويل الأناة كثير الرحمة والوفاء,يحفظ الرحمة لألوف ويحتمل الإثم والمعصية والخطيئة(خروج 34:6-7).
إذا رحمة الله كالحبل الطويل القوي,ومازال لدينا وقت لنتشبت به,هذه الرحمة تلازمنا في كل لحظة من حياتنا,وكما يقول أحد الأشخاص:تشرق قبل الشمس.
فهي كالحبل المشدود علي مدار تاريخ البشرية لمساعدة الجميع بلا استثناء,ولكن المهم ألا نتجاهل أو نترك هذا المنقذ.
هل يوجد من يتخيل أن مصائب البشر وضعفاتهم أقوي من رحمة الله؟فالثقة برحمة الله هي المرفأ الوحيد الذي يساعدنا علي اجتناب شرورنا ورذائلنا من يستخدم الرحمة واللطف مع الآخرين يستطيع أن يجتذب القلوب,ويطفئ الأحقاد وينشر المحبة والسعادة.
يحكي أن أحد التلاميذ ارتكب جرما شنيعا,وكان جميع الزملاء في انتظار عقاب المعلم له عقابا صارما بلا رحمة حتي يكون عبرة للغير,ولكن مر عام ولم يلاحظوا أي رد فعل من المعلم تجاهله,فاعترض أحد التلاميذ قائلا:من المستحيل تجاهل ما حدث من تصرفات مشينة,علاوة علي ذلك فإن الله منحنا أعينا لنري بها وبكل هدوء وابتسامة أجابه المعلم:عندك حق,لكن الله خلق لنا أيضا الجفون.
كم من المرات العديدة التي تقابلنا فيها مع مسئولين ومربيين في مجالات شتي وكان رد فعلهم عنيفا للتو مع من يخطأ,ولم يكن لديهم رحمة أو عذر له؟نحن نعترف جميعا بأن العدالة ضرورية وواجبة ومهمة في حياتنا,لكن كل هذا لا يجعلنا نفقد الرحمة تجاه الآخرين,كما يقوم بها الله تجاه كل فرد منا مهما صدر منه.
وكما أن الشمس تبدد وتمحو الضباب عن وجه الأرض,فتدب الحيوية في الطبيعة كلها,وتنتعش المخلوقات,كذلك استخدام الرحمة مع الآخرين تزيل عنهم مساوئ كثيرة,وتعيد إليهم النشاط مرة أخري في الحياة وتدفعهم لحب الغير والابتعاد عن الشر والفساد.فالرحمة هي أعظم وسيلة لقمع الشر,كما أنها تفجر طاقات من الخير في النفوس,وترد النفوس الضالة إلي صوابها,وتجعل من المجرمين عناصر خيرة للمجتمع.
ولكن للأسف يوجد كثيرون يستخدمون العنف والظلم مع الضعفاء معتقدين أن الحق ينتصر للقوة والسلطان وينتقمون دون أي اعتبار لعدل أو رحمة,ألا يعلم مثل هؤلاء أن هناك من هو أقوي منهم؟الله فاحص القلوب والكلي ولا يخفي عنه أي شئ,لم يخلقنا لينهش القوي الضعيف أو يترك الضعيف العاجز فريسة للظلم والطغيان.
من يستطيع أن ينكر بأن الظلم داء يفتك أولا بالظالم,حتي ولو تخيل أن له السلطان والقوة والحماية التي يستطيع بهم أن يدوس الآخرين,فدموع المظلوم عزيزة عند الله,ونختم بالمقولة التي كتبها أحد ملوك الفرس القدامي ليذكر بها نفسه في لحظة الغضب وعدم الرحمة:ارحم من في الأرض,يرحمك من في السماء!.