صدرت بيانات هامة وكارثيه من قبل معهد التمويل الدولي أكدت على فجوة قدتتاكل فيها الأسواق الناشئة حيث تصدرت خسائر عملات 4 اقتصادات نامية أهم الأحداث داخل الأسواق العالمية خلال الأسبوع الماضي، الأمر الذي يسلط مزيداً من الضوء على الوضع داخل تلك الأسواق الناشئة.
وبعد أن استفادت الاقتصادات الناشئة لأكثر من 10 سنوات جراء إقبال المستثمرين على أصولها نتيجة معدلات الفائدة المنخفضة داخل الدول المتقدمة في أعقاب الأزمة المالية العالمية، بدأت المشاكل الاقتصادية إضافة للعملة الأمريكية الآخذة في الارتفاع تشكل ضغوطاً على الوضع المالي لتلك الدول مع التحرك تجاه تشديد السياسة النقدية حول العالم.
ومع صعود إجمالي ديون الأسواق الناشئة بنحو ثلاثة أمثال على مدى العقد الماضي، فإن الوضع سيصبح أسوأ كون هذه الديون مقومة بالدولار وبالتالي ستكون أكثر تكلفة بالنسبة للدول النامية عند الوفاء بمتطلبات الدين.
وسجلت ديون الأسواق الناشئة خلال العام الماضي 63.4 تريليون دولار مقارنة بمستوى 21 تريليون دولار المسجل في عام 2007، بحسب بيانات معهد التمويل الدولي والذي يتبع التدفقات المالية.
ويأتي تخارج المستثمرين من الأسواق الناشئة مع تحرك البنوك المركزية العالمية بقيادة الاحتياطي الفيدرالي منذ بداية العام الجاري نحو تشديد السياسة النقدية وإنهاء حقبة من الأموال الرخيصة.
ونفذ البنك المركزي الأمريكي، بعد 3 زيادات خلال 2017، عمليتان لرفع معدل الفائدة خلال 2018 وسط توقعات بشأن القيام بزيادتين إضافيتين في بقية العام الجاري.
وفي نفس المسار، تحرك بنك إنجلترا ليرفع معدل الفائدة للمرة الثانية في 10 سنوات، كما يقترب المركزي الأوروبي من إنهاء برنامجه للتيسير الكمي بحلول نهاية هذا العام قبل أن يخفض وتيرة شراء السندات لنصف المعدل الحالي والبالغ 30 مليار يورو شهرياً.
جميع ما سبق من خطوات تنفذها البنوك المركزية العالمية ليس المسؤول الوحيد عن الوضع الدراماتيكي الذي تعيشه الأسواق الناشئة، لكنه يضاف إلى عوامل أخرى قد تكون ناجمة عن أداء دولة بعينها مثل ما يحدث داخل تركيا والأرجنتين على وجه التحديد وقد يكون نتيجة بسبب أداء الورقة الخضراء التي تشهد مكاسب قوية منذ بداية العام الحالي.
واستطاعت عملة الولايات المتحدة من تسجيل مكاسب بأكثر من 0.6% خلال شهر أغسطس بحسب المؤشر الرئيسي للورقة الأمريكية والذي يقيس أدائها مقابل 6 عملات رئيسية، لكن مكاسبه خلال أول 8 أشهر من العام الحالي بلغت 3.4%.
وتستفيد العملة الأمريكية بشكل خاص من رفع معدل الفائدة بالولايات المتحدة فضلاً عن التوترات التجارية التي أثارها الرئيس دونالد ترامب عبر فرض رسوم جمركية بين بلاده وبين شركاء واشنطن التجاريين الرئيسيين فضلاً عن العقوبات الأمريكية.
وألقى باللوم على الدولار القوي في زيادة الضغط على عملات الاقتصادات النامية، حيث تراجع مؤشر “إم.إس.سي.آي” لعملات الأسواق الناشئة، والذي يضم 25 دولة، بنحو 2% خلال أغسطس الماضي ليكون الهبوط الخامس على التوالي في أطول موجة خسائر شهرية منذ سبتمبر 2015.
وفي الوقت الذي تشهد فيه عملتا الأرجنتين وتركيا معاناة جزئية بسبب المسائل المحلية لكن الدول الوضع متدهور كذلك داخل إندونيسيا والهند، والتي سجلت عملة الأولى أدنى مستوى منذ عام 1998 في حين رأت الأخرى مستوى قياسياً متدنياً جديداً بالأسبوع المنقضى كما سجلت أسوأ أداء شهري في 3 سنوات تقريباً.
لقب الأسوأ أداءً من نصيب عملة الأرجنتين
وبرزت أحدث مشاكل أصول الأسواق الناشئة داخل الأرجنتين، حيث تراجعت قيمة عملتها (البيزو) لمستوى قياسي متدنٍ وتجاوز الدولار مستوى 41 بيزو للمرة الأولى في تاريخ عملة بوينس آيرس
وبلغت خسائر البيزو الأرجنتيني، والذي بات العملة الأسوأ أداءً خلال 2018 متجاوزاً الليرة التركية، 49.53% خلال أول 8 أشهر من العام الحالي، بعد أن سجلت العملة أدنى مستوى على الإطلاق عند 41.36 بيزو لكل دولار خلال الأسبوع الماضي.
وسعى صنّاع السياسة في الأرجنتين وقف نزيف العملة، فقاموا برفع معدل الفائدة بمقدار 1500 نقطة أساس مرة واحدة ليصل إلى 60% في قرار هو الخامس من نوعه هذا العام.
وساهم قرار المركزي الأرجنتيني في استرداد جزء من خسائر البيزو ليرتفع بنحو 4.3% يوم الجمعة (31 أغسطس) بعد أن تهاوى بأكثر من 20% في اليوم السابق له، لتسجل العملة المحلية لبوينس آيرس في المجمل خسائر بنحو 16.7% في الأسبوع الماضي، وبأكثر من 26% خلال أغسطس.
وتعتبر الموجة البيعية التي عانى منها البيزو الأرجنتيني مؤخراً هي الأقوى منذ تعويم العملة في عام 2015.
وجاءت الخسائر في قيمة البيزو الأرجنتيني بعد أن طالب رئيس البلاد “ماوريسيو ماكري” صندوق النقد الدولي بتسريع بقيمة حزمة المساعدات المتفق عليها سابقاً والبالغ قيمتها 50 مليار دولار من أجل ضمان تنفيذ برنامج التمويل في 2019.
وتواجه الأرجنتين مشاكل اقتصادية عديدة تتمثل في الركود الاقتصادي فضلاً عن تسارع التضخم كما تشهد انتخابات رئاسية في العام المقبل، الأمر الذي دفع صندوق النقد الموافقة على توفير خط ائتماني لمدة 3 سنوات مع منحها مساعدات فورية قدرها 15 مليار دولار في يونيو الماضي.
وبالتزامن مع اضطرابات الأسواق الناشئة والمخاوف من عدوى الخسائر، يتخوف المستثمرون من قدرة الأرجنتين على توفير تمويل قدره 82 مليار دولار في العامين الحالي والمقبل.
وبعد الهبوط الحاد في قيمة العملة المحلية للأرجنتين، وافق صندوق النقد الدولي الاستجابة لطلب “ماكري”، حيث تلتقي مديرة الصندوق كريستين لاجارد مع وزير المالية الأرجنتيني وفريقه يوم الثلاثاء المقبل لبحث الأزمة.
عودة التقلبات لعملة تركيا المحلية
رغم أن الليرة التركية تراجعت للمركز الثاني في ترتيب العملات الأسوأ اداءً في 2018، لكن التقلبات في قيمتها عادت مجدداً مع عودة أحجام التداول لطبيعتها إضافة لتقارير حول استقالة مسؤول بالبنك المركزي وحجم الديون المطلوب سدادها.
ومنذ بداية العام الحالي، فإن العملة التركية تسجل خسائر بنحو 41.92%.
وبعد أن عاشت الليرة التركية أسبوعاً من الهدوء النسبي وهو الأسبوع قبل الأخير من أغسطس مع إغلاق أبواب الأسواق المالية للاحتفال بعيد الأضحى، فقدت أكثر من 8.3% في الأسبوع المنقضي لتصل خسائرها خلال أغسطس إلى 25.1%.
وتُعد خسائر العملة التركية خلال أغسطس هي أسوأ خسائر شهرية على الإطلاق لليرة الجديدة والتي تم تقديمها لأسواق الصرف في عام 2005 بعد إلغاء أصفار من العملة القديمة.
وبالإضافة إلى المسائل الاقتصادية المتفاقمة بشأن تسارع التضخم والذي يقترب من 16% خلال يوليو الماضي، مع اتساع عجز الحساب الجاري، تعيش تركيا حالة من الشكوك السياسية بسبب خلافاتها من الولايات المتحدة.
وفرضت واشنطن عقوبات ضد وزيرا العدل والداخلية الأتراك بسبب وضع أنقرة القس الأمريكي أندرو برونسون تحت الإقامة الجبرية كما أقرت مضاعفة الرسوم الجمركية ضد البلاد.
وتتزايد الضغوط على العملة التركية يوماً بعد يوم، حيث خفضت وكالة “موديز” التصنيف الائتماني لـ18 بنكاً ومؤسستان ماليتان في البلاد، كما أفادت تقارير بأن نائب محافظ البنك المركزي سيتنحى عن منصبه بحسب وكالة “رويترز”.
وتثير استقالة مسؤول المركزي التركي المخاوف حول استقلالية البنك التي يشوبها الكثير من الشكوك مؤخراً نظراً لرغبة الرئيس رجب طيب أردوغان في الإبقاء على معدلات الفائدة منخفضة.
وكانت بيانات رسمية صادرة عن معهد الإحصاءات التركي، كشفت أن الثقة في اقتصاد أنقرة خلال أغسطس الماضي تراجعت إلى أدنى مستوى منذ مارس 2009 (عقد من الزمان تقريباً).
لكن مع نهاية الأسبوع الماضي، استطاعت عملة تركيا من إنهاء الجلسة في النطاق الأخضر بفعل الخطوات الجديدة التي أقبلت عليها الحكومة، حيث قررت خفض الضريبة على الودائع المصرفية بالعملة المحلية لآجل عام من 10% إلى صفر فيما رفعت ضريبة الحيازة على الودائع بالعملة الأجنبية التي يحين أجل سدادها بعد 6 أشهر من 18% إلى 20%.
وتأتي خطوات الحكومة في مسعى لحماية العملة من الخسائر الأخيرة لكن المركزي التركي لم يقبل على خطوة رفع معدل الفائدة منذ أوائل يونيو الماضي.
وينتظر أنقرة مشاكل أكبر خلال الفترة المقبلة، حيث تشير مذكرة صادرة عن بنك “جي.بي.مورجان” إلى أن تركيا مطالبة بتسديد 179 مليار دولار من الديون الخارجة والمستحقة السداد حتى يوليو 2019.
عدوى البيزو الأرجنتيني والليرة التركية
عدوى خسائر البيزو الأرجنتيني والليرة التركية انتقلت خلال الأسبوع المنقضي إلى أسواق إندونيسيا والهند مع خسائر حادة لعملاتهما المحلية.
وفي إندونيسيا، سجلت الروبية أدنى مستوياتها أمام الدولار الأمريكية منذ أزمة 1997-1998 ما دفع خسائرها بأول 8 أشهر من العام الحالي لتصل إلى 8.27%.
وتتزامن خسائر الروبية الإندونيسية مع تسارع طفيف لمعدل التضخم السنوي في جاكرتا خلال أغسطس الماضي وعلى الرغم من نمو اقتصاد البلاد خلال الربع الثاني من 2018 بأسرع وتيرة في نحو 4 سنوات ونصف.
أما في ثاني أكبر دولة من حيث عدد السكان، فتراجعت الروبية الهندية إلى أدنى مستوى في تاريخها مقابل العملة الأمريكية عند 71.0013 روبية لكل دولار.
وسجلت العملة الهندية أكبر وتيرة خسائر شهرية في 3 سنوات خلال أغسطس الماضي بانخفاض قدره 3.3% لتصل خسائرها بالثمانية أشهر الأولى من هذا العام إلى 9.84% وبذلك تكون العملة الأسوأ اداءً داخل آسيا خلال 2018.
وتعاني الهند من مشاكل اقتصادية جمة إضافة إلى أسعار النفط الآخذة في الارتفاع فضلاً عن مخاوف بشأن الأوضاع المالية قبل الانتخابات العامة والمزمع إجراؤها في العام القادم.