لم يكف البشر في مختلف الثقافات والمجتمعات عن الحديث عن صفات شريك أو شريكة الحياة، أو ما نسميه الزوج المثالي والزوجة المثالية. وتأتي الإجابات عن هذا الأمر من مختلف المصادر بداية من المصادر الدينية، وحتى الثقافة الشعبية والعامة، مرورا بالمصادر العلمية وخاصة تلك المعنية بعلم الاجتماع وعلم النفس. وحتى المصادر الطبية بات لها اسهامها في تحديد سمات الشريك المناسب. ولكل مصدر من هذه المصادر محدداته فيما يتعلق بصفات ومؤهلات الشريك أو الشريكة المثالية سواء تعلق الأمر بالأخلاق والسلوكيات، أو القدرات والمؤهلات، أو السلامة الجسدية، وحتى الشكل والمظهر والوضع المهني والاجتماعي. ويبقى أن هناك جانب آخر يحدده من يختار شريكته أو تختار شريكها، حتى ولو لم يتفق الاختيار مع المعايير العامة.
وبالتأكيد فإن هذه المسألة لم تغب عن المجال الفني، سواء الدراما والسينما التي تناولت التوافق وعدم التوافق بين الشريكين في الكثير من الأعمال، ولكن أيضا مجال الغناء والذي يزخر بالحديث عن صفات وسمات الشريك والشريكة. وفي حين الأعمال الغنائية تركز على سردية الحب والغزل أو الفراق والهجر، إلا أن هناك أغنيات تناولت سمات الشريك والشريكة بشكل عام ومجرد، بمعنى سمات ومعايير شريك الحياة. ولعل الأمثلة البارزة على ذلك أغنية صباح “على الجسر العالي” من كلمات عبد الرحيم منصور، وأغنية محرم فؤاد “أنا عايز صبية” كلمات عبد الرحمن الأبنودي. ويمكن اعتبار مثل هذه الأغاني تعبيرا عن جانب أساسي في الثقافة الشعبية، وخاصة وأن المؤلفين علامات بارزة في الشعر الغنائي المعبر عن الثقافة المصرية.
وفي هذا السياق يمكن الإشارة إلى أغنية “على الجسر العالي “، لأنها تقدم صورة عن سمات الرجل المرغوب للمرأة. وفي هذه الأغنية يأتي حديث المرأة عن سمات الرجل الذي تتمناه كنوع من الرجاء في ظل ثقافة تحد من قدرة المرأة على اختيار شريك حياتها فتقول: “والنبي يابا ما تفرط فيا.. أوعاك ترميني أنا برضو صبية”. وبعد الرجاء، يتم تقديم سمات الرجولة المرغوبة بالمعنيين الاجتماعى والعاطفي. وليس غريبا أن تكون السمة الأولى المرغوبة هى تحمل المسئولية والصعاب، فبدونها تفقد الرجولة معناها فتقول الأغنية: “لا أنا عايزة العايق ولا أبو بال رايق.. ولا اللي يخاف من هم الدنيا”. والمسئولية بهذا المعنى تتعارض مع سمات مستهجنة في الرجولة ومنها الانشغال بالمظهر، فكلمة “عايق” لا تعني جمال المظهر، ولكن انشغال الرجل بجمال مظهره وزينته. وبالمثل فإن “البال الرايق” ليس عيبا في حد ذاته، ولكن في هذا السياق تعني أن الشخص لا يبالي وبالتالي تتعارض مع التصور الاجتماعي عن الرجولة والتي تعني الاهتمام والمبالاة. أما السمة الثالثة في المسئولية فهى تتعلق بعدم الخوف والقدرة على مواجهة هموم ومصاعب الحياة، وبمعنى ما الشجاعة، فالرجولة لا تكتمل إلا بالقدرة على الإقدام ومواجهة الصعاب. وإذا كان “الخوف” مكروه للرجولة، فإن التصور الذي تقدمه الأغنية يبيحه للأنوثة، فهذا الرجل الذى لا يخاف من هم الدنيا سيكون السند للمرأة عندما يصيبها الخوف بسبب ظروف الحياة: “يسندني في خوفي وقت الشدية”، وليس فقط السند بل القائد والمرشد “خيالي في أرضي لو عدى أعدى”.
وفي الحقيقة أن هذه النظرة تتفق مع التصور العام السائد والمتعلق بالأدوار الاجتماعية للرجال والنساء، سواء القوامة بالمعنى الديني، وأسبقية الرجل على المرأة بالمعنى الاجتماعى. ولكن الملفت أن هذه القوامة والأسبقية التي هي امتيازات الرجل وفق الثقافة السائدة، تخفى جانب آخر يتعلق بالمرأة ذاتها والتي تحظى بامتيازات صامتة وقد تكون مكبوتة. فالمرأة، وفق هذه الأغنية، هي صاحبة الأرض والبيت، وصورة الرجل الخيال يقابلها صورة المرأة الأرض والخبز، وكذلك صورة الرجل المتحرك يقابلها صورة المرأة الساكنة صاحبة البيت، فالمرأة تتحدث عن مقومات الحياة بصيغة الملكية، فتقول: “يقاسمني رغيفي.. خيالي في أرضي.. أبني معاه داري وأنقش له نهاري”. وهذا التصور الذى يربط المرأة بالحياة والطبيعة والأرض والسكن من الأمور المألوفة فى الثقافة الشعبية.
وعلى الرغم من أن المتغيرات الاجتماعية والثقافية أثرت على التصورات الاجتماعية عن الرجل المثالي والمرأة المثالية، إلا أن الصور التقليدية عن أدوار الرجال والنساء لازلت حاضرة في الأذهان، مما يؤدي إلى تصادمات مؤلمة بين المُتصور والمُعاش. وفي الوقت التي تتزايد فيه الأعباء وهموم الدنيا وعدم الإحساس بالأمان، تتزايد مستويات الإعجاب بصورة الرجل “العايق” والمرأة “العايقة”. وفي حين يتحمل الكثير من النساء مسئوليات تفوق طاقتهن، فإن الكثير من الرجال يصرون على الحفاظ على الصورة التقليدية للرجوله المسيطرة، وقد يكون التمسك بصورة الرجل “العنيف” و”العايق” في الوقت ذاته من متطلبات الحفاظ على هذه الصورة التي تتآكل بفعل تغيرات الواقع.