في الوقت الذي برزت فيه “العملات الرقمية” أو الإفتراضية في عالم الاقتصاد الرقمي على شبكة الإنترنت، والتي حزر البنك المركزي المصري من التعامل بكافة أنواعها وفي مقدمتها عملة الـ “بيتكوين” لما ينطوي عليه التعامل في تلك العملات من مخاطر مرتفعة ، مؤكدًا أن تلك العملات الإفتراضية المشفرة لا يقوم بإصدارها أي بنك مركزي، أو أي سلطة إصدار مركزية رسمية يُمكن الرجوع إليها، فضلا عن كونها عملات ليس لها أصول مادية ملموسة، ولا تخضع لإشراف أي جهة رقابية على مستوى العالم ، وبالتالي تفتقر إلى الضمان والدعم الحكومي الرسمي الذي تتمتع به العملات الرسمية الصادرة عن البنوك المركزية .. حيث برزت عُملة شبه جديد أخرى وهي “الإثريوم” أو “”Ethereum التى يُعول عليها المهتمون بالعملات الإلكترونية بل والمراقبون للتداول الإلكترونى لهذه العملات، إذ قامت مجموعة من الشركات الكبرى بالإعتراف بهذه العملة ومنها “مايكروسوفت” وشركة “انتل” و بنك “جي بي مورجان وهناك حوالي 86 مؤسسة أخرى عقدت تفاهمات وشركات مع مجموعة Enterprise Ethereum Alliance ، من ناحية أخرى أعلن “سيرجي برين” الشريك المؤسس لشركة “جوجل” أنه كان يقوم بتعدين عملة الإثريوم مع أبنه، خلال مؤتمر جماعي استضافه ريتشارد برانسون في المغرب لمناقشة إمكانات تقنية الـ” blockchain” أو “البُلكتشين” ، منوهاً أن جوجل كانت بطيئة في ألتقاط هذه التفنية الحديثة .
فعملة “الإثريوم” باتت تُعد ثاني أكبر عملة رقمية بعد البيتكوين من حيث الشعبية وأيضا القيمة السوقية، وقد حققت هي الأخرى نمواً جيداً خلال الفترة الأخيرة ووصلت قيمتها السوقية إلى أكثر من 18 مليار دولار، والتي أطلقت أول مرة عام 2015، لتحقق شهرة كبيرة خلال فترة وجيزة على عكس الكثير من العملات الرقمية الأخرى التي ظهرت خلال هذه الفترة ولم تنجح في استقطاب المستثمرين والمتعاملين بها، وتتغيير قيمة “الإثريوم” بشكل يومي فكلما زاد الطلب عليه ارتفعت قيمتها فيما إذا تراجع الطلب عليها تراجعت قيمته، هذا وقد اقترحها المبرمج الروسي “فيتاليك بوتيرين” عام 2013 وفي 2014 عملت شركة سويسرية على مشروع عملة “الإثريوم” إلى أن تم إطلاقها بشكل رسمي عام 2015 ، و تعرضت المنصة لعمليات اختراق وسرقة نحو 50 مليون دولار في 2016، وبعد هذا الهجوم تم تقسيم الإثريوم إلى “إثريوم” و”إثريوم كلاسيك”، ورغم ذلك يرى البعض أن بقاء نظامها اللامركزي بعيدًا عن أي تلاعبات أو عمليات إختراق هو أمر ضروري وصحي لها، وإلا ستنهار قيمتها في حالة تعرضها لعمليات اختراق مرة أخرى.
كيف نشأت وكيف تعمل ؟
يرى عدد من المراقبين الدوليين أن “الإثريوم”باتت من العملات الأسرع نمواً بالنظر إلى أن قيمتها التي بدأت من 2.8 دولار أمريكي ووصلت إلى اكثر من 200 دولار هذه الأيام ، و”الإثريوم” يُعتر نظام لامركزي مكون من عدد من الحواسيب المتصلة ببعضها البعض حول العالم، والتي تستخدم مجموعة من التطبيقات يتم تنفيذ أوامر كثيرة عليها وفق العقود الذكية ، وهى بروتوكولات معلوماتية تحاكي إبرام العقود التقليدية حيث تتطلب شروط ومتطلبات لتنفيذيها دون الحاجة إلى سلطة أو جهة معينة تتحكم في عملياتها ، وهذا النظام قائم على قاعدة بيانات تسمى الـ “”blockchain وهي نفس القاعدة التي تعتمد عليها مختلف العملات الرقمية ، فضلاً عن أنها “شفرة المستقبل” خاصة بالنسبة للمؤسسات المصرفية الكبرى العالمية والمحلية، وهذا يتم من خلال خوارزميات معقدة وصعبة تضمن الأمان وعدم التلاعب بها، وبالتالي التأثير على قيمة العملة بأي صورة، ورغم هذا فقد تعرضت خلال الأشهر الماضية لعمليات إختراق على أساسها تمت سرقة 50 مليون دولار أمريكي ما أدى إلى تراجع العملة بنسبة 30% قبل أن يتم تعديل المنصة وتعزيز حمايتها مجدداً، ويرى أخرين أن”الإثريوم” توفر وسيلة لا مركزية للتحقق منها وإنفاذها، الجانب اللامركزي يجعل من الصعب للغاية التعرض للغش أو الرقابة، وتهدف عقود إثيريوم الذكية إلى توفير قدر أكبر من الأمن من العقود التقليدية وخفض التكاليف المرتبطة بها.
من جهة أخرى قال مطور “الإثريوم “فيتاليك بوتيرين” الذى يبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عاماً إنه غير قلق حيال أي منافسة قادمة من البنوك المركزية حول العالم ، مُقللاً من احتمالات إطلاق دول لنسخ خاصة بها من العملات الرقمية، الأمر الذي يؤثر سلبا على “البتكوين” و”الإثريوم” ، مؤكداً أن إطلاق عملات رقمية على منصة “بلوكتشين” من قبل حكومات وبنوك مركزية سوف يستغرق سنوات طويلة حتى يحدث تأثيرا على “البتكوين” و”الإثريوم”.
استمراريتها في النمو
وترى الدكتورة “مناهل” ثابت المتخصصة فى الهندسة المالية أنه مع استمرار خطر انهيار الاقتصادات في الوقت الحاضر، فإن العملات الرقمية تخفف من ضغوط انهيار العملة الحقيقية، لكن شعبيتها لن تكون كبيرة في الوقت الراهن، بمعنى أنها ستتزايد على مراحل وليس دفعة واحدة، وأضافت الحاصلة على درجة الدكتوراه فى هذا التخصص، وأضافت الدكتورة “مناهل” الحاصلة على الدكتوراه فى الهندسة المالية: من المتوقع أن شعبية هذه العملات الرقمية سوف تستمر في الازدهار، فالجماهير لها طبيعة الوحش من حيث إنها قابلة للتكيف، وتستجيب أخيراً، وتتواءم مع التكنولوجيا إلى أبعد حد، بالإضافة إلى أن المطورين على استعداد للتغلب على أي عقبة قد يتم طرحها عليهم ، منوهة أنه رغم أن الحديث أو التكهن بمستقبل أي شيء، بما فيه هذه العملات الرقمية التي وصل عددها إلى أكثر من 740 نوعاً ، يبدو صعباً بكل المقاييس على الكثير من البشر، بل وحتى علماء الاقتصاد أنفسهم، إلا أن ما يمكن الاتفاق عليه هو أن هذا العدد الذي ظهر من أنواعها في فترة قياسية بالإضافة إلى تطور أجهزة وأنظمة الذكاء الاصطناعي والتوجه نحو اقتصاد المعرفة يؤكد استمراريتها في النمو .
وكان البنك المركزي المصري قد أكد في بيان له، أن تلك العملات الإفتراضية يغلب عليها عدم الإستقرار والتذبذب الشديد في قيمة أسعارها وذلك نتيجة للمضاربات العالمية (غير المراقبة) التي تتم عليها مما يجعل الاستثمار بها محفوفا بالمخاطر وينذر بإحتمالية الخسارة المفاجئة لكامل قيمتها، مشيرًا إلى أن اقتصار التعامل داخل جمهورية مصر العربية على العملات الرسمية المعتمدة لدي البنك المركزي المصري فقط، كما يُهيب بالمتعاملين داخل السوق المصرية بتوخي الحذر الشديد، وعدم الإنخراط في التعامل بتلك العملات مرتفعة المخاطر.