تعددت صور العذراء مريم في كنائس العالم، وقد اجتهد الرسامين والفنانين وبرعوا في رسمها لتكون في أبهى صورة؛ فمنهم من قام برسمها بملامح حانية تعكس روح الأمومة، ومنهم من قام برسمها وهي تحمل السيد المسيح. وتوجد العديد من الصور التي ترتبط ببعض الأحداث والرموز الروحية على سبيل المثال العذراء في وضع التجلي.
هناك فرق بين صور للتأمل وأيقونة للطقس، ففي الأيقونات لابد تظهر مع المسيح باعتبارها والدة الإله.
وتكون عن يمينه إذ قيل في المزمور “قامت الملكة عن يمينك أيها الملك” (مز 45 : 9).
ولأنها ملكة علي رأسها تاج وكذلك المسيح .
وكقديسة يكون حول رأسها هالة من نور، إذ قال الرب “أنتم نور العالم” (مت 5 : 14).
ولأنها السماء الثانية يوجد حولها نجوم وملائكة وسحاب.
ومن أشهر صور العذراء مريم في كنائس مصر القبطية الأرثوذكسية، هي صورة العذراء مريم، وهي تحمل الطفل يسوع المسيح، وتعتبر هي الصورة الأساسية والطقسية للكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
(رموز أيقونة السيدة العذراء والسيد المسيح وسر الصندل المفكوك)
أيقونة السيدة العذراء وهي تحمل الطفل يسوع على يدها وممسكه بإحدى يديه برسالة، أما مطوية أو مفتوحة وأحيانا يحمل عليها ما يشبه الكره، وباليد الأخرى يشير لنا بإصبعه بطريقة خاصة، وينتعل في قدميه بصندل أحد فردتيه مفكوكا ومعلق بقدمه كاد أن يسقط والآخر مربوطا بقدمه الأخرى ونجد في أعلى الأيقونة علي اليمين واليسار ملاكين ممسكين بأشياء في أيديهم . هذه هي أيقونة التجسد سوف نوضح الصورة بدقة :
العذراء وهي تحمل الطفل يسوع نجدها لا تلتفت إليه وإنما تنظر إلى بعيد إلى مستقبل الأيام واالعذابات التي سيراها ابنها الوحيد الذي سيقدم نفسه فديه عن كثيرين، بذلك يرتسم علي وجهها صورة الأّم ابنها المستقبلية وحزنها يبدو واضحا عليوجهها لأن هذا الابن سيصب من أجل خلاص البشر ولكنهم غافلون عن أمر وأهمية هذا الخلاص .
ملابس السيدة العذراء :
-نجد السيدة العذراءدائما تلبس الأزرق والأحمر والأبيض.
الأزرق أو السماوي : لأنها السماء التي حل في بطنها الله المتجسد فاصبحت سماء لهذا الابن، ويشير اللون إلى الحق السماوي .
+ اللون الاحمر او القرمزي : فهو لون معروف بانه اللون الملكي لا يلبسه الا الملوك والاباطرة والعذراء بالطبع تلقبها الكنيسة بانها الملكة وام الملك فهي لذلك ترتدي اللون الاحمر القرمزي .
اللون الأبيض : فهو رمز الطهارة ودائما نجد أنها تلبس طرحة بيضاء على رأسها فهي العذراء الطاهرة النقية بلا دنس ولا غش
النجوم : نجد على العذراء مريم إما نجمتين أو ثلاث نجوم : واحدة على الكتف الأيمن والثانية على الرأس فوق الجبهة بقليل والثالثة علي الكتف الأيسر، وهذا يعني أن العذراء مريم بتول قبل وأثناء وبعد ولادتها الطفل يسوع، أما إذا وجدت نجمتان فقط تعني أنها بتول قبل وبعد ولادتها الطفل يسوع، والنجمتان واحدة على الكتف الأيمن تشير إلى البتولية والثانية على الجبهة فوق الرأس تشير إلى الطهارة ويضيفونفي بعض الأيقونات احيانا عدد النجوم الصغيرة جدا على الثوب الأزرق لأنها سماء ثانية والسماء الثانية بالطبع مزينة بالنجوم أي كمال الطهارة، ولكن لابد من وضوح النجمتين أو الثلاثة نجوم الكبار .
الطفل يسوع :
لون الملابس :
اللون الأبيض : يرمز للطهارة .
اللون الأصفر : يرمز إلى النقاوة أي بلا خطية كالذهب المصفي ليس به شوائب، وهو قد شا بهنا في كل شئ ما خلا الخطية وحدها وايضا لون النصرة والقيامة .
اللون الأحمر: هو اللون الملوكي فهو ملك الملوك ورمز الفداء للدم المسال عنا على الصليب علامة خلاصنا.
اللون البنفسجي : وهو اللون الوحيد الذي يرتديه السيد المسيح لأن الإمبراطور في عصره كان يلبس فقط هذا اللون فهو قاصر على الأباطرة والملوك .
اللون الأخضر : وهو لون يرمز للشر وذلك من أيام الفراعنة فلا يرتديها من القديسين، بل يرتديه يهوذا الأسخريوطي مثلا و نجعل هذا اللون على التنين الذي يحاربه القديسين أوالملوك الطغاة الذين سقطوا صرعى تحت خيول القديسين .
الصندل المفكوك : هذا الصندل الذي نلاحظه مفكوكا في أحد قدمي الطفل يسوع ويكاد أن يسقط منه فهو رمز الفكاك، حيث كان في العهد القديم “عادة” أن الرجل الذي يموت دون أن ينجب أولا تتزوج زوجته من أخيه والابن الأول ينسب إلى الزوج المتوفي والابن الثاني ينسب إلى الزوج الحالي وهو أخو الزوج الأول المتوفي حتى يقيم نسل لأخيه المتوفي، فلعل يأتي المسيح المنتظر من هذا النسل وإذا رفض أخو الزوج المتوفي أن يتزوج من زوجة أخيه، كانت تخلع هذه الزوجة نعله من رجله وتبصق في وجهه وذلك أمام شيوخ مدينته، ويدعي اسمه مخلوع النعل، فجاء المسيح المنتظر وقام بفكنا من هذه العادات القديمة أو الطقس اليهودي القديم لإنه لا خوف بعد ذلك لأن المسيح قد جاء بالفعل وكأنه يقول لنا لاتعودوا تتزوجوا زوجة الأخ المتوفي بغير نسل وما دمت قد جئت فقد فككتكم من هذا لأني “أنا هو وليس آخر سواي”
الصندل الآخر المربوط : عن الصندل المربوط في قدمه الأخرى فالإنسان حينما أخطأ عاقبه الله بأن جعله في الأرض وهي تنبت حسكا وشوكا -أي الخطية- فإذا سار الإنسان حافي القدمين على هذه الأرض المملؤة شوكا فستدخل الخطية إليه، فكان لابد للإنسان أن يحمي نفسه من الأشواك والحسك ويحمي هذه القدم العارية فلابد أن ينتعل بشئ في قدمه فأخذ ذبيحة وذبحها وأخذ جلدها وعمل منه صندل أو حذاء ليحميه من الشوك والحسك فالذبيحة أو الخروف إشارة إلى المسيح فهو الذبيح الذي ذبح لكي يحمينا في أيقونة القيامة نجد السيد المسيح حافي القدمين. وكذلك أيقونة الصعود لأن هناك لا توجد خطية، أرض بلا شوك، لا تحتاج إلى الفاصل أو الحاجز الذي استخدمناه ونحن في أرض الشقاء .
يد الطفل :
اليد الأولى: تحمل ما يشبه الكرة فهي رمز للكون كله لأنه “ضابط الكل” وخالق كل شئ بحكمته، والكل منقوش في كفه فنحن مركز اهتمامه وخلاصنا في يده، وأحيانا بدلا من الكره يحمل رسالة مطوية أو مفتوحة وأحيانا في شكل كتاب فهذه الرسالة هي رمز الحكمة، فهو أتى لنا معلما وأتى بحكمته الإلهية التي ليست من هذا العالم أتى ومعه الدستور السماوي الروح المعاش لكي نسير على هذا وليكن لنا حياة ويكون لنا أفضل .
اليد الثانية: نجد أحيانا أنه يشير بإصبع واحد السبابة لأنه واحد مع الأب ويقول لنا:”أنا هو الأول والآخر وليس آخر غيري”.
الهالة :
يجب أن توضع هالة صفراء لكل من السيد المسيح والسيدة العذراء والملائكة ولجميع القديسين حول رأسهم، ولكن هالة السيد المسيح تكون أكبرهم حجما فهي تبدأ من الكتف من المنكبين الذين يحمل عليهما الخروف الضال ويرشده إلى الصواب والذي حمل عليه خشبه الصليب ليتمم الخلاص ، وأحيانا نجد في بعض الأيقونات أن هالة السيد المسيح على محيطها من الخارج ثقوب صغيرة تلفها بالكامل، دليل الإمات وجراحات التي كانت وقت الصلب ونجد ائما في هالة السيد المسيح الصليب مرسوما داخلها ورأسه فس مركز الصليب وحول الرأس نقرأ هذين الحرفين “الألفا والأوميجا” أي البداية والنهاية .
الملاكان :
نجد في أعلى الصورة ملاكين إحدهما يمسك صليبا والثاني يمسك الحربة والقصبة الطويلة التي فوقها الإسفنجة والتي وضع عليها الخل حينما عطش السيد المسيح، وطلب أن يشرب فرفعوها له على الصليب فهذه هي الأدوات التي استخدمت في عملية الصلب لتدل لنا على النبوءة والمستقبل بهذا سيحدث ومن هذا جاء الميلاد وجاء التجسد ليتم الصليب والخلاص للبشرية كلها .
توجد العديد من صور العذراء مريم التي ترتبط ببعض الأحداث. وسنركز على صورتين الأولى هي العذراء ذات الثلاثة أيدي الموجودة في دير خيلانداريو “للروم الأرثوذكس”
ارتبطت هذه الأيقونة بسيرة حياة القديس يوحنا الدمشقي. تعود هذه الأيقونة إلى القرن الثامن الميلادي عندما استلم الحكم في القسطنطينية الملك لاون الذي أنشأ حرباً ضد الأيقونات المقدسة، فأمر برفعها من الكنائس وأخذ يضطهد المؤمنين المستقيمي الرأي الذين كانوا يؤدّون الإكرام الواجب لهذه الأيقونات.
سمع القديس يوحنا وهو في مدينة دمشق عاصمة الدولة الأموية، بهذه الموجة العنيفة ضد الكنيسة، وكان حينئذٍ علمانياً يشغل منصب وزير الخزينة لدى الدولة الأموية. وكان اسمه المنصور بن سرجون. فانبرى للرد على كل من يهاجم الأيقونات المقدسة واصفاً إياه بالهرطقة وبأنه يحارب تجسد ابن الله من العذراء، وتأله البشر بالنعمة الإلهية. واعتمد كثيراً على قول القديس باسيليوس الكبير: “إن إكرام الأيقونة يعود إلى عنصرها الأول”.
ولما وصل الخبر إلى الملك كاره الأيقونات، أراد أن ينتقم من القديس يوحنا فلجأ إلى الغش والخداع. فدعى إليه بعض الخطاطين ليقلدوا خط القديس برسالة مزورة ملفّقة وكأنها على لسان القديس موجهة للملك لاون، وفيها يعرب للملك بأنه مستعد للتعاون معه ضد الخليفة الأموي وأن يسلم له مدينة دمشق. وبعد ذلك أرسل الملك لاون إلى الخليفة الأموي الرسالة المزورة مع رسالة أخرى يكشف فيها خداع وخيانة المنصور له.
لما استلم الخليفة هاتين الرسالتين أسرع باستدعاء المنصور (يوحنا)، فأراه الرسالة المزورة قائلاً له: “أتعرف يا منصور هذا الخط ومن كتبه”. فأجاب القديس: “أيها الأمير كأن الخط مشابه لخطي وهو ليس خطي وألفاظه ما نطقت بها شفتاي ولم أرَ هذا الكتاب إلا في هذه الساعة الحاضرة”. لم يصدقه الخليفة، فأمر بقطع يده اليمنى. تم تنفيذ الحكم في الحال وعلّقت يده في وسط مدينة دمشق.
عند المساء أرسل يوحنا إلى الخليفة طالباً منه أن يهبه يده المقطوعة. فأذن له الخليفة بأخذها. أخذ القديس يوحنا كفه المقطوع وعاد إلى بيته وصعد إلى عليته (مكان صلاته) التي كانت فيها هذه الأيقونة. وضع كفه على الأيقونة وارتمى أمامها مصلياً بخشوع ودموع كي يكشف الله براءته من هذه التهمة وأن يشفي له يده كتأكيد لبراءته وكذلك تشفّع إلى السيدة العذراء، إلى أن تعب، فنام. وإذا بالسيدة العذراء تظهر له في الحلم قائلة: “قد شفيت يدك التي ستكون قلم كاتب سريع الكتابة”. وأخذت اليد عن الأيقونة ووضعتها مكانها، فعادت كما كانت، فاستيقظ القديس معافى اليد وأخذ يصلي شاكراً الله وأمه الفائقة القداسة. وللشهادة على قطع يده بقي موضع القطع كالخيط الأحمر.
ويقال إنه بعد نهوضه من النوم أنشد في الحال ترنيمة “إن البرايا بأسرها تفرح بك يا ممتلئة نعمة”.
في الصباح ذاع صيت هذا الشفاء العجيب في دمشق كلها. وبلغ إلى مسمع الخليفة. فجاء الوشاة إليه قائلين بأن يوحنا لم تقطع يده، بل أنه أعطى أحد عبيده أموالاً كثيرة كي تقطع يده عنه. فاستدعى الخليفة القديس ليستمع منه الدفاع، فأراه القديس علامة القطع التي بقيت كالخيط الأحمر. استغرب الخليفة، وسأله بدهشة عن الطبيب الذي أعاد له يده كما كانت. فأخبره يوحنا عن الأعجوبة التي حدثت معه، فعرف الخليفة بالخديعة وبأنه حكم على القديس ظلماً، فطلب منه المسامحة والمعذرة وأعاد له كرامته السابقة كوزير. ولكن القديس الذي كان قد عاهد نفسه على ترك الحياة الدنيوية، والتفرغ للحياة الملائكية، طلب من الخليفة أن يأذن له بترك كل شيء كي يتفرغ لربه. فحزن الخليفة على خسارته يوحنا كصديق ووزير، ولكنه تركه أخيراً.
ذهب القديس إلى بيته، وباع ماله ووزعه على الفقراء، وذهب متوجهاً إلى فلسطين، حيث التجأ إلى دير القديس سابا المتقدس ولم يأخذ معه سوى هذه الأيقونة المقدسة. وقد صاغ القديس معصماً من الفضة ووضعه على هذه الأيقونة شكراً منه على شفائه العجيب وتذكيراً به.
بقيت هذه الأيقونة في دير القديس سابا من منتصف القرن الثامن حتى القرن الثالث عشر حين زار القديس سابا رئيس أساقفة صربيا الدير، فقدمت له هذه الأيقونة المقدسة كبركة له فحملها معه إلى صربيا.
عند احتلال الأتراك لبلاد صربيا، أخذ الأرثوذكسيون هذه الأيقونة وربطوها على حمار وأطلق فيما بعد على هواه بلا قائد ولا مرشد .
صورة العذراء المعزية
توجد هذه الأيقونة في دير فاتوبيذي (دغل الفتى) في جبل آثوس.
اعتنى به الإمبراطور ثيودوثيوس بعد نجاة ابنه من الغرق ووجوده قرب هذا الدير بطريقة عجائبية. فبنى الكنيسة الكبرى (كنيسة البشارة) وحضر هو نفسه وبطريرك القسطنطينية تكريس هذه الكنيسة.
في سنة 807 اقتربت عصابة لصوص من الجبل تنوي الدخول إلى الدير عندما يفتح أبوابه في الصباح من أجل نهب ثرواته الكثيرة والفتك برهبانه. إلا أن السيدة العذراء حارسة الجبل لم تسمح بتحقيق غاية اللصوص. ففي الغد ذهب كل من الاخوة إلى قلايته للاستراحة بعد صلاة السحر، وبقي رئيس الدير في الكنيسة. فسمع وهو يصلي صوتاً يقول له: “لا تفتحوا اليوم أبواب الدير بل اصعدوا إلى السور واطردوا اللصوص”. فاضطرب وذهب إلى مصدر الصوت إلى أن اقترب من الأيقونة التـي كانت على الحـائط الخارجي للكنيسة، فأمعن النظر فيها.
فبدت له منها أعجوبة مدهشة ألا وهي أنه رأى رسم والدة الإله ورسم طفلها على يدها قد انتعشا. فبسط الطفل الإلهي يده على فم أمه وأدار وجهه إليها وقال لها: “لا يا أمي لا تقولي لهم هذا بل دعيهم يعاقبون”. ولكن والدة الإله، أعادت قولها للرئيس مرتين وهي مجتهدة في إمساك يد ابنها وربها وفي تحويل وجهها عنه إلى الجهة اليمنى.
تخشع الرئيس ونادى الرهبان وقصّ عليهم ما حدث له معيداً ما قالت والدة الإله وما قال لها ابنها الرب يسوع بسبب كسلهم وتوانيهم في الحياة الرهبانية. ولاحظ الاخوة أن رسم العذراء ورسم ابنها الإلهي وهيئة الأيقونة بشكل عام قد انقلب عكس ما كانت عليه. فعظموا والدة الإله لحمايتها لهم والرب يسوع المسيح الذي رحمهم من أجل شفاعتها وتعاهدوا على السلوك حسناً بجدّ ونشاط في حياتهم الرهبانية. وصعدوا إلى السور فدفعوا هجوم عصابة اللصوص.
بقيّ رسم والدة الإله ورسم ابنها الإلهي حتى الآن على المنظر ذاته الذي تحوّلا إليه عندما تكلّما أمام رئيس الدير. أي بقيّ وجه العذراء محوّلاً إلى كتفها الأيمن ووجه طفلها متجهًا إليها.
إن لهذه الأيقونة خاصيّة تلفت الانتباه ألا وهي أن منظر وجه والدة الإله يعبّر عن المحبة والحنان ويفيض باللطف، أما وجه الطفل الإلهي فهو عابس متجهم ويلاحظ في معالمه كلها الغضب والوعيد ونظره طافح بالقسوة فيبدو وكأنه المسيح الديّان.
“بعض صور العذراء مريم في العالم”