لم يكن سهلا فراق و رحيل معلمنا بابا صفوت جسدا، ولكن إرادة الله وحدها تكتب لنا ما تشاء، سلاما للقلب الذي توقف بعد أن رعى القلوب ووفى و كفى بطيبته و أخلاقه لعقود من الزمن عمل مع أجيال متعاقبة دون أن يترك خدشا في قلب احد، سلاما بابا صفوت الاستاذ و المعلم، سلاما للتواضع و الكفاءة و العطاء في زمن انتحار القيم و غياب المبادئ .. أتذكر انه منذ ١٣ عاما اخترت بإرادتي ان ادخل الى عالم الصحافة مهنة المتاعب، و أشكر الله من كل قلبي أنني كنت من الجيل الاخير الذي تتلمذ على يد بابا صفوت، فكان ابا بالحق، ففي بداية عملي لا انسى فضله الكبير علي في توجيهي و احتضان كتاباتي و دعمي، و كان يجلسني بجواره على” كرسي من خشب” و يقول لي ملاحظاته التي أتذكرها و كأنها امام عيني بقلمه الاحمر على ورق الدشت، و كلما اقوم بعمل متميز يفاجأه كان يمسك بكتفي الايمن و يقول “أنت ولد جدع” و يخرج من جيبه جنيها ورقيا يوقع عليه، مازلت أتذكر تشجيعه الدائم بحوارات الاباء البطاركة للكنائس الشقيقة فكان يقول لي “عجبني انفتاحك و اسلوبك ..
كمل على كدة”، لم يكن بابا صفوت فقط يعلمنا و يشجعنا بل كان دائما يحدثنا عن ذكرياته و يعطينا من مدرسة خبراته، اكتب هذه السطور و اراه أمام عيني على مكتبه بحجرة “الديسك” و هو يروي عن بداية حياته الصحفية في ارتريا أثناء حرب تحرير الحبشة، و فترة عمله كمحرر عسكري خلال معركة اكتوبر ١٩٧٣، و الذي كان يعتبرها اختبارا حقيقيا لمدى الكفاءة في العمل، غير احاديثه عن فترة سفره لانجلترا و التي جلس فيها على مائدة واحدة مع الملكة و امبراطورة ايران ..
رحلت الأحاديث و الذكريات الجميلة، و رحل الورق الدشت، و رحل الجنية الورق، و رحل بابا صفوت .. صدقوني الحزن ليس اعتراضا على إرادة الله لاني اعلم ان الكبار يتعبون ايضا و ينزلون عن افراسهم و يغادرون الميدان و يغمضون أعينهم على جرح الزمن الغادر .. توقف نبض هذا القلب بعد ٨٦ عاما ليخلف مدرسة في الانفتاح و الحوار مع الاخر اساسها انه لا فرق بين المعلم و التلميذ كليهما يتعلمون في مدرسة الحياة .. سلاما بابا صفوت لقد اديت و كفيت و كنت رمزا كبيرا، سلاما على روحك و اخلاقك ..
أيها الحبيب أنت لا تصلح للنسيان لأنك طيب الذكر و اخضر الحبر، و الذين عرفوك بأسلوبك و فكرك الهادئ و النبيل يغالطون أوجاع الرحيل و يرددون في صبر ” وما الدهر الا جامع و مفرق.. و ما الناس الا راحل و مودع ” .. اسأل الله الصبر الجميل لاسرتك الصغيرة و لاسرتك في الصحافة، و لقرائك الذين ادمنوا مقالاتك و احبوك.