فيبي.. فتاة في التاسعة عشر من عمرها، حصلت بالكاد على مؤهل متوسط، الوحيدة التي أكملت دراستها البسيطة بين إخوتها، والدها يعمل بائع فيشار، جلبابه الواسع ينم عن هيئة صعيدية أصيلة، والدتها سيدة بسيطة.. جلست فيبي بينهما في صمت، كما لو كانت تنتظر تشغيل أسطوانة مشروخة تم تشغيلها مرات ومرات، والدتها ذات الـ47 عاماً، أنجبت ست بنات ولم تنجب الولد الذي يتمناه زوجها، واضطرت لسحب الفتيات من التعليم واحدة تلو الأخرى، حسب قولها: التعليم عايز فلوس والمدارس عايزة عافية، ولا هذه متوفرة ولا تلك أيضا، لم تتبق بينهم سوى فتاة عمرها سبع سنوات، ربما تفلح، والد فيبي يمتلك عربة فيشار، تدر عليه عائداً لا يزيد عن 500 جنيه شهرياً.
كنت أشد الكلمات من فمه بالقوة، وهو يتصبب عرقاً من الإحراج، حتى تدخلت الفتاة وقالت: أنا باشتغل في مصنع، وباحاول أجهز نفسي بس الحياة غالية جداً، أبونا بيدينا 200 جنيه كل شهر، تساعدنا في المعيشة، إزاي ممكن أتجهز أنا وإخواتي، وبكام؟ حتى أختي الكبيرة إللي أتجوزت جوازة تعبانة ماعرفناش نجهزها، لكن الحقيقة هي رضيت بإللي ربنا بعته ليها، وأنا كمان راضية، لكن خطيبي تاجر خردة، عنده شقة كويسة، وأنا هاتجوز في بيت عيلة، مش عايزة حد يعايرني، ولغاية دلوقت ماجبتش أي حاجة من المطلوب مننا، وأهله بيسألوا، وبدأت الخناقات والكلام التقيل، عن السجاد والصيني والمفروشات والأجهزة الكهربائية، وهدومي، وأدوات المطبخ، وأنا لساني مقطوع، أبونا قال هايساعدني لكن من شهرين أنا وأمي وأبويا بنلف، أبونا يبعتني للجنة البر ولجنة البر تقول قبل الفرح بـ15 يوم، وأبونا يقول: أنا أديلك ألف جنيه.
بدت علامات الانفعال على وجه الفتاة، ضاقت نبرات صوتها حتى كادت تختنق وهي تقول: هو أنا هاضحك عليهم؟ هاقول إني هاتجوز وأهرب بالفلوس؟ هانصب على نفسي يعني؟ حد يفهمني لما أكون عروسة وأستني على شراء أوضة النوم لغاية قبل الفرح بـ15 يوماً أمتي وإزاي أشتريها؟ أو لو عايزة أعملها عمولة مثلا، أعمل إيه؟ ولا إحنا علشان غلابة مش من حقنا ننقي؟ ده غير التشكيك في كل حاجة هل المفروض أفضح أبويا بعجزه قدام عريسي وأروح أطلب منه ورقة حجز الكنيسة علشان أقدمها لكل إللي عنده استعداد يساعدني؟ هل المفروض أني أبرر تأخيري في شراء طلباتي بأن فجأة هاتنزل فلوس من السما نشتري بيها، المؤكد أن أي عروسة أهلها عاملين حسابهم، ولو مش عاملين حسابهم حتى هايشحتوا في وقت مناسب، لكن فكرة تأخير الشراء لآخر أسبوع وجعتني، مش لاقيين كلام نقوله للعريس وأهله، هو عارف أننا على أدنا لكن مش ضروري نقول له بالصريح إننا بنشحت جهازي، ساعات نفس العروسة بتتسد عن الجوازة كلها لما تلاقي الفرحة متمررة بالتشكيك، والمماطلة، والتقطير وكأن الفرحة مش عايزة تنزل ولا حتي بالقطارة.
انتهرتها والدتها قائلة: اخرسي كفاية.. كانت كلمة اخرسي ممزوجة بدموع مكتومة في حنجرة قررت إيقاف ثورة الكرامة، خشية أن تفقد فرصة ابنتها في مساعدة قادمة، قالت: اخرسي، وكان صوت آخر يصرخ في داخلها مرددا بوحي بمواجعنا، فيبي لم تعبر عن حالها فقط، وإنما عبرت عن حال كل فتاة تمر بنفس ظروفها، كل فتاة مقبلة على الزواج تواجه نفس المصير، وتمر على الجميع في عرض مستمر لنفس الكلام، ونفس الحرج، ونفس الروتين، ونفس التشكيك، ومسرحية تصل إلى نفس النهاية زيجة بلا فرح، وكأنه كتب على اللواتي نفاهن الفقر أن يعشن حزاني، عطشى لقطرة سعادة، بينما تصب قطارة الفرح مراً في حلوقهن.
أعجب ما واجهته في إحدى الزيجات طلب لوالدة إحدى العرائس حينما قالت لي: نفسي أعمل حنة لبنتي، بس مش معايا فلوس علشان أجيب جاتوه وحاجة ساقعة، وأبونا قال: الكنيسة فقيرة، حينها تكفل باب افتح قلبك بتكاليف ليلة الحنة.
فيبي لم تخطئ, لكن أصابها الإحباط والضجر من الطواف على الكهنة والكنائس، وتكرار نفس الكلام في كل مكان، أنا شخصياً متعاطفة مع فيبي، فإذا تعاطفت معها عليك المساهمة في جهازها قبل فوات الأوان، لأن موعد الإكليل بعد أيام.
تنويه عن حالة رعب الفضيحة
كتبنا الأسبوع الماضي حلقة من باب افتح قلبك تحت عنوان رعب الفضيحة عن العروس التي تحتاج إلى تجهيزات سريعة وتخلى عنها والدها بسبب سعيه خلف ملذاته، مستخدماً تغيير الديانة للزواج بامرأة تكبره بـ23عاماً، وحينما عاد عما ضميره في نيته، لم يهتم بأسرته ولا ابنته، بل اعتبرهما عاملين في هدم متعته الحرام، وكأنه ينزل بهما عقاباً مشددا, لم تكتمل احتياجات الفتاة حتى يوم الاثنين الماضي، ورغم وصول مساهمات عديدة إلا أننا لم نكمل احتياجاتها إلا منذ أيام قليلة، واستدراكا لما نشر ونصه: إنه لم يستجب أحد سوى سيدة واحدة أرسلت لنا طقم الصيني، كان المقصود به المساهمات العينية فقط أما المساهمات المادية فقد وصلت تباعاً، على مدار الأسبوعين الماضيين, وتم نشرها واستخدامها لشراء ما ينقص العروس الحزينة، مع الوضع في الاعتبار أن مبالغ المساهمات لا يمكن احتسابها إلا بعد وصولها إلى خزينة الجريدة فعلياً فليست العبرة بتاريخ إرسالها وإنما بتاريخ دخولها الخزينة، والشكر موصول لكل من امتدت يداه بالمساعدة.
تواصلوا معنا عبر المحمول – 01224003151
تليفون أرضي بجريدة وطني 0223927201
البريد الالكتروني: [email protected]
البريد: مؤسسة وطني للطباعة والنشر – باب افتح قلبك ، 27 ش عبد الخالق ثروت، القاهرة