مع جوزيف من أسيوط إلي القاهرة لتسكين الألم
* الابن المتألم -27 سنة- والحصوات بكليتيه تتشعب بأحجام مختلفة
* بعد أن فشلت كل الأدوية في توسيع الحالب لم يعد مفر من التعامل بالمنظار لتفتيت حصوات الكلي اليسري
* حجرة العمليات تستعد لجراحة كبري لاستخراج أكبر حصوة بالكلي اليمني
عندما تختلط الكلمات بالدموع تصلك مكسورة مبتورة متقطعة فيتوه التعبير ولا تعرف المقصود.. لكن هذه المرة عندما وضعت سماعة الموبايل علي أذني كان صوت العويل هو الغالب. واختفت حروف الكلمات وراء دموع الأم الباكية الملهوفة المتوسلة, ومع ذلك وصلتني رسالتها كاملة.. وحتي الآن لا أعرف إن كانت وصلتني من الكلمات المتقطعة أم من الدموع المنهارة.. الذي أعرفه أنني تألمت جدا لصراخها, واستجبت سريعا لاستغاثتها, ودعوتها للحضور في أول قطار يتحرك من أسيوط إلي القاهرة.. ساعات وكانت الأم الملهوفة علي ابنها الوحيد -جوزيف- تصحبه بجلبابه الأبيض الذي كان يرقد به في مستشفي الملاك بأسيوط.. لم تنتظر استبدال ملابسه, أو حضور والده.. لم تنتظر حتي القطار الذي لا تعرف له موعدا, ووضعت نفسها ووحيدها المتمزق بالألم والتي لم تستطع كل المسكنات أن تسكته, حتي حقن المورفين المتوالية فشلت في تسكين الألم وضاعت كل جهود الأم التي بذلتها مع إدارة المستشفي في صرف الجرعات الكبيرة من المورفين.. ووضعت نفسها ووحيدها في سيارة خاصة قطعت الأميال من أسيوط إلي قلب القاهرة -شبرا- في ساعات ثلاث طائرة فوق الأرض متعدية إشارات الكيلومترات, متحدية كل السرعات, تدفعها صرخات الابن المتألم المستلقي في الكرسي الخلفي.. وبنفس السرعة كان كل شيء هنا يعد لاستقبال جوزيف.. حجزنا له حجرة بمستشفي الراعي الصالح.. أتصلنا بالدكتور هاني يسي استشاري المسالك البولية الذي رحب باستقباله بمجرد وصوله وطمأننا باتخاذ كل الإجراءات الطبية لإنقاذه.. وكم استرحت لكل الإجراءات التي تمت بسرعة غير معهودة.. أحسست أن يد الله تمتد لإنقاذ هذا الابن.. واسترحت أكثر عندما رأيت بعيني الابن جوزيف الشاب المتحامل في إيمان, المبتسم في براءة, الهادئ في طيبة قلب.. ذكرني بقصة أيوب الذي سمح الله بالتجربة ليكون فرصة لعمل الخير معه وليظهر الرب أنه يجرح ويعصب.. يسحق ويداه تشفيان.. وأدعوكم إلي السطور القادمة لتعرفوا قصة أيوب العصر كما سجلتها.. أو قصة مصنع الحصوات كما عشتها.
* فيما كنا ننتظر وصول الدكتور هاني يسي رأيت في عيون الأم الملهوفة علي ابنها المستلقي علي السرير يئن من الألم.. رأيت سطور قصة طويلة من العذابات.. سألتها عن البداية.. قالت وهي تسترجع شريط ذكريات ثلاثين عاما.
** البداية كانت من هنا.. من شبرا.. كنت أعيش وأسرتي, وتزوجت وأعطانا الرب جوزيف ومن بعده بعامين جاءت شقيقته ليملأ الاثنان حياتنا فرحا لكن فرحتنا لم تستمر طويلا, إذ صدر قرار بنقل والدهما الذي يعمل بجهاز الصرف الصحي إلي منقباد.. ورحلنا جميعا إلي هناك, وكتب علينا أن نعيش وسط ظروف حياة صعبة, زاد من صعوبتها تعدد الأزمات الصحية التي ظلت تلاحق زوجي.. كلما تخلص من حصوة تتجمع في إحدي كليتيه, تجمعت حصوة أخري, وهكذا عشنا حياتنا وسط هذا المسلسل.. أحيانا نتخلص من الحصوات بالجراحة وأحيانا بالعلاج.. وفي كل الحالات كنا نشكر الرب, وكان الرب رحيما بنا عندما طالت فترات تكوين الحصوات أو كادت تنعدم.. كان الرب رحيما بنا عندما توقفت الحصوات عن التجمع في كليتي الأب, لأنه كان يعرف بمشيئته أننا قادمون لرحلات أصعب.. ورث الابن الداء.. وكانت التجربة أكثر قسوة.. تعاملنا مع الحصوات بكل الطرق والوسائل.. مرات بالأعشاب ومرات بالأدوية والمسكنات إلي أن كانت الوجعة الأخيرة.
رقد الابن في مستشفي الملاك بأسيوط سبعة أيام.. لم تستطع كل حقن المسكنات -المورفين- بالمستشفي من تسكين الألم.. كان يتوجع وكنت أتمزق وأصرخ إلي الرب.. وجاءتني إجابة الرب في زيارة سيدة عابرة.. حدثتني عنكم وأعطتني رقم تليفونكم وشجعتني أن أحدثكم بعد أن كدت أفقد الأمل في إنقاذ وحيدي.. والآن أقول مع داود المرنم هللويا.. قدموا الشكر للرب فإنه صالح لأن رحمته إلي الأبد تدوم.
* * *
* فيما كانت الأم تسترجع شريط العذابات مع حصوات الكلي وصل الدكتور هاني يسي.. استمع إلي الجزء الأخير من الشريط, وبخبرة الطبيب البارع في المسالك البولية عرف كل ما حدث للابن جوزيف في الأسبوع الأخير.. ربما لم تستطع الأم أن تنقل تطورات الحالة وتأثيراتها ومواجهة الموقف طبيا في واحدة من أكبر مستشفيات أسيوط نفخر بتجهيزاتها التي وفرها مؤسسها مثلث الرحمات الأنبا ميخائيل مطران أسيوط.. كل ما نعرفه أنهم حاولوا تسكين الألم دون جدوي, وبذلوا جهدا لتوفير مخدر المورفين علي ثلاث جرعات بلغت في مجموعها 10سم.. لكن التقرير الطبي الذي جاءت به وصور الأشعات كشفت الحقيقة الصعبة والمؤلمة التي تعرضت له كليتي الابن جوزيف.. الحصوات تتشعب وبأحجام مختلفة في الكيتين.. الكلية اليسري بها حصوة كبيرة تمركزت في أعلي الحالب الأيسر فسببت تضخما بالكليتين واسنداد في الحالب منع نزول البول, والكلية اليمني بها حصوات متعددة مختلفة الأحجام والأشكال تسببت أيضا في تضخم كبير.
* تركت الدكتور هاني يسي يبحر وسط صور الأشعات وتقاريرها ونتائج التحاليل الطبية التي بدت لي لغزا أريد له حلا سريعا وعيني علي الابن جوزيف الذي يعتصر ألما ويتقلب فوق السرير يمينا ويسارا وفجأة تصدمني صرخاته.. وسألت الدكتور هاني: كيف يري الموقف؟!.. قال لي بثقة الطبيب المتخصص:
** نحن مع جوزيف -27 سنة- أمام موقف ليس سهلا.. فهو يعاني من مغص كلوي شديد وهذه أحد الأعراض الظاهرة لنا والقاسية عليه وعلي قلب أمه, لكن التعامل مع هذا ليس بتسكين ألم المغص الشديد والقاسي.. لقد جاء ومعه كمية علاجات كثيرة, وهي أدوية متعارف عليها ونتعامل معها منذ سنوات, وكلها تدور حول توسيع الحالب, فالحالب هو الأنبوبة التي توصل البول من الكلي إلي المثانة, ولو أمكن هذا تخلصنا من التهاب الكلي, وتوقف المغص, وصارت كل الأمور في مجراها الطبيعي, وانتهي الأمر..
لكن هذا لا يمكن تحقيقه مع حالة جوزيف, ولا تستطيع كل الأدوية توسيع الحالب أن تحقق هذا, ولا تكفي كل المسكنات لتخفيف آلام المغص.. صورة الحصوة كما ظهرت في الأشعة مختلفة تماما عن المعتاد وتفوق كل تصور.. الحصوة كبيرة بالنسبة لنصف قطر الحالب, ومحيطها ليس أملسا أي ناعم مثل حبات العقد اللولي التي تتزحلق في الحالب وتنزل بسهولة وينساب من بعدها البول المحبتس..
الحصوة كما صورتها الأشعة مشرشرة أي لها نتوءات, وحتي لو أمكن فرحتنا أنه بالأدوية تم توسيع الحالب لتأخذ الحصوة فرصتها في النزول فإن النتؤات التي تحيطها ستتشابك مع الغشاء المخاطي للحالب وتلصق في جدار الحالب وتسبب تليفات يكون التخلص منها أصعب وتصبح المشكلة مشكلتين.. المفاجأة الثانية أن خطورة الموقف لا يتوقف فقط عند الكلية اليسري والحصوة التي أنزلقت وتحركت أعلي الحالب الأيسر.. المفاجأة أن الكلية اليمني أيضا بها حصوة كبيرة جدا ومتشعبة ومعها حصوات ثانوية.
* سألت الدكتور هاني.. ما الحل؟!
** بالطبع الأولوية لمشكلة الحالب لأنه سبب الألم الشديد الذي يواجهه جوزيف.. لهذا لابد من التدخل السريع بالمنظار لتوسيع مجري البول بالبالون والوصول بالجهاز الإلكترو هيدروليك إلي سطح الحصوة لتكسيرها وتفتتيها وسحب القطع الصغيرة المتفتتة, وبهذا ننتهي من حل المشكلة الأولي, وبعدها نفكر كيف سنواجه المشكلة الثانية والتي لا حل لها إلا بالتدخل الجراحي, فالحصوة الكبيرة في الكلية اليمني لا يمكن تفتيتها, ويصعب بل من المستحيل طبيا التعامل مع الكليتين في وقت واحد.. حصوات الكلية اليسري سنتعامل معها بالمنظار, وحصوات الكلية اليمني سنتعامل معها بالجراحة.. وسلامة حياة جوزيف لابد من التعامل مع الكليتين كل علي حدة.
* * *
* كم هو مؤلم وصعب أن يدخل الابن المتألم جوزيف حجرة العمليات مرتين متتاليتين وهو في ربيع عمره -27 سنة- لأن جسده صار مصنعا للحصوات!!.. سلسلة من العذابات بدأت معه منذ أربعة أعوام ومازال المسلسل مستمرا, بل العذابات تزداد قسوة.. يا كل الأصدقاء ارفعوا قلوبكم بالصلاة ليتمجد الرب ويمد يده الحانية..
غدا يدخل جوزيف حجرة العمليات لإجراء منظار حالب أيسر.. ولا نعرف تحديدا متي يدخل مرة ثانية لاستخراج الحصوة الساكنة في الكلية اليمني.. مرة أخري وثالثة ورابعة أدعوكم يا كل الأصدقاء لترفعوا قلوبكم بالصلاة ليتمجد الرب ويخفف آلام الابن البار جوزيف.
صندوق الخير
350 جنيها من يدك وأعطيناك
1000 جنيه من يدك وأعطيناك
200 جنيه طالبة شفاعة رئيس الملائكة ميخائيل
300 جنيه طالبة صلوات الأنبا هيرمينا السائح بأسيوط
400 جنيه طالبة صلوات الأنبا بولا بأسيوط
4000 جنيه من يدك وأعطيناك
1000جنيه من عطايا الرب
1000 جنيه بركة صلوات العذراء والأنبا ميخائيل بأسيوط
2000جنيه من يدك وأعطيناك
1000 جنيه طالب شفاعة مارمينا والبابا كيرلس
2000 جنيه فاعل خير
200 جنيه منك وإليك يارب
1000جنيه من يدك وأعطيناك
300 جنيه طالبين شفاعة السيدة العذراء مريم
5000 جنيه طالبة شفاعة رئيس الملائكة ميخائيل بأسيوط
5018 جنيها من يدك وأعطيناك بأسيوط
300 جنيه طالبة صلوات الأنبا هيرمينا السائح بأسيوط
300 جنيه يوسف بأسيوط
500 جنيه طالبة العناية الإلهية بأسيوط
400 جنيه طالبة صلوات الأنبا هيرمينا السائح بأسيوط
200 جنيه صديق من العريش
—————
26468 ستة وعشرون ألفا وأربعمائة وثمانية وستون جنيها لاغير
المحطة
لا أستطيع أن أنسي أبدا أول خطوة في أول رحلة لنا علي طريق الخير…ولا أستطيع أن أنسي أبدا أول إطلالة عليكم من تحت مظلة المحطة…كان ذلك في الأول من نوفمبر 1987…..أكثر من ثلاثين عاما ونحن معا نزرع ونحصد في حقل الخير ونقطع الرحلات واحدة بعد الأخري لشفاء مريض وراحة متألم فصار لنا أصدقاء بلا حصر…بعضهم مضوا شاكرين بعد أن سكتت آلامهم…وبعضهم مازال معنا فآلامهم بلا نهاية…ومن هنا فرحلاتنا معهم مستمرة…من هؤلاء صديقنا ماهر جرجس…واحد من أقدم أصدقائنا الذين انضموا إلي حقل الخير منذ 17 عاما.
مأساة القلب…وتوابع 17 سنة علاج
**هذا الأسبوع كنا في رحلة جديدة مع الصديقماهر بعد أن اتصل بنا شاكيا من ضيق شديد في التنفس.. لم يكن الأمر مفاجأة لنا مع أن الاتصال جاء بعد أيام معدودة من زيارة زوجته لنا لصرف العلاج الشهري المقرر له لضبط نسبة السكر في الدم,وترشيد الكوليسترول والحفاظ علي سيولة الدم في كل شرايين الجسم..لم يكن الأمر مفاجأة لنا لأن مثل هذه الحالات يصعب السيطرة علي تطوراتها مهما أخذنا من الاحتياطات وقدمنا قائمة طويلة من العلاجات…مرات كثيرة خلال صداقتنا الطويلة الممتدة لسبعة عشر عاما نفاجأ بتطور جديد ونضع أيدينا علي قلوبنا,ونرفع أيدينا إلي السماء ويستجيب الرب ويكتب له النجاة.
**في بداية صداقتنا عرفناه مريض قلب,وخلال رحلاتنا اكتشفنا أنه يعاني من ضيق في الشرايين..ورحلة وراء رحلة عرفنا أن سبب ضيق الشرايين هو اختلال نسبة السكر في الدم…فازدوجت رحلاتنا معه ما بين عيادات القلب وعيادات السكر…ولما لم تنجح كل العلاجات أمام القدر بترت ساقة إلي ما فوق الركبة…ومازالت رحلاتنا معه مستمرة.
**مشكلة صديقناماهر أو بتعبير أدقمأساته التي يحملها بشكر أنه مريض قلب…وعندما نقول مريض قلب فنحن نختصر تحت هذا المصطلح كل أمراض الأوعية الدموية من ضيق أو انسداد,و بعيدا عن كل ماقد يصاحب هذا من أزمة قلبية أو سكتة دماغية أو حتي اضطراب في نبض القلب,فأن من المؤشرات الخطيرة ضيق التنفس وما يصاحبه من شعور بالألم وبرودة في الأطراف قد تقود إلي ذبحة صدرية وهذا ما استوضحناه من اتصال الصديقماهر فأسرعنا به إلي طيب القلب النابغة المحب الدكتور أمير شوقي الأستاذ بمعهد القلب القومي.
**لم يكن صديقنا ماهر غريبا علي الدكتور أمير فهو بمحبته يتابع حالاته منذ سنوات ويعرف كل تطوراتها وآخرها انسداد شرايين الساق إلي أدت إلي بترها.. دخلنا علي الدكتور أمير والصديقماهر يشكو من نهجان وضيق في التنفس…وكما كانت استغاثة ماهر ليست مفاجأة لنا كانت زيارتنا للدكتور أمير ليست مفاجأة وقد عبر عن هذا بتشخيصه للحالة قال:
**شرايين الجسم كلها فكرة واحدة فكما كان انسداد شرايين الساق التي أدت إلي بترها فأننا الآن أمام انسداد في الشريان الأورطي الذي يغذي عضلة القلب,وبالتالي تأثرت عضلة القلب, وعندما تضعف هذه العضلة يضعف ضخ الدم فيضعف صرف المياه خارج الجسم,وقد تركزت الآن علي الرئة فسببت له كل هذا.
**جاء تشخيص الدكتور أمير بعد الكشف الإكلينيكي وعمل رسم قلب وموجات فوق صوتية وعلي ضوء النتائج قرر له علاجا لمدة عشرة أيام يعاود بعدها مناظرته لاحتمال عمل قسطرة.
**بعد العلاج عاودنا والصديقماهر زيارة الدكتور أمير,وبالفحص وبإعادة عمل رسم القلب والموجات الصوتية كانت كل الأمور قد تحسنت واستقرت وتقرر الاستمرار في العلاج…ومازالت رحلتنا مع الصديقماهر مستمرة.