يومان في هذا العام – 2018 – الفاصل بينهما 87 يوما.. اقتربنا من ثلاثة شهور لم نلتق فيها علي الورق.. وليس من قبيل التكرار ولكنه من قبيل التأكيد أن أذكركم بما قلته لكم في لقائنا السابق – 18 مارس 2018 – أذكركم أني قلت يومها أننا أحيانا ما ننشغل عن أصدقائنا المرضي ونلهث وراء إنقاذهم ونعطي كل الوقت والجهد لدراسة عشرات الحالات التي تطرق الباب بحثا عن الشفاء ولانستطيع أن نغفل عنهم لحظة واحدة فتمضي بنا الأيام ونحن نطوف بهم علي المستشفيات ونصطحبهم إلي عيادات الأطباء ومراكز العلاج حتي نسكن آلامهم ونعيد لهم الراحة.
قلت لكم هذا في لقائنا الأخير وأكرره اليوم في لقائنا المتجدد ولكن أضيف أنه مع حديثي إليكم اليوم قصة صديقنا روماني وجيه-مركز جرجا محافظة سوهاج-الذي ظلنا نتابع لعدة أيام تجاوزت الأسبوع إصابته ونعد لاستقباله ونرتب مع الطبيب الجراح لإنقاذ قدميه التي فقد القدرة علي الوقوف عليها وهو في الأربعينات من عمره إلي أن رتب الرب يوم السبت واحد مايو الماضي لعملية تغيير مفصل الفخد الأيمن ومازلنا نواصل رعايته خلال فترة إقامته ضيفا علينا بالقاهرة لخمسة عشر يوما حتي يمكن له العودة سالما إلي بلدته لنبدأ من جديد الاستعداد لجراحة أخري في رحلة اليسري.
وليسروماني الصديق الوحيد الذي انشغلنا معه طوال الشهور الماضية.
في لقائنا اليوم سأحدثكم أيضا عن الصديق ماهر جرجس الذي ترجع بداية رحلتنا معه إلي مايو 2001 ومازلنا مستمرين معه لأكثر من 17 سنة في رحلات علاج متواصلة كان آخرها الشهر الماضي عندما تسللت المياه إلي صدره وفقد القدرة علي التنفس وهو موضوع حديث اليوم.. لم يشغلنا طوال الشهور الثلاثة الماضية, صديقنا الجديد روماني, ولا صديقنا القديم ماهر.. نحن معنا قائمة طويلة من أصدقائنا أصحاب الأمراض المزمنة – الروماتويد, القلب, السكر, الأعصاب, نقص النمو – نتابع عرضهم علي الأطباء كل شهر أو كل ثلاثة شهور علي الأكثر كل حسب حالته,وتجري لهم التحاليل والاشاعات قبل كل عرض,ونصرف لهم علاجا شهريا.. وهناك أيضا أصحاب الحالات المؤلمة التي وصلتنا استفائتهم ونعد لإنقاذهم.. هناك الصديق الشابوليدالذي سيضطر الأطباء إلي استئصال إحدي كليته وجوزيف القادم من أسيوط بعد أن سدت حصوة الحالب الأيمن وتجمعت خمس حصوات في كليته اليسري.. عن صديقنا وليد وجوزيف سأحدثكم في لقاء قريب بعد أن يسبغ الرب معونته معنا ونصل بهم إلي أعتاب الشفاء.
عفوا إن كنت أطلت فنحن نسعد بالتواصل وبشفافية مع كل الأصدقاء -أصدقائنا المرضي وأصدقائنا صناع الخير – ولم أقصد أبدا من حديثي الذي طال أن ألتمس العذر لطول غيابنا, فقط أردت أن أضع النقاط فوق الحروف وأؤكد أننا وإن كنا قد غبنا في التواصل علي الورق فإننا لم ولن نغيب عن أصدقائنا المرضي والمتألمين يوما واحدا ولا حتي لحظة من لحظات الزمن.. نواصل رحلاتنا معهم إلي أن نرسم بسمة فوق شفاههم وتعيد الراحة إلي أبدانهم,والطمأنينة إلي ذويهم.
***
أما عن أصدقائناصناع الخير فلا أعرف كيف أعتذر لهم عن طول غيابنا وهذا هو أكثر ما يؤلمني,لأن من حق أصدقائنا صناع الخير أن يطمئنوا أن عطاياهم وصلت,والأكثر أن يعرفوا لمن ذهبت.. وهم معذورون عندما نحتجب لأسابيع قد تمتد لشهور, فقائمة صندوق الخير تغيب مع غياب لقائنا المتجدد تحت مظلة المحطة.
حقيقي أننا ننشر كل ما تجمع لدينا من عطايا صناع الخير في قائمة واحدة عندما تتاح لنا الفرصة ونعاود الظهور علي الورق ولو بعد طول غياب,فالقائمة المنشورة إلي جانب حديثي هذا تحمل ماقدمه أصدقاؤنا صناع الخير منذ آخر إطلالة عليكم في 18 مارس 2018 وحتي اليوم 3 يونيو 2018 وقد بلغ إجماليها مايقرب من 44 ألف جنيه قدمها 31 صديقا وصديقة…ونحن نفرح بأية عطية تأتينا كفرح السيد المسيح بالأرملة الفقيرة التي قدمت فلسين من أعوازها.. فلولا عطايا الأصدقاء التي هي من عطايا الرب لهم,ما كانت خدمتنا وما سكتت آلام إخوتنا الأصاغر الذين نعيش كل يوم متاعبهم ونسمع صرخاتهم ونسعي لإنقاذهم.
***الآن أصارحكم-يا كل الأصدقاء-إن قائمةصندوق الخير للشهور الثلاثة الأخيرة…صدمتني…فتكاليف علاج صديقناروماني الذي أحدثكم عنه اليوم اقتربت من خمسين ألف جنيه,فماذا عن باقي الأصدقاء…أخشي أن يكون احتجاب العطايا لاحتجاب الحديث المتواصل عن عملنا في جعل الخير.. إننا علي ثقة أن ينابيع نهر الخير لن تجف أبدا,وأنها ستفيض سواء ظللنا نتحدث عن عملنا مع المرضي والمتألمين ليل نهار أو حمتنا لأيام أو لشهور.. أننا نثق أن البر آت بعطاياه لنواصل رحلاتنا…ونحن في انتظاره.
المحطة
لا أستطيع أن أنسي أبدا أول خطورة في أول رحلة لنا علي طريق الخير…ولا أستطيع أن أنسي أبدا أول إطلالة عليكم من تحت مظلة المحطة…كان ذلك في الأول من نوفمبر 1987…..أكثر من ثلاثين عاما ونحن معا نزرع ونحصد في حقل الخير ونقطع الرحلات واحدة بعد الأخري لشفاء مريض وراحة متألم فصار لنا أصدقاء بلا حصر…بعضهم مضوا شاكرين بعد أن سكتت آلامهم…وبعضهم مازال معنا فآلامهم بلا نهاية…ومن هنا فرحلاتنا معهم مستمرة…من هؤلاء صديقنا ماهر جرجس…واحد من أقدم أصدقائنا الذين انضموا إلي حقل الخير منذ 17 عاما.
مأساة القلب…وتوابع 17 سنة علاج
**هذا الأسبوع كنا في رحلة جديدة مع الصديقماهر بعد أن اتصل بنا شاكيا من ضيق شديد في التنفس لم يكن الأمر مفاجأة لنا مع أن الاتصال جاء بعد أيام معدودة من زيارة زوجته لنا لصرف العلاج الشهري المقرر له لضبط نسبة السكر في الدم,وترشيد الكوليسترول والحفاظ علي سيولة الدم في كل شرايين الجسم..لم يكن الأمر مفاجأة لنا لأن مثل هذه الحالات يصعب السيطرة علي تطوراتها مهما أخذنا من الاحتياطات وقدمنا قائمة طويلة من العلاجات…مرات كثيرة خلال صداقتنا الطويلة الممتدة لسبعة عشر عاما نفاجأ بتطور جديد ونضع أيدينا علي قلوبنا,ونرفع الأكف إلي السماء ويستجيب الرب ويكتب له النجاة.
**في بداية صداقتنا عرفناه مريض قلب,وخلال رحلاتنا اكتشفنا أنه يعاني من ضيق في الشرايين..ورحلة وراء رحلة اكتشفنا أن سبب ضيق الشرايين هو اختلال نسبة السكر في الدم…فازدوجت رحلاتنا معه ما بين عيادات القلب وعيادات السكر…ولما لم تنجح كل العلاجات أمام القدر بترت بساقة إلي ما فوق الركبة…ومازالت رحلاتنا معه مستمرة.
**مشكلة صديقناماهر أو بتعبير أدقمأساته التي يحملها بشكر أنه مريض قلب…وعندما نقول مريض قلب فنحن نحتصر تحت هذا المصطلح كل أمراض الأوعية الدموية من ضيق أو انسداد,و بعيدا عن كل ماقد يصاحب هذا من أزمة قلبية أو سكتة دماغية أو حتي اضطراب في نبض القلب,فأن من المؤشرات الخطيرة ضيق التنفس وما يصاحبه من شعور بالألم وبرودة في الأطراف قد تقود إلي ذبحة صدرية وهذا ما استوضحناه من اتصال الصديقماهر فأسرعنا به إلي طيب القلب النابغة المحب الدكتور أمير شوقي الأستاذ بمعهد القلب القومي.
**لم يكن صديقنا ماهر غريبا علي الدكتور أمير فهو بمحبته يتابع حالاته منذ سنوات ويعرف كل تطوراتها وآخرها انسداد شرايين الساق إلي أدت إلي بترها دخلنا علي الدكتور أمير والصديقماهر يشكو من نهجان وضيق في التنفس…وكما كانت استغاثة ماهر ليست مفاجأة لنا كانت زيارتنا للدكتور أمير ليست مفاجأة وقد عبر عن هذا بتشخيصه للحالة قال:
**شرايين الجسم كلها فكرة واحدة فكلما كان انسداد شرايين الساق التي أدت إلي بترها فأننا الآن أمام انسداد في الشريان الأورطي الذي يغذي عضلة القلب,وبالتالي تأثرت عضلة القلب, وعندما تضعف عضلة القلب يضعف ضخ الدم فيضعف صرف المياه خارج الجسم,وقد تركزت الآن علي الرئة فسببت له كل هذا.
**جاء تشخيص الدكتور أمير بعد الكشف الإكلينيكي وعمل رسم قلب وموجات فوق صوتية وعلي ضوء النتائج قرر له علاجا لمدة عشرة أيام يعاود بعدها مناظرته لاحتمال عمل قسطرة.
**هذا العلاج عاودنا والصديقماهر زيارة الدكتور أمير,وبالفحص وبإعادة عمل رسم القلب والموجات الصوتية كانت كل الأمور قد تحسنت واستقرت وتقرر الاستمرار في العلاج…ومازالت رحلتنا مع الصديقماهر مستمرة.