تكلمنا فى المقال السابق عن الصمت كفضيلة فبالحق ما احوجنا هذه الايام إلى الصمت المقدس، نأخذ اجازة من صخب الحياة تتجدد فيها بواعث القوة “بالرجوع و السكون تخلصون بالهدوء و الطمأنينة تكون قوتكم” (اش ١٥:٣٠ ) يصمت فيه الانسان بتعقل فيجني أعظم الثمر، كما قال عنه الحكيم “هدوء اللسان شجرة حياة” (أم 4:15) .
ولكن هل بالضرورة ان يكون كل صمت مقدسا؟ ، هل يمكن أن يعتبر الصمت أحيانا رذيلة ؟
نعم هناك صمت مذموم مكروه، و إلا فما رأيك فى صمت وراءه قلب خبيث مكير؟ فى سكوته يدبر مصيبة بحذر و حرص شديد، يحاول ان يتكتم الامور حتى تكون النكاية أشد و المفاجأة اكبر و المقاومة أقل -وليحمنا الله- مثال لهذا مؤامرة يهوذا الخائن مع رؤساء الكهنة على الرب يسوع دبروا فى الظلام فى صمت حتى جاءتهم الفرصة فضربوا ضربتهم كما تلدغ الحية.
نوع آخر من الصمت المرذول وراءه قلب جبان متخاذل يصمت فى حال ما أشد الحاجة فيه إلى كلمة حق ربما تبرئ ساحة مظلوم او ترفع الأذى عن مقهور ، هكذا رغم خوف استير الشديد من بطش احشويرش لكنها تشجعت بالرب و تقوت بصوم و صلوات الشعب لأجلها و تكلمت مع الملك و لم تصمت فى وقت عز فيه خوف الرب . إنه لأمر مؤلم ان يجبن الإنسان فى المواقف التى يكون فيها الصمت دينونة عليه و ينسى أن الرب الذى علمنا أنه بكلامك تدان علمنا أيضاً أنه بكلامك تتبرر.
خطية ان نصمت حينما يكون الكلام مطلوبا “فمن يعرف ان يعمل حسنا و لا يعمل فذلك خطية له” (يع 17:4) . كلنا نعرف قصة العفيفة سوسنة و كيف كانت كلمات الرجل المحبوب دانيال هى طوق النجاة لحياتها، لكن لاحظوا أن تطويبنا لدانيالهو فى حد ذاته وخز لكل متخاذل يعيش بخوف يهين الله الذى دعينا باسمه. لقد امسك رؤساء الكهنة بطرس و يوحنا و هددوهما و اوصوهما أن لا ينطقا ابدا و لا يعلما بإسم يسوع فقالا فى غير تردد “نحن لا يمكننا ان لا نتكلم بما رأينا و سمعنا” (أع 20:4) .
و الشجاعة فى الكلام ليست هى نوع من الاندفاع و التهور لكنها حكمة تحتاج الى إرشاد الروح القدس، متى اصمت و متى أتكلم،، كيف، و بما أتكلم “لأن الروح القدس يعلمكم فى تلك الساعة ما يجب ان تقولوه” (لو ١٢:١٢ ) لو أصبحنا على إستعداد أن ننفذ أوامر الله لنا فى صمتنا كما فى كلامنا أيضا دون خوف، فساعتها سيصبح اللسان قيثارة سلمناها للروح القدس فيعزف عليها ما بين الصمت والكلام اعذب الألحان.