انطلقت النساء السعوديات هذا الأسبوع على طرقاتها معلنين تحررهم وانطلاقهم، فقد سمح لهم بقيادة السيارة في خطوة تعتبر البداية في طريق الألف ميل الذي عليهن النضال فيه لتصل إلى حلم المساواة، هذا الموضوع ذكرني بالمرأة المصرية العصرية التي انطلقت فى بدايات القرن العشرين أي منذ ما يقارب المائة وعشرون عاما لتسطر أروع الأمثلة لبنات مصر التاريخ مصر الحضارة، لبنات إيزيس العظيمات وفى هذا الموضوع نلقى الضوء عن أوائل من عرفوا قيادة الطائرات والسيارات في مصر أوائل القرن العشرين.
لطيفة النادى
لا يزال العالم يذكر رائدة ومعلمة الطيران المصرية لطفية النادي التي كانت في العشرينات من عمرها حين قررت خوض تجربة غير مسبوقة في مصر والعالم العربي لتعلم الطيران وذهبت لمقابلة كمال باشا علوي مدير عام «مصر للطيران» في فترة الثلاثينات وعرضت عليه العمل في وظيفة إدارية حتى تتمكن من سداد مصروفات تعلم الطيران كأول فتاة مصرية وعربية وأفريقية وثاني امرأة في العالم تحمل لقب كابتن طيار بحصولها على رخصة طيران رسمية.
وقد حصلت لطفية النادي على شهادة طيار خاص حرف (أ) من مدرسة مصر للطيران بألماظة، وهي نفس الشهادة التي حصلت عليها الطيارة الإنجليزية الشهيرة إيمي جونسون التي أدهشت العالم حينما قامت برحلتها الشهيرة من لندن إلى مدينة الكاب برأس الرجاء الصالح وهي أيضا نفس الشهادة التي حصل عليها لندنبرج أحد أبطال الطيران في العصر الحديث وأول من قاد طائرة بمفرده وعبر بها المحيط الأطلنطي سنه 1927.
وقد قامت لطفية النادي بالطيران منفردة في سماء القاهرة في أكتوبر 1933 وهي لم تتجاوز السادسة والعشرين ربيعا من عمرها.
وكان للرائدة العظيمة هدى شعراوي دور في مساندة كابتن لطفية النادي بإطلاق مشروع اكتتاب عام لشراء طائرة خاصة لها لتطوف العالم كسفيرة لمصر وواجهة مشرفة لها، الأمر الذي شجع العديد من الفتيات المصريات على خوض التجربة وكان من أبرزهن بلانش فتوش، نفيسة الغمراوى، زهرة رجب، وليلى وعايدة تكلا ولندا أمين مسعود.
ليندا مسعود
جاءت القفزة الكبرى عام 1945 عندما حصلت ليندا أمين مسعود على إجازة معلم طيران وهي درجة متقدمة يتم الحصول عليها بعد الحصول على إجازة الطيران الخاص ثم الطيران التجاري (التي تؤهل لقيادة طائرات الركاب). وتحكى كابتن ليندا قصتها مع الطيران فتقول: “كانت بداية حبي للطيران من خلال عمل والدي في السودان بالقرب من أحد المطارات التي كان لا يتوقف صوتها، وفى سن الثامنة ركبت الطائرة أول مرة في حياتي وأحببتها جدا، وعندما وصلت إلى سن السابعة عشر فكرت في تعلم الطيران، ولم أجد أي اعتراض من الأسرة رغم ضخامة المصروفات المطلوبة، واستطعت أن أوفق بين دراستي الثانوية في مدرسة الأميرة (فوقية) ودراستي في معهد الطيران.
واستطاعت ليندا الحصول على إجازة الطيران الخاص في 10 ساعات فقط، ثم حصلت على درجة الطيران التجاري بعد 200 ساعة طيران، وبسبب معارضة أسرتها لاحتراف العمل على الخطوط الجوية والاضطرار – بالتالي – للمبيت خارج المنزل، قررت ليندا استكمال دراستها للحصول على لقب معلم طيران حيث أصبحت الأولى في الشرق الأوسط التي تحصل عليه، كما كانت أول معلمة على جهاز (السيميليتور) الذي يشبه الطائرة تماما ويستخدم لتدريب الطلاب على ظروف الطيران المختلفة.
وتقول ليندا مسعود ضاحكة: “عندما حصلت على لقب معلم طيران لم يكن عمري يتجاوز الثامنة عشرة، ووصفتني الصحف الفرنسية بأنني أصغر طيارة في العالم، ومن المفارقات أننى لم أكن أجيد وقتها قيادة السيارات حيث كان القانون يشترط ألا يحصل على رخصة السيارة من هم أقل من سن 18 سنة”.
وتابعت: “وفى بداية عملي كمعلمة طيران قوبلت بسخرية من الطلاب وعدم تصديق منهم، مما جعلني أكثر حزما في معاملتهم ولا أنسى أنى كنت أعلم الطيران لمهندسين يكبرونني بعدة سنوات، وقد عنفت أحدهم بشدة لأنه لم يلتزم بما طلبته منه، ورغم ذلك فقد كان يؤلمني كثيرا ألا يتمكن تلميذ لي من إكمال دراسته بسبب عدم كفاءته لدرجة أن أحدهم كاد أن يحطم الطائرة، ومع ذلك شعرت بحرج وألم لا حدود له وأنا أواجه والده بأن ابنه الذي دفع له مصروفات باهظة لا يصلح أن يكون طيارا على الإطلاق”. وقد ساهمت ليندا مسعود في تخريج جيل جديد من الطيارات المصريات يضم عائشة عبد المقصود وعزيزة محرم التي أصبحت أيضا معلمة طيران والسورية زينب القوتلى وثريا جودت وعايدة تكلا، وكرمت بسبب دورها في تخريج جيل كامل من الطيارين حيث منحها الرئيس مبارك وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى. وتبتسم كابتن ليندا وهي تؤكد أن تعليم الفتيات الطيران أسهل كثيرا من تعليم الأولاد، لأنهن أكثر التزاما وانضباطا وهي تقدم دعوة مفتوحة لكل فتاة لتعلم الطيران مجانا في معهد الطيران (الشراعي) بأمبابة قبل انتقاله إلى مدينة أكتوبر.
وللسيارات أيضا أوائل في القيادة
عباسية فرغلي
اشتهرت بعشقها للسيارات وسمحت لها ظروفها العائلية الميسورة الحال بتعلم القيادة لتجد بها متعتها الخاصة وسط زميلاتها اللاتي اعتادت على التميز وسطهن في مجتمع عرف حرية المرأة رغم ما يبدو عليه من جمود ظاهري، لتكون الفتاة لديهم ملكة متوجة عليها أن تحلم وأحلامها مجابة، إنها عباسية أحمد فرغلي الفتاة الصعيدية، وأول سيدة مصرية تحصل على رخصة قيادة السيارة منذ ما يزيد عن 97 عاماً من الآن.
نشأت في مجتمع محافظ للغاية بمدينة أبو تيج في الصعيد المصري، الشهير بقبضته الحديدية على المرأة وخضوعها لذكور عائلتها، ليثبت الواقع عكس النظرية، فالمرأة الصعيدية منذ قديم الأزل كانت واحدة من أقوى النساء وسط بنات جيلها ويحسب لرغباتها ألف حساب، وخير دليل على هذا، عباسية فرغلي، الفتاة الصعيدية التي تعلمت بكبرى المدارس الأجنبية، وعاشت بالإسكندرية لتكمل دراستها بكل حرية في الدول الأوروبية وفى مقدمتها فرنسا وإنجلترا.
كل السطور الماضية قد تنطبق على أكثر من فتاة صعيدية تنتمي لجذور عائلية ميسورة الحال، أما عباسية فكانت مميزة بكل ما تحمله الكلمة من معنى وساعدها على ذلك والدها وشقيقها الباشا المتفتح العقلية لدرجة أنه ساعدها على الحصول على رخصة قيادة السيارات في وقت كان صوت المرأة به عورة، وأقصى طموحات بنات الطبقة الميسورة الحال منها حضور دروس الرقص والإتيكيت ليكتفين بكونهن فتيات مدللات، أما عباسية فانتصرت لحلمها بأن أصبحت أول سيدة مصرية تحصل على رخصة قيادة السيارات.
دأت قصة عباسية بمدينة أبو تيج بصعيد مصر، حين كانت طفلة تنبهر برؤية سيارة والدها وهى تجرى بسلاسة وسط الحقول الخضراء والترعة الممتدة في شكل سينمائي بديع لتصبح نسمات الهواء من شباك العربة تثير نشوتها، لتتلألأ أحلامها وهى تجرى بالسيارة بكامل حريتها وتبرز يومًا بعد يوم أمام عينها لتكبر ويكبر حلمها معها، وساعدها على ذلك شقيقها الأكبر محمد أحمد فرغلي والشهير بملك القطن، حيث كان يمتلك أكبر شركات القطن في مصر، حيث علمها القيادة وكانت تتسابق معه لتقرر أن تخرج من نطاق الصعيد وتقود بحرية في كل مكان بمستوى الجمهورية.