جاستين الطفل الذي كتبنا عنه الأسبوع الماضي، لنساهم في راحة والديه، جاستين القعيد صاحب الست سنوات هي كل عمره، جاستين الذي اصطحبه والداه طوال تلك السنوات في المستشفيات، وقضي عمره الصغير في معامل التحاليل، وبين الأطباء، جاستين الذي ورث العذاب بسبب جهل ذويه، وإصرارهم علي الإنجاب رغم وجود أزمة مرضية وراثية تفتك بالأجنة فيستقبلون الحياة في الحضانات، ثم يموتون، جاستين الذي كان مصيره الحياة ولكن بكل ما يتصوره المرء من إعاقات جسديه ذلك الطفل الذي زارنا والده منذ شهور حتى نساعد ه في إيجاد حل لولده، كان يشعر بالذنب لأنه سبب وجود جاستين في الحياة ذلك الرجل الذي عاش معذبا بولده مات في الأسبوع الماضي نعم رحل عادل والد جاستين عن الحياة التي لم يذق فيها إلا طعم العذاب، حل عادل العامل الأرزقي الذي لم يكمل عمره38 سنة، رحل دون مقدمات، ولا مرض، ولا حادث، رحل وكأن اشتهيى الرحيل ليستريح من شعوره بالذنب تجاه ابنه إذ لم يكن قادرا على إهماله ولم يكن قادرا على تخفيف آلامه.
كانت المفاجأة عقب نشر الموضوع حينما اتصل بي زميلي الذي كان همزة الوصل بين باب افتح قلبك وبين عادل وأبلغني خبر وفاة عادل حتى استبعد موضوع جاستين من النشر ظنا منه أن رحيل الوالد يمنعنا من استكمال مسيرة المساعدة للأسرة للوهلة الأولى ظنت أن من رحل هو الطفل جاستين فكررت الجملة على مسامعه تقصد أن جاستين مات؟وعايزيي ألغي الموضوع قلب ما يدخل الطباعة؟ فكرر كلامه لي قائلا: إللي مات أبو جاستين يعني الراجل السليم إللي يجري بالوالد وإللي ماكملش أربعين سنة مات والولد المعاق اللي فيه أمراض الدنيا استني يتعذب.
عقدت الصدمة لساني أنهيت المكالمة وأنا أعاتب الله لماذا يارب؟ لماذا تسمح بالعذاب لسنوات طويلة ثم تسمح برحيل الأصحاب وتبقي على المرضى يتألمون ويتألم بوجودهم من يحبونهم؟ لماذا الأب الذي يتحمل مسئولية الأسرة بأكملها في هذه السن الصغيرة؟ لماذا المفاجآت التي تقصم ظهور الجبال تحت نير الفراق، والهم وحمل ولد معاق، وولد آخر عمره 8سنوات يحتاج للرعاية؟ تساؤلات تحمل المحاججة التي ذكرها الكتاب المقدس، ولا تحمل الاعتراض على مشيئة الله.
في مواعيد استيرداد وديعته من أرواحنا تساؤلات تدور في أذهان الجميع فلسنا مجدفين ولسنا قديسين أيضا لكننا نحاجج الله.
ظللت أتسال وأتساءل لكنني لم أصل لنتيجة ولا إجابة شافية، سوى أن الأحزان تمضي مثلها مثل الأفراح تماما، وأحمال الجبال من الآلام تمضي المرض ومذلة السؤال وانكسار النفس وصدمات الأعزاء والإحباء والأبناء، جميعها تمضي، ويبقي فقط الإيمان، بأن الحياة كأس امتزجت فيها الأحزان والبهجة المتعة والعذاب اللذة والألم كأس تتجرعها كاملة، لايمكن أن نفصل فيها الأنصبة عن بعضها البعض لأنها مزيج غير منفصل لكل منا كأس تحمل ذلك الـكوكتيل ولا أحد يفر منها أبدا ربما يكون ذلك التحليل واقعيا ربما يكون فلسفيا ربما وربما وربما، لكن المؤكد أن في حياة كل منا إشارة واضحة تأتيه في وقت محدد إشارة ملكية، رسلها الله عبر تجربة، أو ضيق، أو فرصة، أو احتياج، أو ظهور شخص يطلب العون، أو مشاعر مضطربة تقود الإنسان لليقين الذي يبحث عنه في فترات الشك والضعف واهتزاز الإيمان، إشارة ملكية تجذبنا من عالم الأنانية، والذات، وتشدنا نحو الآخر وهمومه، وخبراته التي تتضاءل أمامها أوجاعنا ومشاكلنا، إشارة ملكية، في الحياة بضيقاتها في الموت بصدمته، في العوز بقهره، في الوحدة والغربة، وانعدام الحيلة والشعور بالظلم إشارة ملكية ترد من أعلى نقطة في الكون من رب السموات، من الملك من مدبر حياتنا التي نحتار كلما تأملنا في احداثها، لكننا سريعا ما نفيق على الإشارة الملكية ونسترد توازنا فقدناه بفعل الوجع، والخوف من المجهول إشارة ملكية من المؤكد أننا سنجدها يوما في موت عادل والد جاستين ربما لم يأت هذا اليوم بعد لكن من المؤكد أننا بمزيد من الإيمان والصبر سنجدها.
ربما استراح عادل من عذاب الاحساس بالذنب ربما إراد الله أن يرفع عنه وجعه ويرحم قلبه الذي تمزق سنوات بفعل عذابات ولده، ربما وربما، لابد أن نكف عن البحث حول الأسباب ونتجه للواقع بكل ما يتطلبه من حمل المسئوليات ونواجه نتائج المفاجأة التي جمدتنا لمدة أسبوع أو أكثر أمام حالة نعلم جيدا أنها صارت أكثر احتياجا لنا من قبل أشعر أنني أتساءل وأجيب، من فعل الصدمة، أنا البعيدة عن الأسرة فكيف يكون حال زوجته؟وأسرته؟الله قادر أن يمنحهم الصبر ويرسل لهم إشارة الملك التي تمنحهم القدرة على الاستمرار في عالم لايعرف سوى لغة المال إشارة تساعدهم على المعيشة بعد الإفاقة من الأحزان، فالبطون لاتعرف الأحزان لذلك لابد أن نتذكر بعض التفاصيل التي نشرناها العدد السابق حتى نعلم سويا حجم الكارثة.
عادل والد جاستين كان يعمل عامل محارة باليومية، تزوج من ابنة عمه حينما كان عمره25سنة أنجبا بعد تسعة أشهر ابنة لكن للأسف كانت تعاني من نقص في الأوكسجين وماتت بعد ثلاثة أشهر من ولادتها بعدها بفترة قصيرة وتكررت المآساة حينما أنجبا ولدا عاش لمدة ثلاثة أشهر في الحضانة ثم مات لم يخبرهم الأطباء حينها أن السبب وراثي بسب صلة القرابة التي تربطهما فقررا الإنجاب مرة ثالثة وأنجبا طفلا سليما معافي لكم ماذا تقول في غريزة البقاء عبر عزوة وأبناء فالوالد والوالده قررا أن يجربا مرة رابعة وكانت نتيجها جاستين الذي جاء للحياة معذبا مازالت كلمات عادل والد جاستين التي نشرناها الأسبوع الماضي ترن في أذني حينما قال:
جاستين جه شايل عذاب الدنيا كله باشوفه قدامي باتقطع لا مات زي إخواته إللي ماتوا، ولا عاش سليم زي أخوه الكبير، ولا أحنا قادرين نساعده ولاقادرين نتحمل نشوفه بيتعذب قدامنا لو كانوا الدكاترة فهمونا أنها أمراض وراثية كنا وقفنا خلفة ماكناش جبنا إنسان للدنيا يتعذب ونتعذب بيه جاستين وهو جنين بدأ رحلة العذاب كان في الشهر الرابع في بطن أمه حجم رأسه أكبر من الطبيعي والحجم ظهر في الإشعات، ثلاثية الأبعاد، بالإضافة لأنه ماكانش بيتحرك حركة طبيعية زي بقية الأجنة في بطون أمهاتهم بعد الشهر الثالث، ولما اتولد كان على طول ثابت مش زي بقية الرضع، ولابيفرك ولابيتحرك وبعد ما كان بيرضع طبيعي ظهرت عليه حساسية الألبان والدكتور منعه من الرضاعة واستخدمنا بديل اللبن لكن الولد كانت صحته في النازل.
لفينا على المستشفيات وقايمة طويلة من الأمراض إللي ما كناش مصدقين إنها ممكن تكون عند رضيع ودارت دائرة العذاب كل يوم وكل شهر وكل سنة بظهر مرض جديد والقديم مش بيخف ولا بيتعالج ضاعت الراحة وماتت الفرحة بالعزوة ما بين تضخم في الكبد والكلي واتنين فتق في البطن وخصية من الاثنين معلقة وعيب خلقي في العصب البصري، لايمكن بتحمل الإضاءة مع احمرار دائم في العين، ده غير تقوص في العمود الفقري ومع السنين إصابة ضمور في عضلات الساقين، والبطن، وانهيار في المناعة حرارته توصل أربعين فنضطر نوقف أدوية المخ والأعصاب إللي الدكتور أيمن أمين والدكتور سمير فكري كتبوها لنا في مستشفى أبو الريش للأطفال عنده حاليا ست سنين كل الدكاترة قالوا ممكن يتعالج بره مصر لكن مافيش حد ساعدني وقال لي إزاي ولا الحياة مكفية الدكاترة والحمل التقيل ولا الشغل زي ماهو.
ماقدرتش أكمل في شغلي أهملت الصنعة فاهملتني والناس بطلت تجيب لي شغل كنت بالف طول الوقت بجاستين على المستشفيات والدكاترة وأمه قاعدة بالوالد الكبير خايف الموت يخطفه في أي لحظة زي إخواته بعد ماعرفنا إن إللي يجري لعيالنا بسبب الوراثة وبدل ما نورث العزوة والعيلة ورثنا العذاب والغم أحساسي بالذنب قاتلني سبت الصنعة وفتحت محل أدوات منزلية ولما الديون اتراكمت علي بعت المحل والعربية، والبيت في المنيا. وجيت القاهرة أجرت شقة في المرج إيجارها 600 جنيه وبانزل كل أسبوع مرة مع أي صنايع أساعده بيوميتي كل حاجة راحت لكن جاستين موجود وأنا بادعي ربنا يشفيه علي أيد الأحباء إللي بيقروا باب افتح قلبك.
للأسف بعدما كانت الأزمة في تكلفة الإيجار وعلاج جاستين أصبحت الأزمة أكبر من ذلك بمراحل، فالزوجة لاتعمل والآن ترعي طفلين أحدهما معاق ولا مورد رزق وديون مبعثرة وحدة ومرض وهم ودين وشباب انتهى قبل أن يبدأ وأسرة انسخلت عن العائلة، ولايمكن أن تعود مرة أخرى فلا منزل ولا عمل ولا أحد يمكنه تحمل مسئولية الأصحاء فما بالنا بالمرضي.
أشفق على والدة جاستين من القادم المجهول فما زالت الأيام تخبئ لأسرتها هموما ثقيلة ربما نستطيع مساعدتها على تحملها بفضل كل من تقع عينيه على هذه السطور فيرسل الملك الإشارة الملكية إلى قلبه ليكون الوسيط بين السماء والأرض بعد موت والد جاستين لتنبت بذور المستقبل في ظل تعاطفه وتضاء شموع الأمل في طريق هذه الأسرة بعونه.
تواصلوا معنا عبر المحمول – 01224003151
تليفون أرضي بجريدة وطني 0223927201
البريد الالكتروني: [email protected]
البريد: مؤسسة وطني للطباعة والنشر – باب افتح قلبك ، 27 ش عبد الخالق ثروت، القاهرة