قمت بزيارة لثلاث من دول شرق وجنوب أفريقيا وهي: أثيوبيا وجنوب أفريقيا وكينيا على مدار قرابة ٣ أسابيع أو مايزيد قليلا خلال الفترة من ٢١ أبريل وحتى ١٣ مايو2018.
وقد جمعت الزيارة بين السياحة أو التنزه وكذلك لقاء السادة السفراء في هذه الدول الثلاث ومحادثتهم عن قرب، خاصة وإنني كنت عضوا سابقا في سفارتنا بأديس أبابا وعملت أو تعاملت بشكل مباشر مع العديد من السفراء في هذه الدول.
أيضا دخل في دائرة اهتمامي أثناء سفري متابعة أنشطة الكنيسة القبطية في أفريقيا بحكم الدراسة والرغبة في التعرف على المزيد من هذه الأنشطة. وكذا انخراطي في متابعة تلك الأنشطة من خلال وجودي مع زملائي وأساتذتي بمعهد الدراسات القبطية، وقسم الدراسات الأفريقية بالتحديد.
وحقيقى لأكون منصفا لفت نظري بشكل كبير الأنشطة الكنسية والاجتماعية والتنموية المتميزة التي تقوم بها الكنيسة القبطية أو البعثة القبطية في نيروبي.
فيوجد بحق صرح شامخ ومستشفى كبير ولديه ٢٣ عيادة خارجية وحوالي ٢٠٠ سرير و٣٠ طبيب مصري وحوالي ٤٠٠ من العاملين المحليين. وأنشطة خدمية أخرى تطول الأطفال والشباب خاصة البنات في مراحل سنية حرجة. وكذا الشيوخ والأرامل واليتامى وكل من يحتاج معونة أو خدمة روحية واجتماعية يجدها، بل يجد كذلك مراكز التريب المهني التي تعلم ابناء الشعب الكيني المهن المختلفة للكسب والعيش الحلال وليس فقط لطلب المساعدة.
وعلى المستوى الروحي، ازدادت أعداد الكنايس القبطية في أنحاء كينيا لتبلغ حوالي ٤٥ كنيسة تحمل معها ليس فقط الإيمان بل أيضا الرعاية والاهتمام والمتابعة لأبناء هذا الشعب، وفي أغلب ربوعه.
أيضا تتواجد الكنيسة المصرية الكبيرة في حي “بارك فيو”وهو أحد أرقى الأحياء بجوهانسبرج عاصمة جنوب أفريقيا وبكل انشطتها الروحية والاجتماعية، وحيث تمتد الرعاية ليس فقط للأقباط أو المنتمين للأرثوذكسية عموما ولكن للوطنيين الأفارقة الذين عادت لهم حريتهم وكرامتهم.
كما يظل الدير المصري العامر بجنوب أفريقيا .”دير القديس مامرقس والأنبا صمويل المعترف” وبكل توسعاته وأنشطته وحياته الديرية الزاهدة أكبر دليل على الدور والمكانة العظيمة التي تحظى بها الكنيسة المصرية. الكنيسة الوطنية في جنوب القارة.
ولاشك أن الفضل في ذلك يعود للأنبا أنطونيوس مرقس، أسقف الكنيسة القبطية في أفريقيا، ودوره الحالي في الجنوب بجانب دوره السابق في أثيوبيا منذ الستينيات وكينيا منذ السبعينيات قبل أن يستقر في الجنوب الأفريقي منذ التسعينييات.
كما يعود الفضل في إطار الدور الهام والحيوي للكنيسة القبطية المبذول في كينيا ومعها قرابة ٤ دول أفريقية أخرى في الشرق والغرب إلى الأنبا بولس اسقف الكرازة والعاملين الأمناء معه بداية من أبونا اليشع وكافة الخدام والخادمات والأطباء والمهندسين والمحاسبين وكافة التخصصات. والذين يعملون في منظومة متعاونة محبة لعمل الخير وتسعى لرفع اسهم الوطن والكنيسة عاليا.
وإذا كانت كل هذه الأنشطة والإنجازات قد تحققت في بلدين أفريقيين وفس غيرهما ولايتجاوز عمر الكنيسة القبطية بهما نصف قرن أو مايزيد قليلا، فعلاقة الكنيسة القبطية بجنوب أفريقيا ونيجيريا تعود إلى خمسينيات القرن الماضي وبالنسبة لكينيا تعود إلى العقد السابع من القرن الماضي أيضا، فماذا عن العود الرطب أثيوبيا التي تعود علاقتنا بها إلى القرن الرابع الميلادي، وماذا عن تواجد الكنيسة القبطية هناك والتي من المفروض أن تكون رأس الزاوية في علاقات مصر الكنسية مع القارة.
الحقيقة أن هذا البلد الكبير ذو الأهمية الخاصة والعلاقات الكنسية العريقة مع الكنيسة القبطية والتي وصفها سفيرنا الذكي والنشيط بأديس أبابا “السيد أبو بكر حفني” بأنها من أقوى مظاهر العلاقات بين البلدين..رغم ذلك, لايوجد أثر فعال ومؤثر هناك سوى الكنيسة القبطية الصغيرة الملحقة بكنيسة العذراء “بآرات كيلو” بأديس أبابا, رغم أن الكنيسة بالكامل ومبانيها بتصميم وإنشاء قبطي خالص. وبالإضافة لذلك يوجد مذبح قبطي بكنيسة الثالوث المقدس أيضا بالعاصمة الأثيوبية, لكن لا تقام فيه الصلوات إلا نادرا لأسباب عديدة, حقيقى تبذل ادارة الكنيسة بقيادة نيافة الأنبا/بيمن –المسؤول عن عمل الكنيسة باثيوبيا- والقمصانجليوس النقادي بمساعدة اثنين من الكهنة الأثيوبيين ولفيف من الشمامسة –تبذل كل جهد ممكن وأكثر من المتاح لتوصيل التعاليم القبطية الصحيحة بداية لأبناء الشعب الأثيوبي. وكذا لأبناء مدارس الأحد.. والعمل كذلك على ترجمة الصلوات والمردات إلى اللغة الأمهرية والقيام بالعديد من أعمال الترجمة الأخرى ونقل المزيد من التراث, وخلق جيل من الشباب الواعي والمثقف روحيا، بل وكذلك تصحيح العديد من المفاهيم المتشددة عن الإيمان والتي توارثها أبناء الشعب الأثيوبي. وكذا تقديم الخدمات الصحية والاجتماعية المتنوعة ومنها بالطبع عمل القوافل الطبية التابعة للكنيسة والدولة المصرية.
كل هذا جميل ومطلوب وله مردود لكن بلد بهذه الأهمية والمكانة وحجم العلاقات بين البلدين والكنيستين تحتاج لإنشاء كنيسة مصرية كبيرة تستوعب الأنشطة المطلوبة روحيا واجتماعيا.
تحتاج مدرسة مصرية كبرى تجند لها كل الكفاءات والقدرات، تحتاج مستشفى ضخم يضم كل التخصصات ويعمل لخدمة الشعب الأثيوبي المحتاج لهذه الرعاية والخدمة، بل والمزيد والمزيد، يجب أن تعود الأيادي المصرية البيضاء لتعمل لصالح هذا البلد الشقيق والهام جدا لنا..ليس فقط رسميا بل وايضا شعبيا وغير حكوميا حتى لو كلفنا ذلك أموالا طائلة …لكن تأثيره ورد فعله ستلمسه وتشعر به الأجيال القادمة.