منذ أن خلقني الله وألقاني كحصاة في بحيرة الدنيا، وهناك العديد من الأسئلة تدور في داخلي، لماذا لم يغفر الله خطية آدم؟ أليس من حق الله أن يغفر الخطايا؟ لماذا طرده من الجنة لنعيش نحن أحفاد آدم فترة على هذه الأرض ثم يعقبها الموت؟؟ أين العدل في أننا نحيا حياة مليئة بالألم ثم نموت بعدها؟ بل وأين العدل في تفاوت أعمار البشر بدون أي ذنب قد فعلوه، فالبعض منهم يموت في سن الطفولة، والبعض في سن الشباب، والبعض الآخَر في سن الشيخوخة؟؟ بل ما هو الغرض من وجودي في هذه الحياة؟ ووجدت بعض البشر يصرخون: آه منك أيها الإله المنتقم الجبار!! فنظرت إلى نفسي وحينها وجدت الإجابات كلها، لقد خلقني الله على صورته ومثاله فأنا نسمة من روح الله. فأدركت أنني لي بداية ولكن ليس لي نهاية، لأنه حاشا أن تفنى نسمة من روح الله.
لقد أخذت من الله صفة الخلود لأني نسمة من روحه وحياتي لن تنتهى بالموت بل سوف أنتقل إلى حياة جديدة ليس فيها ألم ولا دموع ولا حزن. ولكن لماذا الحزن والألم؟ ونظرت إلى نفسي مرة أخرى فوجدت أنني لو تنعمت في هذه الدنيا سوف أنسى الله وأترك حياة الفضيلة، وسوف يأكل البشر بعضهم البعض وتضيع حياتهم الأبدية. فلابد إذن من الألم لكي تتحرك المشاعر الراكدة. لابد أن أشعر أنني غريب .. فقلت لنفسي أن الألم هو بمثابة علاج ووقاية للنفس البشرية ضد الكثير من الأمراض الروحية مثل الكبرياء والقسوة والبعد عن الله. ولكن لماذا لم يغفر الله خطية آدم؟ فرجعت ثانيةً إلى نفسي أسالها: لماذا؟؟ فوجدت الإجابة؛ وهي أن غفران خطية آدم سوف يمنعه من التمادي في الخطأ، ولكن ستبقى هناك مشكلة قائمة وهي أن طبيعته قد فسدت، وغفران الخطية لن يصلح طبيعته الفاسدة، فقد تحولت طبيعة الإنسان من طبيعة غير قابلة للموت إلى أخرى قابلة للموت لأن الله قد سبق وأنذر آدم أبو البشرية قائلًا («مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلاً، وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ»)(تك٢: ١٦ ،١٧)، وهذا القانون الذي وضعه هو الله نفسه، وليس من الطبيعي أن يستخدم الله سلطته في كسر هذا القانون وإلا يكون الله في هذه الحالة يناقض نفسه .. حاشا.
لذلك أخذ الله هذه الطبيعة الفاسدة لكي يصلحها بنفسه، وتم خلقها مرة أخرى بالتجسد والصلب والقيامة. ولكن لماذا لم نعود إلى الجنة مرة أخرى طالما أن طبيعتنا البشرية قد تجددت؟؟ لماذا مازلنا موجودون على هذه الأرض حتى بعد صلب المسيح وقيامته؟؟ ورجعت إلى نفسي مرة أخرى أسألها: لماذا؟ فوجدت أنني في الجنة دون أن أدري. فقد كان آدم في الجنة يأكل ويشرب وأنا الآن آكل وأشرب أيضًا،وقد كانت هناك شجرة معرفة الخير والشر وهنا أيضًا توجد هذه الشجرة، فكل وصية أعطاها لنا الله هي بمثابة شجرة معرفة الخير والشر، وكانت هناك أيضًا شجرة الحياة وهي موجودة هنا أيضًا ..نعم .. فإن جسد الرب ودمه يمثل الآن شجرة الحياة فهو الذي يعطينا الحياة الأبدية. ولكن هناك شئ جديد، فقد تغير وضعي، فقد إتحد الله بطبيعتي البشرية، لذلك فما عاد يناسبني السُكْنَى بين الأشجار، فلابد أن أكون متواجد في الملكوت بين الملائكة .. نعم فأنا نسمة من روح الله سواء كنت في الجنة أو في الدنيا أو في الملكوت، سواء إنتقلت من هذه الحياة وأنا طفل أو شاب أو شيخ، إنها حالات مختلفة ولكن القاعدة واحدة وهي أنني نسمة من روح الله، وإن الموت ما هو إلا جسر لكي يعبر به الإنسان إلى الحياة الأبدية السعيدة مع الله، أما التوقيت الذي يعبر فيه الإنسان لا يهمنا.
فالله هو أصلي ولابد أن أعود إلى أصلي في يوم من الأيام. وكل الأحداث التي أمر بها هي مجرد وسيلة لكي أعود إلى أصلي الذي هو الله وأعيش في وطني الطبيعي الذي هو الملكوت، ولولا هذه الأحداث لكان هناك خطر على مصيري الأبدي، لذلك فإنني لابد أن أكون راضيًا عن كل ما يواجهني من أحداث سواء كانت حلوة أو مُرَّة.
أما بخصوص تفاوت أعمار البشر فهذا يرجع إلى حكمة يعلمها الله وحده، فلكل واحد منا طريقٌ خاص يراه الله مناسبًا له، فأحيانًا مثلًا يسمح الله أن ينتقل أحد الأشخاص وهو في سن الطفولة أو الشباب لأنه لو إستمر في هذه الحياة لكان هناك خطرًا على حياته الأبدية. وأحيانًا أخرى يسمح الله لأحد الأشخاص بأن تطول حياته لكي يعطيه فرصة للتوبة أو لكي يتمجد إسم الله من خلال هذا الشخص، فالله من محبته للبشر يعطيهم فرصًا لفعل الخير ويسمح لنا أن نعتني ونخدم شخص مسن سواء كان قريب لنا أو غريب عنا لكي نأخذ بركة. وفِي النهاية يجب أن نعترف بأن هناك تفاوت كبير جدًا بين فكر الله وفكر الإنسان وما أجمل الآية التي تقول (لأَنَّهُ كَمَا عَلَتِ السَّمَاوَاتُ عَنِ الأَرْضِ، هكَذَا عَلَتْ طُرُقِي عَنْ طُرُقِكُمْ وَأَفْكَارِي عَنْ أَفْكَارِكُمْ.)(أش٥٥: ٩).
والسؤال الذي يطرحه الكثيرون هو “لماذا أنا موجود في هذه الحياة؟” الله محبة ومن مظاهر محبته أنه خلق مخلوقات تشاركه الوجود وتشاركه الخلود، فالله قد خلق الإنسان من منطلق محبته، فالإنسان يحمل بداخله نسمة من روح الله وهذه النسمة هي التي أعطته هذه الحياة وهذا الخلود، لذلك إن الإنسان يحمل بداخله ترابط فطري وغريزي بينه وبين الحياة مثل الترابط بين الإنسان وأمه، لذلك فإن وجود الإنسان على الأرض يجب أن يعكس صفات الله الذي هو أصله وهنا تكمن قيمة
الإنسان ويتضح الغرض من وجوده في هذه الحياة.