كثيراً ما يتشكك الانسان ويقلق وسط ضغوط الحياة الكثيرة ( هل يمكنني أن أخلص ؟ ) وقصة الكتاب المقدس من بدايته لنهايته تحكي كيف أن أكثر ما يشتاق إليه الله هو خلاص نفوسنا، فالله هو الأب المهتم بنا، وهو لم يكن ملزماً أن يخلق الانسان على صورته وشبهه، لكن مسرته هي التي جعلته يفعل هذا، وحتى بعد سقوط أدم لم يذكر الكتاب أن أدم هو من بحث عن الله، بل الله هو الذي بحث عنه، وسعى إليه عندما سقط، ورغم أن أدم لم يطلب من الله وعد بالخلاص إلا أن الله هو الذي وعده بأن نسل المراة سيسحق رأس الحية.. فالله إذن لم يخلقنا للهلاك بل خلقنا للفرح، وكل مسرته هو أن نخلص جميعاً. لهذا يذكر الكتاب “أن الله يريد أن جميع الناس يخلصون ” ( 1تى2: 4 ). فالرب يسوع المسيح قد اختار بنفسه أن يصنع خلاصنا على الصليب، لم يطلب احداً من الله أن يخلص البشرية بل هو بذاته اختار أن يخلص البشر.
لذلك علم الرب يسوع نفسه أن السماء تفرح برجوع الخاطيء.. رغم أن السماء هي موطن الفرح.. إلا أن رجوع الانسان يسبب فرحاً في السماء. ومن هذا نفهم أن أمر خلاصنا اكيد من جهة الله نفسه، إلا أنه لا يلزمنا أن نرجع إليه.. بل يطلب ارادتنا في قبول الرجوع. فهو يطلب منا فقط ألا نهرب منه. الله هو الذي يشتاق ويسعى لخلاصنا لكننا أيضا علينا أن نطلب دائما (اعطني يا رب ألا أعطل عملك في حياتي بل اقبله)
ومحبة الله وسعيه لخلاص الإنسان هو أمر يؤكد عليه الكتاب المقدس مرات كثيرة، حتى وإن لم يسعى الإنسان لخلاص نفسه.. ففي العهد الجديد يتكلم ربنا يسوع عن نفسه بصفته الراعي الصالح، فالانسان عندما يفقد بسبب خطيته يبدأ الله بالبحث عنه حتى وإن لم يسع هو للرجوع، لذلك كلم الرب يسوع الجموع عن مثل الخروف المفقود والدرهم المفقود، فالله يبحث عن الكل حتى الذين ليس لديهم قدرة على الرجوع..
الكتاب المقدس يذكر أمثله عديدة لأناس بحث الله عنهم و خلصوا..
• فيكتب عن المراة السامرية وكيف بحث عنها يسوع وبدأ حواراً معها من أجل خلاصها
• و زكا العشار كانت كل أمنيته أن يرى يسوع لكن الرب هو الذي بحث عنه وتحدث معه وذهب معه إلى بيته.
• و اللص اليمين هو لم يفكر أبداً كيف يخلص؟ لكن الله هو الذي أحب أن يمنحه فرصة للخلاص في آخر لحظات حياته فدبر أمر خلاصه وصلب إلى جوار إبنه الوحيد وكان نصيبه الفردوس.
• كذلك شاول الطرسوسي المضطهد للكنيسة لم يفكر ابداً كيف يخلص لكن الرب هو الذي ظهر له في طريق دمشق ودعاه أن يكون له تلميذاً يحمل اسمه أمام ولاة وملوك.
ومن هذا نفهم أن الله هو الذي يسعى لخلاصنا..
و لكن ما هو دورنا في قصة خلاصنا؟ هل لا دور لنا علي الاطلاق؟
إن كان الله هو العامل من أجلنا لكن علينا دور هام، فعلينا ألا نتشكك في خلاص انفسنا بل نثق في عمله لأجلنا.. وعلينا أن نقبل ما يعمله الله لأجل خلاصنا.. ونحرص ألا نفعل ما يحزنه وعلينا أيضا ألا نرفض عمل الله معنا من أجل خلاصنا.. كما فعل فيلكس الوالي عندما قال لمعلمنا بولس الرسول: “اذهب وعندما يحصل لي وقت استدعيك” ( اع25:24 ) وكف عن أن يسمع دعوة الرب له للخلاص.
فالرب يسوع قد علم الجموع مثل الزارع..فالزارع قد خرج ليزرع بارادته، دون إجبار من أحد.. وبذرته وقعت على عدة أراضي.. فالزارع لم يطلب منه أحد أن يخرج للزراعة.. لكن المشكلة كانت في الأرض ذاتها! فالبعض لم يستفيد من عمل الله، والبعض يخنق عمل الله، والبعض يفقد الثمر بسبب انشغاله بالهموم والبعض يثمر ثمراً وفيراً .. فالله يريد أن يكون لنا زارعاً لكنه يطلب أن يرى فينا قلباً مستعداً يقبل عمل خلاصه في داخلنا.
لذلك علينا دائما أن نثق أن الله هو خالق محب.. وهو راع صالح، وهو صديق قريب موجود في كل ضيقاتنا وأفراحنا .. وهو المخلص الحقيقي الذي يسعى دائما ليخلصنا من الهلاك الابدي.. ولا شك أنه يملك إمكانية خلاص نفسك.. لكن عليك أن تأخذ أمر خلاص نفسك بجدية.. فارتبط ببيته الذي هو الكنيسة.. وعش في التوبة الدائمة.. و التزم بكل ترتيبات الكنيسة كدعوة للخلاص الذي اعده لك الرب .