ألقى قداسة البابا تواضروس الثاني اليوم عظة أثناء صلوات يوم الجمعة العظيمة” من البصخة المقدسة من دير الأنبا بيشوى بوادي النطرون، أكد خلالها على أن الصليب رمز للمحبة البازلة، وجاء نص العظة كالتالي:
+ باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين، تحل علينا نعمته وبركته من الآن وإلى الأبد آمين
“يوم الجمعة العظيمة هذا اليوم الذي ليس له مثيل في التاريخ، التاريخ الإنساني كله بكل تفاصيله منذ بدايات الحضارة وحتى اليوم وحتى نهاية الزمن لا يوجد مثيل لهذا اليوم على الإطلاق هذا اليوم وهذا الصليب لم يكمن مجرد حدث وقع وانتهى ولكن الصليب عظمته في هذا اليوم أن هذا الصليب انتظرته كل الأجيال واستعدت له كل الأجيال السابقة، وأما الأجيال اللاحقة للصليب فقدت تمسكت به وجعلته عنواناً لحياته كان المشهد غريباً في ذلك الصباح صباح يوم الصليب نحن نحاول أن نحاكيه في صلواتنا الممتدة يوم الجمعة الكبيرة في الصلوات والألحان والقراءات والنبوات، نحاول أن نحاكي هذا اليوم لكن الفرحة يا إخوتي الأحباء على ما حدث وما نحيا في هذا اليوم خالق الشجر الذى أوجدها تنقلب ضده وتصير صليباً وخالق الحديد ينقلب ضده ويصير مسامير وخالق الزهور تنقلب ضده وتصير أشواكاً ينقلب أكيلا ويوضع فوق رأسه وخالق الإنسان ينقلب ضده ويصير جلاداً وخائناً ومع كل هذا لم يجد الإنسان من المسيح إلى هذه الكلمات العظيمة “يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون”.
أريد أن أتأمل معكم أيها الإباء الأحباء هذه العبارة الجميلة في حياتنا وخلاصنا وسلوكنا ورهبنتنا “يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون ”
بلا شك الجو يوم الصليب كان يوم حزيناً ويوماً صاخباً وليس في الهدوء الذي نحياه اليوم وكان في العهد القديم عندما يصلبون انساناً يقف هذا الإنسان ويرسل شتائم وعبارات رديئة للذين يصلبونه فكان يلجأ الذين يصلبوه إلى قطع السنة المصلوبين وكان المصلوب بشكل عام يصيح في هيستريا حتى نقرأ في كتب التاريخ أن الذين ماتوا بهذه الطريقة كانوا يلعنون يوم ميلادهم وأما في صلب المسيح لما يحدث هذا من قبل بل كانت المفاجأة التي لم يتوقعها أحد ابداً أن المسيح وهو على عود الصليب وفي هذا الجو المشحون نجده يقول “يا أبتاه أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون”
أيها الآباء الأحباء أريد أن أحدثكم عن هذا الحب الغافر
المسيح عندما تعرض لكل هذه الألامات التي يجب أن نحملها جميعا هو حملها بدلاٌ عنا على عود الصليب وبدلاً عنا حمل خطايانا وهذه الكلمة يا أخواتي ليست مجرد كلمة وبلاغة ولكن بالحقيقة خطيتك وخطيتي حملها المسيح على الصليب وأن أردت أن تتيقن ذلك فأنظر إلى أكليل الشوك فأكاليل الشوك الممتلئ شوكا هو تعبير عن حمل الخطايا ولم يحملها في جسده فقط بل حملها فوق رأسه كان المسيح رغم ما تم فيه من أحداث الصليب ولكن لم يصدر عنه عنفاً أو صراخاُ ولكن ما صدر عن المسيح كانت معجزة وصلاة جميلة وهادئة وكانت هذه الصلاة ممتلئة بالوادعة وبالحق كانوا لا يعلمون ماذا يفعلون حتى بيلاطس البنطي، الحاكم الضعيف وهو الوالي الروماني الذي كان موجوداً حتى أنه قال لليهود أن يسوع لم يصنع شيئاً ردياً وزوجته حذرته بأنه “أياك وهذا البار” انهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد هذا المسيح الذى على الصليب، وقال لتلميذه بطرس أذهب يا بطرس وأبحث عن الإنسان الذي بصق على وجهي وقل له إني سامحته ابحث عن الذي غرس إكليل الشوك في رأسي وقل له إني سامحته وأبحث عن الشخص الذى دق المسامير في أيدى ورجلي وقل له إني سامحته وابحث عن الشخص الذي ضربني بالقصبة على رأسي وقل له إني سامحته وابحث عن الجندي الذى طعنني بالحربة في جنبي وقل له إنى سامحته والمسيح في هذا اليوم يسكب محبة وغفراناً لكل أحد أخطأ في حق المسيح .
المسيح رفع عنا هذه الخطية، غفران المسيح على الصليب يعطينا نعمة وقوة خاصة لكل أحد فينا ليغفر ويسامح الأخرين، إنني أؤمن أن الله غفر لي خطاياي على الصليب ولكني أؤمن أن الله الساكن فيا أن أصفح وأسامح الآخرين، وأنا هنا بتكلم عن الحياة الشخصية لكل واحد فينا فأينما وجد الصليب وجدت المحبة التي يستطيع الإنسان أن يقدمها والمسيح لا يبحث في حياتنا إلا عن هذه المحبة فقد تكون مجتهداُ ولك معارف وأنشطة كبيرة لكن المحبة الطاهرة القوية هي التي يبحث عنها المسيح في حياتنا لقد اختارنا أن نأتي إلى دير وننكر نفوسنا ونعيش حياتنا في رهبنه وتكريس وأعطانا الله نعمة أن نوجد وأن نسكن في مواضع القديسين فهذا الدير اللي له قرون وقرون سكنه عبر الزمن قديسين في كل مكان وتقدست حتى جذوره وجدرانه وحتى الهواء اللي فيه لذلك حينما يعطينا الله النعمة الكبيرة أن نجد في هذا الدير ونعيش يجب أن نملك المحبة وجميعنا في سباق المحبة فالعالم يا أخوتي يحتاج إلى نفوس ممتلئة بالمحبة والمحبة ترفض كل سلوك بعيد ومنحرف، أنا عايز أقولك أن الصليب يختصر حياتنا العقائدية الإيمانية في عدة أبعاد.
+البعد الأول: الصليب قوة الله للخلاص وذبيحة المسيح الممتدة عبر الزمن والصليب الطريق الوحيد لبلوغ القيامة.
“المسيح أعظم نجار في العالم صنع كوبري بين السماء والأرض بقطعتين خشب وثلاث مسامير وبدون الصليب لا يكون لنا معبر للشاطئ الآخر للحياة الأبدية ولذلك الصليب وهذه المحبة التي رأيناها في الصليب من الناحية الإيمانية هي سر الخلاص والصليب الذي يؤدي بنا إلى السماء .
والسؤال لك أيها الحبيب هل تلامست مع شخص المسيح الذي حملك وحمل الصليب عنك ؟.
الصليب لا يختصر حياتنا الإيمانية فقط بل إنه أيضاً يختصر حياتنا الروحية مع المسيح صلبت وتعني أن الإنسان يجحد ذاته والذات هي العدو المقيم معانا الذي يأتي إليا بشهوات ورغبات بعيده عن تكريسنا وحياتنا .
ذات الإنسان تذله وتضعفه وتبعده وحياتنا الرهبانية كان قديما يتعمل مدخل القلاية منخفض علشان كل واحد وهو داخل ينحني ويتذكر أصلة من التراب وينحني هي دى الصورة الأصلية.
ومع المسيح صلبت صلب الذات وأحنا في الساعات الأخيرة أرفع قلبك إلى الله وقوله ذاتي ممكن تضيعني وعقلي ممكن يضيعني وأفكاري أيضاُ زي ما بولس الرسول خاطب أهل غلاطية وقالهم “هكذا أنتم أغبياء بعدما بدأتم بالروح تكملون بالجسد وهذه هي كلمات بولس الرسول إلى أهل غلاطية وهى لنا أيضا
حياتك الروحية في الصليب تعني أنك تصلب ذاتك دائماَ وتكون أخر الكل .
+البعد الثاني هو أن تفتخر بصليب المسيح فقط.
لامكان ولا مكانة ولا منصب ولا مجتمع نحيا حياتنا في الصليب ونفتخر به فقط ولما حد يقولك كلمتين حلوين ولو كل الناس قالو عنك حسنا هذا لا يفيد بشيء
الصليب يختصر حياتنا الروحية ونتعلم فيه أن نجحد ذواتنا ونفتخر بهذا الصليب الذي أوقف العالم بالنسبة لي وصار لي طريق السماء.
وأخيراَ الصليب يختصر حياتنا السلوكية في حياتنا في الصليب نرى الله محبته لكل أحد ومازال المسيح على الصليب يفتح ذراعيه ويقبل كل أحد عندما يصرخ المسيح ويقول أنا عطشان وقد نظن نحن البشر أنه عطشان بالماء ولكن واقع هذه الكلمات بالزمن كله هو عطشان بكل النفوس هو عطشان لنفسه وعطشان لكل أحد بعيد وكل إنسان غفلان هو ينتظر كل أحد ومازالت دعوة المسيح مفتوحة، الصليب يختصر حياتنا السلوكية فنرى فيه المحبة التي بلا نهاية محبة كاملة لكل أحد .
+والبعد الأخير أننا نرى في الصليب وصية محبة كل الناس
المسيح علمنا أنه أحب العالم كله وكل القارات والناس قلبك ليس منغلقاً على أحد قلبك مفتوح لجميع الناس والعالم يحتاج إلى هذا الحب الغافر الحقيقة الذي نستطيع أن تستمده من خشبة الصليب بولس الرسول بيقول محبة إلهنا انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا كأنك أيها الحبيب تأتي وقلبك يكون تحت الصليب وتقول له يارب أعطيني من هذا الحب وليس من هؤلاء البشر، وأحنا ننتهز الوقت الباقي في هذا اليوم مع الطقس الجميل اللي بعيشة ونرفع قلوبنا ونقوله يارب أنا مكشوف أمامك أنت تعلم كل شيء.
وهذا اليوم الفريد عبر السنة كلها بتقف قدام الصليب وقدام الطقوس الجميلة وتقوله أنا عايزاك أنت يارب لأني في يوم سأقف أمامك وتطلب منى حساب وكالتي وأعلم أيها الحبيب أن وكالتك هي وكالة المحبة التي سكبها المسيح في قلبك وتحصلها كل يوم نشكر الله أنه يعطينا أن نحتفل بيوم الجمعة العظيمة في دير الأنبا بيشوى في رحاب الآباء الأحباء وهذا الدير العامر وصاحب النيافة الأنبا صرابامون أسقف ورئيس الدير ونشكر الله على كل هذه النعم الكثيرة ونصلي دائماً أن يكون الصليب أمام أعيننا وفي حياتنا اليومية وعندما نحتفل بالقيامة المجيدة لا تنسى أبداً أن الذي أوصلك للقيامة هو صليب المسيح .
ليحفظكم المسيح دائماُ ويرعاكم يبارك في صلاتكم وجهادكم الروحي الذي ترفعونه على الدوام لألهنا كل المجد والكرامة من الأن والى الابد أمين.