– المستشفى يقدم الخدمة الطبية لكل مريض حتى لو كان غير مقتدر
– راهبات المستشفى أهم زكائز رسالتها المهنية والإنسانية
– قريباً.. فرع للمستشفى الإيطالي في بورسعيد
– المصري يبيع كل ما يملك لعلاج أهله.. وهذا يتطلب منا الرحمة
لأول وهلة الشكل ”خواجة”.. الجذور إيطالي والروح مصرية.. وعندما تقترب منه تكتشف لكنته المصرية حتي النخاع.. يتصرف كمصري أصيل بكرم وترحاب وخفة دم.. طاقة غير محدودة في العطاء والكفاح ومساعدة المحتاج.. إنه “بييرو دوناتو” إيطالي من ملوي.. التحق بالجيش المصري.. رئيس ”جمعية سيب الخيرية” مالكة المستشفي الإيطالي بمصر منذ 117 عاماً.. رئيس الجالية الإيطالية بمصر.. وعضو الاتحادين المصري والدولي للرماية.. وكل لقب من ألقابه يمثل قدوة للشباب المصري.. كانت لـوطني جلسة ثرية معه حول مشوار حياته ثم تطرقت للعلاقات المصرية الإيطالية.. وإلي الحوار..
ما سر عشقكم كأسرة لمصر؟
أنا إيطالي الجنسية من جهة الأب من جزيرة صقلية في إيطاليا، ولد جدي بملوي في مصر وعاش هناك، وتزوج من بنت المحافظ الفرنسي المشرف على منطقة المنيا والأقصر، ومن هنا عاشت الأسرة الإيطالية في مصر حتى الآن.
وبعد ثورة 1956 سافر أغلب الأجانب خارج مصر لكن الأسرة فضلت الاستمرار في مصر وربما لارتباط والد “بييرو” بالأرض – ترك الوالد كلية الطب وقت شبابه وفضل التفرغ لزراعة الأرض التي ورثها، ولكن سنة 1962 ثم تأميم الأرض واستمر مثابراً وأجر أراضي وبدأ حرفته مرة أخري.
والدي كان أول إيطالي نال شرف الجنسية المصرية عام 1970 من الرئيس السادات وكان معه أربعة آخرون، حيث إنه منذ 1956 إلى 1970 لم ينل أحد من الأجانب الجنسية المصرية.
أما عن والدتي فلا أنساها لأنها هي التي شكلت شخصيتي.. كانت ناظرة الابتدائي في مدرسة سان جورج أيام الإنجليز وكان لها بصمة في تربية أجيال كثيرة، ولها فضل علي كبير جدا.
ومن المواقف الطريفة في حياتي عندما وصلت إلى سن الالتحاق بالجيش، وقتها قانون الجنسيات لم يكن محدداً بعد بفكرة منع التقدم للجيش لازدواج الجنسية، فالتحقت بالجيش وأصبحت الإيطالي الوحيد الذي خدم بالجيش المصري رغم ازدواج جنسيته.
ثم تزوجت من سيدة إيطالية ولها نفس ظروفي حيث كان أهلها طلاينة يعيشون في الإسكندرية، وزقني الله بولدين ”فابيو” و”فرانكو” ومع الوقت وصل أحفادي للجيل السادس من عائلة ”دوناتو” الإيطالية التي عاشت وكافحت في أرض مصر مدة لا تقل عن 140 سنة.
كل هذا التاريخ العائلي رسخ بداخلي حب لمصر واعتزازي بها كوطني الأول مع فخري بجذوري الإيطالية التي تمثل وطني الثاني.
ماذا عن مناصب مصرية ودولية حزتها في رياضة الرماية؟
أنا هاو لرياضة الرماية، وهي علمتني ألا أكون سلبياً بل أقدم على الأشياء بجرأة وعزيمة.. ولذلك بدأت أهتم بالعمل التطوعي الذي استنفذ كثيراً من وقتي.
بدأت احتراف رياضة الرماية في الثمانينيات، وفي عام 1984 التحقت بلجان الرماية بنادي الصيد ومنها انتقلت للاتحاد في النصف الثاني من الثمانينيات، ثم مقرر لجنة الرماية في الاتحاد المصري عام 1990، ونلت شرف تنظيم بطولة العالم عام 1990 في الدقي بمصر.
وبعد بطولة العالم بدأ نشاطي يكون دوليا أكثر، فتم تعييني باللجنة الفنية للاتحاد الدولي للرماية.. وعام 2014 طلب مني أن أترشح كعضو في مجلس إدارة الاتحاد الدولي للرماية، وبالفعل تم ترشيحي كعضو في المجلس ”الفيتاسك” ومقره في باريس.
وطبقاً للقانون المصري أصبحت عضوا في الاتحاد المصري للرماية، برغم أنني كنت عضواً فيه منذ عام 2001 وقت رئاسة مدحت وهدان للاتحاد، وبعدها حصلت على منصب مقرر لجنة الصيد بنادي الصيد، وهو منصب أفتخر به لأني كنت مسئولا عن 5 آلاف فدان من برك الصيد التابعة للنادي في محافظة الشرقية. وهو قطاع شاق جدا في العمل ويخدم هواية في منتهي الصعوبة.
أيضا علي المستوي الدولي أنظم الآن البطولة الأفريقية للأطباق المروحية الخامسة علي التوالي وذلك يوم 9 مايو المقبل. وحصلنا أيضا علي حق تنظيم بطولة العالم لعام 2020 وبذلك استطعنا في أصعب وقت تمر به مصر أن نصعد ببلدنا لتكون مصر الرائدة للعبة الرماية وهذا شيء مشرف جدا.. وأصبح لدينا لاعبون منهم الخامس على العالم من مصر والسابع على العالم من مصر أيضا. كل هذا نتيجة فريق عمل جيد ومنظومة تعمل بشكل صحيح.
ماذا عن بدايتك كرئيس مجلس إدارة جمعية سيب؟
”سيب”.. جمعية خيرية مصرية ولها مجلس إدارة, ومقر الجمعية داخل القنصلية الإيطالية. وأساس عمل الجمعية هو خدمة وإدارة المستشفي الإيطالي الذي يعد منشأة مصرية مبنية علي أرض ملك الجمعية.. ويعد المستشفي الإيطالي منارة يفتخر بها السفير ويعتبره مزاراً مهما لأي زائر إيطالي.
أما عن عملي في الجمعية الخيرية المصرية سيب, فكنت عضوا فيها منذ الصغر وعضو مجلس إدارة من سنة 1990 حتي 2001 حيث إنني قدمت استقالتي لاختلافي علي أسلوب الإدارة في ذلك الوقت.
وفي عام 2002 وضع القانون المصري شروطاً لتطبقها الجمعيات ولكن وقتها لم يستطع مجلس إدارة الجمعية استيفاء تلك الشروط وتوفيق أوضاعها، لذا صدر قرار من وزارة الشئون بوقف مجلس الإدارة لحين توفيق الأمور فمن 2003 إلى 2006 لم يكن هناك مجلس إدارة للجمعية.. واستمر هذا الوضع حتي عام 2006 حينما تم توفيق واستيفاء كل شروط الشئون الاجتماعية وأجريت انتخابات لتشكيل مجلس إدارة جديد للجمعية، وكنت أحد المترشحين وبعد الفوز تم اختياري في أول اجتماع مجلس إدارة كرئيس مجلس إدارة جمعية ”سيب” الخيرية.
في عام 2006 كانت الجمعية غنية بالأراضي التي تمتلكها، لكن المستشفى كان متهالكاً فكان السؤال الأول الذي يدور في أذهاننا: من أين نبدأ الإصلاح؟
وعملت بنصيحة أحد مديري المستشفيات الكبيرة الذي أرشدني أن أبدأ الإصلاح أولاً في الأجزاء الظاهرة للناس.. مثل غرف المرضى والمدخل والحدائق.. ثم لاحقاً يتم تصليح كل جزء تدريجياً على حسب السيولة المادية المتوفرة.
وفي عام 2007 سمع رجل الأعمال الإيطالي “أوجينيو بينيديتي” أننا بدأنا العمل بجدية في تطوير المستشفى، فأبدى استعداده لعمل حفلات بإيطاليا لإمدادنا بالتبرعات.. وبالطبع رحبنا بالفكرة لأننا كنا بأشد الحاجة لسيولة مادية نطور بها المستشفي.
ومن هنا بدأنا المشوار، لترميم وإعادة هيكلة أجزاء المستشفى المختلفة.. ومن أول تبرع وصلنا من عائلة طليانية توفي لهم أب من عائلتهم كان قدره 100 ألف جنيه إضافة إلى 100 ألف جنيه أخرى من السفيرة في ذلك الوقت، بدأنا بمبنى الموتى تكريماً للشخص المتوفي طرف هذه العائلة، هذا المبنى يحتوي علي 6 ثلاجات للمتوفين وبه أماكن تغسيل الأجساد للمسيحيين والمسلمين منفصلين، وبه مكان لمبيت أقارب المتوفي، وله مدخل خاص حتى لا تتلاحم تلك الأحداث مع المرضى وزويهم، وكذلك توجد كنيسة للصلاة على المسيحيين. فقد يبدو المبنى غير أساسي لأول وهلة لكنه في غاية الأهمية في أي مستشفى، بالإضافة إلى أن أغلب الأجانب الذين يموتون في مصر يحولون إلى المستشفى الإيطالي.
وبظهور “بينيديتي” في هذه المرحلة، تكلمنا على مرحلة التطوير الثانية وهي مبنى الولادة والأطفال لاستعادة جودة وسمعة هذا القسم الذي كان متميزاً قديماً.
أقام ”بينيديتي” حفلاً كبيراً عام 2008 بإيطاليا، وحضرت الحفل السيدة سوزان مبارك والمهندس نجيب ساويرس، ومجموعة كبيرة من الجالية المصرية في إيطاليا، وأحيا الحفل فرقة الموسيقى العربية المصرية، ومن هذا الحفل حصلنا على إيراد صافي 300 ألف يورو.
هذا المبلغ تم استخدامه في تطوير الرعاية المركزة لتحويلها من 6 أسرة إلى 35 سريراً بأحدث الأجهزة المتطورة. وأيضا طورنا قسم النسا والولادة بالكامل وغرف عمليات للولادة.
وبعد 6 شهور، تبرعت أربعة أندية روتاري في روما بقيادة السيدة “باتريتسيا كاردوني” بحوالي 74 ألف يورو وهذا المبلغ جددنا به قسم الأطفال بالكامل وأضفنا حضانات لحديثي الولادة.
تلك الخطوات في عام 2008 و2009 كانت بالنسبة لنا بداية انطلاقة للتطوير والتحديث والقدرة على المنافسة مرة أخرى.
وفي عام 2013 أقيم حفل ثان بفندق “إكسيلسيور” في إيطاليا، وأسفر بعد دفع كل التكاليف عن إيراد صافي قدره 35 ألف يورو، وساهم هذا المبلغ كنسبة من ثمن شراء جهاز الأشعة المقطعية “سي تي سكان”.
وحتى يومنا هذا استطعنا رفع مستوى غرف الإقامة لتوفر للمريض كل وسائل الراحة التي يتطلبها أثناء وجوده بالمستشفى، ورفعنا مستوى الطعام والوجبات التي تقدم للمرضى أيضا.
وماذا عن باقي مراحل التطوير الجذرية بالمستشفي؟
تم إعادة هيكلة القسم الإداري بالمستشفي لتقسيمه إلى عدة أقسام مثل: الأمن، الموارد البشرية، المشتريات، أيضا أقسام المالية والحسابات.. وتم تعيين الدكتور محمد فارس مديراً للمستشفى.
ونجح الدكتور فارس في ربط كل البنية التحتية الخاصة بالمستشفى على الرغم أن المستشفى به مبان كثيرة متفرقة موزعة على خمسة فدادين, فلم يكن بين المباني أي ترابط حتى على مستوى التليفونات، فتم عمل شبكة فايبر أوبتيكس تحت الأرض يكفي حجمها لمستقبل بعيد.
وتم ربط المستشفى بشبكة كاميرات.. وعمل شبكة تحت الأرض يمر بها شبكات الكهرباء والغاز والأوكسجين وتوصيلات السباكة لتغذية كل المباني بشبكات مجمعة.. وبلغت تكلفة تلك الشبكات منذ حوالي عشر سنوات 2 مليون جنيه.
والأهم من كل ذلك كان نظام التعقيم.. فهو أهم ركيزة تقوم عليها أي مستشفى.. فقديما كان كل مبنى يتم تعقيم محتوياته منفرداً، فكانت تتفاوت درجات التعقيم ولا تتم بالشكل المناسب. ولذلك استطاع الدكتور فارس إقامة مبنى جمع فيه كل عمليات التعقيم المطلوبة لكل المباني. وهذا التعقيم يتم بأحدث الأساليب العلمية المتطورة. وبذلك انخفضت نسبة العدوى بشكل ملحوظ مقارنة بمستشفيات كثيرة، على المستوى المصري والدولي أيضا. وكان هذا من أهم إنجازات الدكتور فارس قبل مغاردته للمستشفي.
أما عن التطوير الآن، على يد الدكتور سامح وصفي، مدير المستشفى الحالي، فجاري عمل تطوير مبنى للعيادات الخارجية الذي وصل حجم مصاريفه حوالي 10 ملايين جنيه، ومن المتوقع افتتاحه قبل شهر رمضان المقبل. وهذا المبني تم إعداده على أعلى مستوى وسيتضمن معملاً وصيدلية وقسم علاج طبيعي لخدمة مريض العيادات الخارجية.
وكذلك مشروع تطوير مبنى دار المسنين ذي الـ60 غرفة، فهو من أهم المشروعات في هذا المستشفى لأن فكرة دار مسنين داخل مستشفي غير متوفر في مصر. مسنون كثيرون يرحبون بفكرة وجودهم علي بعد دقائق من الاستشارة الطبية، ففي حالة أي طوارئ يتم نقل المسن مباشرة لأي قسم طبي يحتاج المتابعة فيه. وهذا المبني به منطقة مزروعة وغرف إقامة على أعلى مستوى، بالإضافة إلى تواجد الراهبات وسطهم للعمل على راحتهم.
ولدينا مشروع مهم جدا في خطة التطوير وهو تجديد 7 غرف عمليات وتكلفة هذا المشروع تصل لحوالي 15 مليون جنيه، وكل هذه المشروعات يتم الإعداد التقني لها مع العمل على جلب تبرعات لتمويلها.
هل لديكم خطة للتوسع بفروع للمستشفي في محافظات أخري؟
كنا نفكر في إنشاء مشروع مستشفي في شرم الشيخ وتم طرح الفكرة على السفير السابق، لأن نسبة الطلاينة في شرم الشيخ عالية ولخدمة الأجانب السياح أيضا.. ففكرة مستشفى في شرم الشيخ تجارياً كانت ستعود على الجمعية بعائد جيد بالإضافة إلى احتياج المحافظة لمستشفى.
لكن تم تغيير مسار تلك الخطة في وقتنا الحالي إلى محافظة بورسعيد.. فالقنصلية الإيطالية تمتلك أرضاً بشارع التحرير بالمحافظة مساحتها 4000 متر وعليها مبني عمره فوق 120 سنة.. وكانت تبحث عن مشتر لتلك الأرض لكن بسبب وجود المبنى الأثري الممنوع هدمه لذا لم يكن عليها إقبال. ومن هنا جاءت فكرة إيجار الأرض – إيجار طويل المدي – بواسطة جمعية ”سيب” من القنصلية ويتم تهيئة المكان ليناسب إنشاء فرع للمستشفى الإيطالي في بورسعيد.. وتم تقديم جواب رسمي لطلب ذلك، وتم إعداد الرسومات للمرحلة الأولى وسيتم إرسال كل الأوراق والطلب للخارجية الإيطالية للموافقة. وفور وصول الموافقة سيتم عمل جمعية عمومية لطرح الفكرة والتصويت عليها حتى يمكننا البدء في التنفيذ.
وبذلك يمكن أن يكون مستشفى بورسعيد نواة لفكرة فروع جديدة للمستشفى الإيطالي سواء في شرم الشيخ أو غيرها.
ما رأيك في منظومة الصحة في مصر؟
منظومة الصحة المصرية تعمل بشكل مدروس الآن.. أرى أنه إن لم يطرأ عليها تغييرات مثل تعديلات وزارية أو غيرها وتم إتاحة الفرصة لها، سيمكنها عمل تغيير وإصلاح كما رأينا في منظومة الاقتصاد وقت تعويم الدولار.
ونحن كإدارة مستشفي نستشعر وجود وزارة الصحة بلجان التفتيش التي تقدم توصيات لكل مستشفي لتعديلها.. فهم يقومون بالتفتيش على أكمل وجه وتوصياتهم منطقية مما جعلنا نقوم بتعيين ناس مسئولين لمتابعة نقاط تلك اللجان وتطبيق شروطها وكأنه تفتيش داخلي لنا مماثل لوزارة الصحة.
ولكي تنجح المنظومة يتطلب ذلك نظام تأمين صحي عالياً.. ففي أي مكان في العالم يتم علاج المريض بالتأمين الصحي.. فبالرغم أن بعض الناس تكون حالتها الصحية ميئوس منها لكن مازالت عادات وثقافة المصريين أن نكرم المريض بأي ثمن حتى يتماثل الشفاء.. حتى لو بعنا هدومنا.. ولذا هؤلاء يحتاجون لتأمين صحي كريم لكل أفراد الأسرة. ونحن كمستشفي تابع لجمعية خيرية نهتم جداً أن يتلقى كل مريض علاجه حتى لو كان غير مقتدر.
ما سياسة المستشفي إزاء القانون الجديد للتأمين الصحي الشامل؟
قانون التأمين الصحي في رأيي سيريح الجميع، بالنسبة للمستشفى نفسه سيكون كل شيء محدداً بمعني حساب الإقامة في المستشفى والتمريض وكذلك أجرة الدكتور، كل ذلك سيكون من خلال إدارة المستشفى وبذلك سيساعد على تسعير كل شيء.
المنظومة التي تعودنا عليها متفاوتة جداً في أسعارها ولا تراعي المريض وقدرته علي الدفع من عدمه، لذا نظام التأمين الصحي سينقلنا لنفس مستوى نظم التأمينات الصحية العالمية، لو تم تطبيقه صح.. لكن يجب تفعيله بشكل علمي، ويجب أن تصنف المستشفيات إلى مستويات ويحدد تسعيرة لكل مستوى.
وأهم شيء في هذا القانون هو كيفية سرعة تحصيل المستحقات من الحكومة وهذا عامل إذا تم الإعداد له وضبطه سيكون أساس نجاح نظام التأمين الصحي.
هل أصبح الطب في مصر تجارة؟ وما دوركم كمستشفى لتقنين ذلك لمصلحة المريض؟
الطب طول عمره تجارة.. لكن يوجد دكتور تاجر عنده ضمير ودكتور تاجر بلا ضمير.. ولذا يحاول كل طبيب أن يوائم ضميره على الوضع من حوله.
أما عن دورنا كأحد المستشفيات، فنحن نوحد أسعارنا بحيث تكون فوق المتوسط مع تقديم خدمة متميزة.. ففي رأيي المستشفى يجب أن يكون فيه فائض مادي لكي يستخدم في أمرين مهمين: تجديد الأجهزة الطبية والبنية التحتية وتطوير الأبنية باستمرار ولكي نتحمل مصاريف من لا يستطيع دفع الفاتورة.. فنحن كجمعية مالكة للمستشفي نمنح المرضى فرصة الخصومات التي وإن استدعى الأمر قد تصل من 20% إلي 100% ففي وقت الثورات والأحداث الماضية كنا نقبل أي شخص مجروح أيا كانت ديانته أو حالته المادية.
كلمنا عن تاريخ ودور راهبات المستشفي الإيطالي؟
جميع ممرضات المستشفي كن راهبات، وفي وقت الأربعينيات والخمسينيات وصل عددهن 44 راهبة، وهن من فصيل رهباني اسمه “الكوبونيان” وأغلبهن طلاينة وبعضهن من مالطة وإسبانيا.. وكن مشرفات على المستشفى من الناحية الفنية – من تمريض وطعام وتنظيف.
قديما هذا المستشفى كان مستوصفاً صغيراً قائما على خدمة الراهبات وكان لهن بيت وكنيسة في نفس المكان ومع وجود الدكتور ”أمبيدوكلي جاجليو” تطورت الراهبات مع تطور المستشفى، ومنذ البدء حتى الآن لهن بصمة خاصة بهن وركيزة يقوم عليها المستشفى.. حتى إن رئيسة الراهبات كانت تتواجد في مجالس الإدارة لتشارك في كل الأمور معنا كجمعية.
وفي عام 2006 طلبت الراهبات من الجمعية أن نطلقهن ليرحلن لبلادهن، بسبب كبر سنهم، لكننا تمسكنا بهن وأرسلنا للفاتيكان لإيجاد حل.. واستجابوا بسرعة واتفقوا مع رئيسات الرهبانيات المختلفة أنهن يعملن تجربة بخلط الرهبانيات مع بعض لتفرز 8 راهبات إضافية للمستشفى. وعلى رأسهن – كمنسقة بينهن وليست رئيسة عليهن – ”سير بينا” وهي أكبر واحدة سناً بينهن. وتلك التجربة كانت الوحيدة على مستوى العالم أن تعيش مجموعة راهبات من رهبانيات مختلفة مع بعض، برغم ثقافتهن المختلفة وجنسياتهن المتعددة – منهن مصريات أيضا، بألفة ومحبة وتعاون وخدمة تجمعهن عايشين ومتعايشين بشكل جيد جداً.
دورهن الحقيقي على الورق والعقود هو التعامل مع نفسية المريض.. لكن فعلياً هن يقدمن أكثر من ذلك بكثير.. فيتعاملن مع المستشفى بأنه بيتهن ولذلك قلبهن يمتلئ بالمكان.. والراهبات أيضا يتابعن عمل كورسات تمريض لإعداد جيل جديد من الممرضات.
وبذكر إعداد الممرضات لا ننسى مدرسة التمريض التي توجد بالمستشفى للإعداد الفني للتمليذات حتى سن إعدادي بإشراف الوزارة.
ماذا عن الجالية الإيطالية بمصر وعطائها على مر العصور؟
قديماً كانت الجالية الإيطالية ثاني أكبر جالية في مصر، وصلت لحوالي 70 ألف نسمة وكانت متمركزة في الإسكندرية والقاهرة ثم يليهما الإسماعيلية وبورسعيد والمنصورة.
كانت الجالية أغلبها من الحرفيين والعائلات المقتدرة كانوا جواهرجية أو أصحاب مصانع أو لديهم أراض زراعية.
وكان في ذلك الوقت الحرفيون لهم سمعة طيبة ومتميزين في مجالهم، مثل “مارتسيال بورتليمولي” كان اسمه قديماً في السوق المصرية من أشهر النجارين كأنه ماركة مشهورة.. وأيام الملك فاروق كان مدير القصر رجل إيطالي.
أما اليوم فالتعداد الرسمي للإيطاليين في مصر حوالي 6000 نسمة، وبعد غلق القنصلية الإيطالية بالإسكندرية أصبحت قنصلية القاهرة مدونا فيها 5000 نسمة لذا أصبحت الجالية لها الحق في عمل انتخابات واختيار ممثلين للجالية وأعلى صوت فيهم يكون رئيس للجالية.
ومن هنا، وصلت أنا لهذا المنصب – رئيس ”الكوميتيس” – أي لجنة ممثلة للجالية الإيطالية، وبذلك أصبحت رئيس الجالية رسمياً وليس شرفياً فقط، ومسئوليتي أن أتابع شكاوي الجالية الإيطالية مع القنصلية وأحياناً أتابعها من الحكومة الإيطالية نفسها.
وتآكل عدد الجالية الإيطالية في مصر كان من أكبر أسبابه التأميم عام 1962، فكثيرون خرجوا من مصر في ذلك الوقت.. وأيضا قانون الإقامة حيث أن القانون القديم كان ينص على أن كل من ولد حتى 1948 كان يحصل على إقامة عشر سنوات في مصر وله كل الحقوق مثل أي مصري إلا حق الانتخاب، لكن كل من ولد بعد 1949 كان يحصل على إقامة مدتها سنة واحدة، وبالتالي تجديد الإقامة كل سنة غير مريح وغير آمن بالنسبة لعمله وحياته.. فقليل جدا من الجالية الإيطالية الذي استمر مثل حالة أسرتي في مصر بقينا ولم نرحل.
هل توجد سمات مشتركة بين الطلاينة والمصريين؟
المصريون والطلاينة يؤثر على قراراتهم العملية والحياتية، العاطفة.. فلا نستطيع فصل العاطفة عن العمل.. وهذه الصفة قد تكون من أسوأ ما لدينا كشعوب البحر المتوسط. نجتمع أيضا في سمة الكرم وحسن الضيافة والدم الخفيف، والعيوب أيضا نشترك فيها منها عدم احترام قوانين المرور، وعدم دقة المواعيد، والصوت العالي وعدم الحفاظ على البلد بإلقاء القمامة في كل مكان.
ما رأيك في مصر بعد ثورتين؟
في مصر الآن لدينا ميزتان كبيرتان.. أولا نحن نبني البلد الذي لم يكن يُبنى منذ 40 سنة.. فمن تعمير منطقة السويس إلى مشروع حقل ظهر وكذلك شبكات الطرق في مختلف المحافظات، كلها مشروعات مشرفة جدا ومجهود ملحوظ.
أما الميزة الثانية، فهي استرجاع مكانة مصر في المنطقة من حولها، ففي السنوات الماضية انهارت الدولة وعلاقاتها مع من حولها وهذا كان من أهم الأهداف للقيادات المصرية في الآونة الأخيرة.. فأصبح لنا دور ومهابة واحترام وسط بلاد أفريقيا وباقي الدول العربية.
ما كواليس قضية ريجيني من رئيس الجالية الإيطالية؟
ليلة ما سمعنا عن هذا الحادث كنا مدعوين في السفارة الإيطالية لاستقبال وزيرة إيطالية لتوقيع صفقات مع مصر، وكان من الحضور شخصيات مصرية مرموقة.
وبرغم بشاعة الموقف، إلا أنني أرى أن رد فعل البلدين كان يمكن أن يكون أكثر ترو، فما دخل التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين وبين حادث قتل لفرد؟ وإن كان تعذيبه حدث من أي كادر فبالتأكيد هذا الشخص لا يحب بلده لأنه أحرج بلده بفعلته.
أما دورنا كجالية فقد تصدينا لفكر السفير في قطع العلاقات مع مصر والمصريين، وأنا بصفتي رئيس الكوميتيس قابلت ممثل أفريقيا في البرلمان الإيطالي وهو من الفصيل اليساري الذي كان حاكماً لإيطاليا في هذا الوقت، وتكلمت معه في جلسة مطولة عن موضوع ”ريجيني”، وكان رأيي أن مغادرة السفير الإيطالي للأراضي المصرية كان أكبر خطأ وكذلك عدم رجوعه كان خطأ أسوأ.
من وجهة نظري، أنا إيطاليا هي التي خسرت في هذا الموقف وليس مصر، حيث إننا تجارياً كنا في المرتبة الثانية لحجم التعاون التجاري مع مصر – بعد أمريكا مباشرة، أما الآن فترتيبنا أصبح السادس أو السابع بعد الحادث، وإيطاليا صامتة متجاهلة فداحة الخسارة المادية.
ونحن كلجنة ممثلة للجالية في مصر كتبنا خطاباً رسمياً، يقول إن الجالية مقتنعة أن عدم وجود السفير في مصر تسبب في أضرار اقتصادية جسيمة.
كيف رأيت رد فعل عائلة ريجيني؟
الأم والأب كانا حزينين ولهما كل الحق لأن الموقف كان موجعاً لكن مازلت لا أفهم لماذا جاء من طرفهما تصرفات سيئة وشبه شرانية!
والأم رفضت عمل قداس على روح “ريجيني” قبل مغادرة الجثمان من المستشفى.. ورفضت أن يتم عمل أي قداسات باسمه حتى تظهر الحقيقة، ومن الغريب جداً أنها كانت متماسكة هي وزوجها بشكل غير طبيعي على عكس كل الحاضرين.
وباختصار الواقعة كانت مؤلمة جداً وكان يجب أن نترك للقانون مساحة لمعرفة الحقيقة بين البلدين.. والجاني لابد وسيعاقب آجلاً أو عاجلاً.. لكن كان يجب التروي حتي لا تتأثر العلاقات المصرية الإيطالية بسبب شخصي.. فواقعة ”ريجيني” كانت مؤلمة لكن لا يجب أن تنشئ خلافاً بين الدولتين.