“أصداء لرؤى من الماضي” عنوان المعرض الثاني للفنان العالمي الراحل ألكسندر صاروخان (١٨٩٨ – ١٩٧٧) الذي أقيم خلال شهر فبراير بقاعة المسار للفن المعاصر والتي عرضت ٣٣ لوحة نادرة من إبداعاته المتميزة والغزيرة .. ويأتي هذا المعرض بعد ٤١ سنة عن رحيله.
عبر “صاروخان” عن آرائه بريشته المتوهجة عن هموم مصر، وقضايا الوطن العربي وأحلام أولاد البلد .. مدافعًا عن قيم الحرية والعدالة ومحاربة الفساد والجشع من أسعار وتعليم وغيرها على صعيد الحياة السياسية في مصر والعالم طوال أكثر من ٣٥ عاماً في حقبة الخمسينيات الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين.
والفنان “صاروخان” أحد أبرز رسامي الكاريكاتير في مصر والعالم العربي .. ذلك الفنان المبدع حيث عطاؤه يحدثنا من خلال إبداعاته المعروضة المحببة لقلوب وعقول عامة الشعب، فنجد أسلوبه الساخر واللاذع من خلال الخطوط البسيطة والمعبرة عن مضمون ما يهدفه الفنان بإبراز الفكرة المراد توصيلها للمتلقي .. وذلك عن طريق مبالغة في الملامح الشخصية أو تعليق في كلمات مختصرة تظهر قضايا الحياة الإجتماعية والسياسية والرياضية والتي علقت بأذهان محبي رسوم فن الكاريكاتير.
ولد ألكسندر هاكوب صاروخان في قرية “أردانوش” بالقوقاز– وفي سن مبكرة هرب من تركيا التي ولد بها إلى النمسا .. ودرس الرسم بمعهد الفنون الجرافيكية في فيينا عام ١٩٢٢، وهناك دعاه إلى مصر أحد الناشرين المصريين الذي لمس براعته في رسم الكاريكاتير .. وإصدار مجلة لهذا الفن.
وصل “صاروخان” إلى الأسكندرية عام ١٩٢٤ وكله أمل للعمل في دار النشر .. ولكن لم يجد وقتها من دعاه إلى مصر، فأخذ يتجول بالإسكندرية يبحث عن صاحب دار النشر وبسؤال أحد أصحاب المحلات الأرمن الذي إستضافه عنده عدة أيام دله عنه .. وأعطاه ثمن سفره للمنصورة حيث موطن صاحب دار النشر الذي دعاه .. وهناك وبعد البحث وجده، ولكن مشروع الجريدة والنتشر تعثر .. فعمل في ورشة للزنكوجراف .. ثم سافر إلى القاهرة وفي مارس ١٩٢٤ عمل كمدرس للرسم في المدرسة الأهلية الأرمنية ببولاق .. وبالصدفة رآه أحد القائمين على مجلة روزاليوسف وأُعجب برسومه، فعرض عليه العمل معه وبالفعل بدأ رسومه مع العدد ١٢٨ من مجلة روزاليوسف .. وبعدها تعرف على الآخوين مصطفى وعلى أمين اللذان كانا يمونانه بالأخبار السياسية .. وتعايش مع المجتمع المصري وأبدع رسوماته الكاريكاتيرية في جريدة الأخبار وعلى صفحات مجلة آخر ساعة وجريدة المستقبل.
أصدر كتابًا عام ١٩٤٥بعنوان “هذه الحرب” في مجال الكاريكاتير السياسي بعد نشر رسومه في العديد من الصحف المصرية .. وفي مجلات فرنسية في مصر مثل “لابورس” و”إيماج” وفي صحف أرمنية مثل “كاردوش” و.. “أريف” .. بعدما إستقر في مصر بشكل نهائي وحصل على الجنسية المصرية عام ١٩٥٥.
كان للفنان “صاروخان” رؤية خاصة لفن الكاريكاتير وأسلوب مميز لرسم شخصية “المصري أفندي” ..و “بنت البلد” ، وتزامل مع العديد من رواد فناني الرسوم الساخرة والنقد السياسي .. وفي عام ١٩٧٥ اختير من أحسن ١٠٠ رسام في القرن العشرين من قبل مجلة أستوديو الإيطالية .. نفذ في حياته حوالي ٤٠ ألف رسم كاريكاتيري وبعدها رحل عن عالمنا في يناير عام ١٩٧٧.
ساهم فن الكاريكاتير في تغيير المجتمع على مر العصور .. كما يرسم الضحكة والبسمة، فكان الراحل صاروخان نموذجًا للفنان المبدع، وناقدًا بناء للأوضاع الموجودة داخل وخارج مصر .. ورسوماته تفيض مهارة وأستاذية .. كما يحمل رسالة هي حصاد فلسفته وفكره الفني الذي يعتبر علامة مميزة في فننا المصري المعاصر.