أصعب شيء في هذه الحياة أن تضيع ملامح الإنسان ويبحث عن ملامحه في وجوه الآخرين .. يصرخ داخل نفسه وليس من مجيب .. يشعر بفراغ وليس من يملأ هذا الفراغ. يتألم من جرح عاصي متمرد رافض للأدوية والمراهم .. إنه الجوع العاطفي؛ حيث يبحث الإنسان عن مشاعر معينه ويسعى إليها بكل قوته. يريد أن يسد جوعه مهما كلفه هذا الأمر من خسائر .. مسكين هذا الإنسان الذي يقع فريسة لهذا النوع من الجوع. ولا تنحصر هذه المشكلة في جنس معين بل يعانى منها الرجل والمرأة على حدٍ سواء. ومن المؤسف أن الإنسان قد يتعدى على شريعة الله لسد جوعه العاطفي، فكم من الزواج الخاطئ يلجأ إليه الإنسان وكم من خطية بشعة تتم لسد هذا الجوع. ولولا أن الله تدخل في العهد الجديد ومنع تعدد الزوجات والطلاق لإحترقت كثير من الأُسَرْ في نار الجوع العاطفي، اذ قد يلجأ الإنسان إلى سد جوعه العاطفي عن طريق تعدد الزوجات أو الطلاق وهذا يتنافى مع وضع الإنسان في العهد الجديد إذ نجد أنه قد وصل إلى حالة من النضوج الروحي وحياة الكمال المسيحي وأصبح روح الله يسكن في داخله. وهناك فرق بين الميل العاطفي والجوع العاطفي. فالميل العاطفي أوجده الله بين الرجل والمرأة ليحفظ كيان الأسرة وتستمر الحياة بينهما، فهو جوع يعقبه شبع بمجرد إتحاد الإنسان بالطرف الآخر الذي يحبه. أما الجوع العاطفي فهو جوع مستمر لا يعقبه شبع أو يعقبه شبع مؤقت وفيه لا يكتفي الإنسان بالإتحاد مع الشخص الذي يحبه فقط ولكنه يبحث عن آخر ولا يكتفي به أيضًا بل يبحث عن ثاني وثالث ورابع فهو في حالة جوع مستمر. والجدير بالذكر أن هذه المشكلة لا تنتهي بالزواج، لأن الزواج لا يعصم الإنسان من الخطأ لكن الذي يعصمه عن الخطأ هو علاقته مع الله. ولذلك من أهم أسباب الجوع العاطفي هو إبتعاد الإنسان عن الله، فلا يوجد من هو قادر أن يشبعه ويملأ فراغ نفسه سوى الله وحده. لأن الله هو مصدر الحب، فإذا إنفصل الإنسان عن مصدر الحب لأصبح فريسة للجوع العاطفي. ويظل الإنسان يبحث عن الحب والشبع مع كل أحد ولا يجده. فلا يوجد من يملأ فراغ القلب من الداخل سوى الله وحده، وهذه هي الحقيقة التي طالما غابت عن الكثيرين، فراحوا يبحثون عن الحب خارج الله فأهلكهم هذا الحب. وليس هذا معناه أننا ضد الحب ولكن إن كان هذا الحب ضد الله فنحن مع الله. ونجد أن علماء المشورة يقدمون الكثير من الحلول لإحتواء مشكلة الجوع العاطفي وهذا نافع وجَيِّدْ ومفيد، ولكن الحل لابد أن يبدأ من الإنسان نفسه، إذ يجب أن يعلم أنه أمام مشكلة تحتاج إلى حل. ويجب أن يعلم أيضًا أنه مريض عاطفيًا ويحتاج إلى علاج. فلابد إذن أن يكشف هذا الضعف الذي قد يرقد بين ضلوعه منذ سنين ولا يريد أن يفصح عنه لأحد .. نعم يكشفه لمرشد روحي خبير ومدرب على حل مثل هذه المشاكل، ولابد أن يصبر على مرارة العلاج حتى يبرأ من مرضه، وقبل كل شىء لابد أن يطرح نفسه أمام الله ويقول له إن لم تمد يدك وتعالج هذا الضعف لن أبرأ منه أبدًا. لابد أن يطلب الله ويقول له تعالى إملك على هذا القلب وإطرد منه هذا الجوع وإحرق فيه كل شهوة. ولابد للإنسان أيضًا أن يكون عنده مبدأ التضحية .. نعم يضحي بهذه المشاعر الخاطئة ويختار الله مهما كلفه هذا الإختيار من تعب ومشقة. والله في هذا كله لن ينسى تعبه وجهاده بل سيسنده ويقويه ويشجعه لكى يبرأ. ونحن نثق في الله المحب الذي لا يترك الإنسان ولا ييأس منه .. نثق في الله القوي القادر أن يرفع كل ضعف ويشفي كل ألم.