انطلق يوم السبت 2 فبراير، الملتقى العلمي الأول للعمارة القبطية الذي ينظمه معهد الدراسات القبطية بالكاتدرائية المرقسية بالأنبا رويس.
اشتمل الملتقى على أربع محاضرات تناولت العمارة القبطية من جوانب مختلفة..
قدم المحاضرة الأولى المهندس سامح عدلي الذي له باع كبير في مجال ترميم الأديرة في مختلف أنحاء مصر. وكانت عن “مقارنة بين برية شيهيت وبرية الأساس” من حيث التراث والطرز المعمارية للأديرة موثقة من واقع الوثائق والمخطوطات لأن أغلبها اندثر.. بدأت المحاضرة بتحديد مكان “برية شيهيت” وهي لم تقتصر على المنطقة التي تضم الأربع أديرة العامرة الأن في وادي النطرون، البراموس – السريان – أنبا بيشوي – أبو مقار، ولكنها امتدت شمالاً لمنطقة رهبانية قديمة عرفت باسم “نيتريا”. كانت موقعاً مثالياً لنشأة مجتمع رهباني في القرن الرابع لأنها كانت تطل على قناة “نوقراتيس” التي تصل بين النيل وبحيرة مريوط وبذلك كانت منطقة زراعية وبها جزء صحراوي في الجنوب، فكان الرهبان يقيمون المنشوبيات – تجمعات صغيرة لإقامة الرهبان- في الصحراء جنوباً ويعملون بالزراعة شمالاً.
وعندما ازدحمت منطقة “نيتريا” بالرهبان امتدت الرهبنة جنوباً لمنطقة أخرى اسمها “كيليا”. واكتشفت حفائر كثيرة لمنشوبيات وقلالي بتلك المنطقة على يد فرق كثيرة منهما المعهد الفرنسي للأثار الشرقية “أي أف أه أو” وجامعة جنيف ووزارة الأثار المصرية. وظهرت العديد من الإصدارات توثق الاكتشافات وأنماط البناء والطرق المستخدمة لتغطيات المباني فيها وخاصة القباب ومنها نوع فريد المعروف باسم “ضرقة السلحفاة”. وأغلب المباني هناك كانت من الطوب النئ. وبالرغم مما تزخر به القيمة من القلالي التي امتدت على مساحة حوالي 400 فدان إلا أن كل هذه الأرض تم حرثها وزراعتها ولم يتبق منها غير منشوبيتين فقط.
وبعد ذلك اتجهت الرهبنة جنوباً إلى منطقة “اسقيط” بوادي النطرون تضم الأديرة الأربعة العامرة: دير البراموس، دير أبو مقار، دير السريان ودير الأنبا بيشوي، كما كانت تضم بعض الأديرة المندثرة منها: دير موسى الأسود، دير يحنس القصير، دير يحنس كاما، دير الأرمن، دير الأنبا إلياس (دير الأحباش)، دير نوب، ودير الأنبا زكريا. وتلك هي الأديرة المندثرة الموثقة ولكن ربما وجدت أديرة أخرى غير موثقة.
وذكر المهندس الباحث أنواع المنشوبيات المختلفة خلال الاكتشافات في منطقة “كيليا”. والمنشوبية تجمع يحيط به شبه سور وتتكون من غرف تلتف حول حوش، ومنها غرفة للشيخ الكبير مؤسس المنشوبية وغرف للتلاميذ ومطبخ قريب من المدخل ودورات مياه وبئر. ومن الملاحظات التي لفتت الانتباه ان الغرفة الملاصقة لغرفة الشيخ الكبير كانت مخصصة للخادم الخاص به وكان يوجد في الحائط الفاصل بينهما فتحة بها جرة فخار مفتوحة من الطرفين للاتصال الصوتي بينهما، وبذلك يمكنه أن يستدعيه مع الحفاظ على خصوصية الشيخ.
ومع تطور النماذج ظهرت غرف إضافية أشبه بغرف الضيوف لأن قديماً كان بعض الأباء يتنقلوا بين المنشوبيات ليتعلموا من الشيوخ الكبار. ونماذج أخرى ظهرت لاحقاً فيها “مائدة” حيث يجتمع قاطني المنشوبية للأكل معاً، وهذا يدل على أن عددهم كان يزيد في المنشوبية. وفي بعض النماذج تم تحويل المائدة لكنيسة. ثم ظهرت نماذج أخرى بها حصن – سواء داخل المنشوبية أو منفصل عنها، لتتحول من منشوبية إلى دير صغير. ثم بدأت تتعدد الكنائس داخل نموذج من المنشوبيات وأخيراً ظهر نموذج به كنيسة تنفصل تماماً عن المنشوبية.
أما عن تطور شكل الكنائس في برية شيهيت، فينقسم إلى أنماط مختلفة، فكانت تتكون أولاً من 3 غرف – هيكل ودياقونتين وصحن ومدخلها من الناحية القبلية. ثم النمط الثاني ظهر بإضافة كنيسة أخرى بجانبها بمدخل من الناحية البحرية وأصبحت أكبر من حيث المساحة وبها 3 ممرات، ثم جاء النمط الثالث حيث بدأ يظهر الشكل التقليدي ذو الصحن الكبير في الوسط وممرين جانبيين وممر غربي في الكنيسة، ثم ظهر نمط يضم المعمودية، ولاحقاً بدأت تظهر للمنشوبية كنيسة مزار لقديس متنيح.
واشتهرت منطقة “كيليا” بالزخارف البسيطة من المواد المتوفرة بالمنطقة. وكانت تشبه الرخام في نقوشها وعليها صلبان وبعض الطيور مثل الطاووس.
أما عن منطقة “اسقيط” والأديرة العامرة الأن، فكانت مداخلها قديماً من الناحية البحرية، ومعظم كنائسهم على الطراز البازيليكي ماعدا دير أبو مقار الذي تأخد كنيسته شكلاً مستعرضاً. وتشتهر كنائس أديرة وادي النطرون أن بها ما يسمى ب”الدوكسار” ومعناه “بهو مدخل”. ومن أقدم المنارات التي توجد في البرية وربما في مصر كلها منارة كنيسة الشيوخ بدير أبو مقار.
ثم انتقل الباحث إلى برية “الأساس” التي تقع بين محافظتي قنا والأقصر، في منطقة “نقادة” التي اشتهرت بصناعة النول والفركة (نوع من الشيلان التي كانت تصدر للسودان) وكل الأسرة كانت تعمل في تلك الصناعات أو الحرف اليدوية قديماً.
وهذه المنطقة بها أثار تعود لعصور ما قبل التاريخ والعصورالفرعونية والحقبة المسيحية. كانت تظهر بعض العلامات على المنازل، فمثلا كانت هناك عادة أن كل البيوت يصلوا مزامير السواعي وكانت يتم توزيع المزامير من على أسطح المنازل ولذلك نجد نهايات الأسطح تأخذ شكل الأربع قرون الموجودة بالمذبح في اسرائيل.
كل بيت كان فيه ما يسمى بال “مندرة” في إتجاه البحري القبلي حتى يجلس فيها الناس وقت شدة حرارة الجو.
وكان لهم طراز في البناء مع اقتباسهم لفكر المصري القديم مثل مبنى المدرسة الأقباط حيث استخدموا فيه الطوب الأحمر لعمل تيجان الأعمدة على شكل الزهرة المفتوحة. وكانت المباني والواجهات من الطوب الأحمر أو الطوب النئ لكن كانت عليها زخارف رائعة.
واشتهرت “نقادة” بأعمال النجارة والمشربيات، وأغلبها اندثر الأن. وكان بها قصر كبير لعائلة غنية من الطوب النئ تعلوه قبة مثل القبة الموجودة بدير “القصر والصياد” للأنبا بلامون. ووجدت تلك القبة في قنا كثيراً لشهرتها بشفط الهواء الساخن من البيت وطرده خارجاً.
أما عن الأديرة الموجودة في برية “الأساس” من الشمال، فيوجد دير مارجرجس في منطقة “المحروسة” – “البلاص” قديماً ودير الملاك ودير الصليب ودير أبو الليف ودير الأنبا بيسنتاؤس، ودير مارجرجس المجمع ودير مار بقطر ودير الملاك جامولة. أما إذا اتجهنا جنوباً فنجد بعض التجمعات الرهبانية وبعض المنشوبيات في المنطقة التي تمتد إلى مشارف الأقصر.
والطراز الأول المعماري لكنائس الأديرة، كان يعلوه عدد كبير من القباب فوق صحن الكنيسة ( 9 أو12 قبة) إضافة إلى قباب الهياكل. وكل القباب في أغلب الأحيان يكون لها نفس الشكل ونفس الحجم. وعرض علينا الباحث مثال لكنيسة بدير الصليب من القرن 18التي تهدمت وهو أعاد بناءها بالكامل بالطوب النئ ولها 12 قبة. وتم ترميم الدير بأكمله وتزويد بعض العناصر له مثل بعض القلالي ودورات مياه.
أما في دير أبو الليف ترجع فيه الكنيسة للقرن ال18، أيضا دير القديس بيسنتاؤس به كنيسة بها قباب بنفس الفكر.
والطراز الثاني المعماري لكنائس الأديرة، كان يشتهر بوجود قبتين فوق صحن الكنيسة فقط، مثل دير الشهداء بإسنا، ودير ماربقطر وكنيسة “ماريوحنا” بدير “المجمع” في نقادة وهي شبه منتهية منتظرة الترميم وكذلك من أشهر الأمثلة لهذا الطراز كنيسة بدير الأنبا هدرا جنوباً.
والطراز الثالث والأخير، هو الكنيسة على الطراز البازيليكي يغطيها قبو بالاتجاه العرضي وليس الطولي، مثل كنيسة مارجرجس بدير “المجمع”.