ضمن فاعليات مؤتمر أصدقاء التراث العربي المسيحي الـ”26″، والذي عقد بمركز دراسات مسيحية الشرق الأوسط، بكلية اللاهوت الإنجيلية بالعباسية القى الراهب القس يسطس الأورشليمي بحثه الهام عن شخصية الأرخن المعلم إبراهيم الجوهري سرد فيه العديد من النقاط الهامة والإيضاحات حول شخصية هذا الأرخن الفاضل.
فقال إن شخصية الأرخن المعلم إبراهيم الجوهري شخصية فريدة في زمانها وبين جنسه من الأقباط لما تمتع به من فضائل مسيحية و مكانة رفيعة عند حكام ذلك الزمان وبطاركة الكنيسة القبطية وجميع الناس الذين تعملوا معه.
ظهر هذا الرجل العظيم في أواسط القرن الثامن عشر إلى أواخر القرن الثامن عشر، من أبوين متواضعين واسم والده يوسف الجوهري وكانت صناعته الحياكة في بلدة قليوب وتعلم في الكتاب البلدة فتعلم الكتابة والحساب وأتقنهما.
فلقد استطاع بمهارته وأمانته أن يصل إلى أعلى المناصب بجانب محبته لله وتواضعه ومساعدة الجميع حسب وصية المسيح فلقد اعتبرا نفسه وكيل على أموال الله التي لديه فتصرف بها بكل أمانه فنال أجره الوكيل الحكيم، فلقد كان نموذج جيد وقدوة حسنة لكل الذين يعيشون في العالم وتحت أي ظروف ورغم ذلك أحب المسيح وخدم كنيسة خدمة متميزة خالدة وصار مثال للعطاء بكل سخاء حتي اصبح اسمه على كل لسان وقصص العطاء للكنيسة والأديرة والفقراء في مصر وخارجها.
تدرجه في الوظائف
تقلد أول وظيفة له عند أحد المماليك، واشتهر منذ حداثته بنسخ الكتب الدينية وتقديمها إلى الكنائس على نفقته الخاصة وكان يأتي بما يتمم نسخه من الكتب إلى البابا يوانس الثامن عشر البطريرك 107.
وقد لفت نظر البابا كثرة الكتب التي قدمها إبراهيم وكثرة ماتكبده من نفقات في سبيلها فاستفسر منه عن مورد المصاريف التي يصرفها على نساخة هذه الكتب وتجليدها. فكشف إبراهيم الجوهري عن حاله فسر البابا من غيرته وتقواه وقربه إليه وباركه قائلا “ليرفع الرب اسمك، ويبارك عملك، وليقم ذكرك إلى الأبد” وبهذا توقفت العلاقات بينه وبين الأب البطيرك المحب لأولاده.
بعد ذلك طلب البطريرك من المعلم رزق رئيس الكتاب وقتئذ تأخذه كاتبا خاصا له واستمر حتى أواخر أيام علي بك الكبير الذي ألحقه بخدمته أن يقبله كاتبا خاصا له فقبله. حل محل المعلم رزق عندما تولي محمد بك أبودهب مشيخة البلاد فاعتزل معلم رزق من رئاسة الديوان وتولي مكانه إبراهيم فأقر رأي الجميع إبراهيم ليخلفه في مكانه لما عرف عنه من الاستقامة والنزاهة.
وبعد ما توفي أبودهب وخلفه في مشيخة البلاد إبراهيم بك تقلد المعلم إبراهيم الجوهري رياسة كتاب القطر المصري وهي أسمى الوظائف الحكومية في ذلك العصر.
وكان إبراهيم الجوهري متزوج وكان لديه ابن يُدعى يوسف وابنه تُدعى دميانة ولكن شاء القدر أن يتوفى ابنه قبل موعد زفافه بقليل فحزن عليه أبواه ولكن ظهر لهم الأنبا أنطونيوس واعلمهم أن سبب نقل ابنه إلى السماء هو حفظ اسم المعلم إبراهيم الجوهري.
الألقاب التي أطلقت علي إبراهيم الجوهري
كان المعلم إبراهيم الجوهري محبوب من جميع ولهذا أطلق الناس عليه لقب “سلطان القبط” ويدل على ذلك نقش قديم على أحد هياكل تحدي الكنائس دير الأنبا بولا، حيث قيل من جبرتي أنه وصل إلى مكانة لم يصل إليها أحد من أبناء جنسه فكانت له علاقات طيبة مع جميع كبار رجال الحكم من المسلمين وكانوا يحبونه ويكرمونه .
كما شهد أيضا بنفس كلام الجبرتي الأنبا يوساب بن الابح أسقف جرجا وأخميم المشهور والمعاصرله. وفي الحجج رسمية أخرى “المعلم إبراهيم الجوهري ولد الذمي يوسف”.
صار إبراهيم رئيسا للكتبة وبلغ اسمي رتبة كان يتطلع إليها القبطي حينئذ فبالغ في إنكار ذاته وإظهار تواضعه وعكف على صنع الخير لجميع الناس بدون تمييز بين أهل الأديان واتصل خبره بإبراهيم بك الوالي فعززه وأكرمه واختصه بثقته ولما رأى المعلم إبراهيم الفرصة سانحة أمامه ليقدم خدمة لامته شرع يعمر الكنائس الخيربة ويصلح ما فيها من الخلل واشترى أملاكا كثيرة واقفها عليها ويوجد بدفتريه البطريركية صورة 238 حجه لتلك الأملاك التي اشتراها ذلك الرجل المغبوط وتنازل عنها للكنائس و29 حجج الترميم في القاهرة والثغور بجانب ترميم أديرة الصحراء.
وفاة المعلم إبراهيم الجوهري
تنيح المعلم إبراهيم الجوهرى في يوم الاثنين الموافق ٢٥ بشنس سنة ١٥١١ للشهداء الموافق ٣١ مايو ١٧٩٥ للميلاد سنة 1209 ه وهو ثاني يوم عيد دخول السيد المسيح أرض مصر ولقد دون اسمه في سنكسار تحت اليوم الخامس وعشرون من شهر بشنس وكتب قصة حياته وأعماله فعندما توفي الارخن معلم إبراهيم الجوهري كانت تعتبر رنة حزن دقت في جميع الأوساط فحزن الجميع فسار أمير البلاد في جنازته إكراما وتقديرا لمقامه ورثاه البابا يوأنس الثامن عشر والأنبا يوساب بن الابح في كتابه (سلاح المؤمنين) بمرثية بليغة وحزن إبراهيم بك فشوهد يمشى في جنازته وهو يأسف على فقده أسفا عظيما.
وكتب عن وفاته أيضا المؤرخ الكبير المعاصر له عبد الرحمن الجبرتي. ولقد قال صاحب الكرمة إن رسم الحجج التي أوقف أعيانها بلغت ثمانين ألف ريال وموقوف على كل دير ثمانين كيسا والكيس اصطلحوا على قيمته خمسة جنيهات فكم تكون كمية الأعيان الموقوفة.
المعلم إبراهيم الجوهري والأراضي المقدسة
إذا حولت نظرك شطر البيت المقدس ترى دلائل همته وفي الأديرة إلى الآن تشاهد آثار خيراته الجزيلة بالأدلة.
1 – إسقاط إبراهيم الجوهري لدير القمامة (القيامة) باب سعادة12قيراط في مكان وحانوت بأسفله11 جماد آخر سنة 1186 هـ.
2 – باسم إبراهيم الجوهري لدير القمامة (القيامة) بحارة الروم20 صفر سنة 1193 هـ.
3 – إسقاط من الذمي إبراهيم الجوهري لفقراء دير القمامة (القيامة) بحارة النصاري بالأزبكية بحجة الزاهد (محكمة الزاهد) ثلاثة حوانيت مؤرخة في 30 رجب سنة 1194هـ.
4 – باسم يوسف ولد إبراهيم الجوهري واخته جميانة (دميانة) وبنت عمها مختارة لفقراء القمامة (القيامة) في مكان بحارة النصاري بأربع حجج 16قيراط بتاريخ 18 شوال سنه 1191هـ.
وفي سنة تاريخه في أول شهر امشير سمح الله القدوس بعزاء ما وجد نظيره في العالم إلى طائفة الأقباط وبهمة عظيمة لم توصف وهو أن حضرة المخدوم المكرم المعلم إبراهيم الجوهري معلم أمراء مصر كان محضر مصالح الميرون الطاهر وفي هذا اليوم الذي هو يوم الثلاث أمشير أرسلها صحبة أخيه المكرم المعلم الحاج جرجس الجوهري حفظهم الله إلى حضرة السيد الأب الفاضل البطريرك بالقلاية العامرة….جوابات بحضور حضرات الآباء الأساقفة من كراسيهم وحضروا الجميع خلاف أنبا ابرآم أسقف قسقام الذي كان مستعذرا وأنبا يوساب أسقف القيامة لأنه كان بالقدس ومن الغريب أنه لم يتذكر الوقفيات التي طبعتها في سجل حجج وأطيان وأملاك البطريكخانة وإنما الوارد في السجل المحفوظ هو نص الوقفيات ابتداء من سنة ١٥٩٧ التي من ضمنها صور حجج ومضابط وأوامر بأملاك الوقف بالقدس الشريف وأرسلها المتنيح الانبا باسيليوس مطران القيامة في غرة برمودة سنة ١٥٩٨ بتصديقه عليها فمنها ماهو باسم المترجم بحروفه.
ولئلا يظن أن نفوذه رحمه الله لم يتعد مصر لحماية الأقباط ومنع التعرض لشؤونهم إلا بالحسنى والمعروف فإني أنشر صورة الفرمان الآتي المؤرخ في أوائل ربيع آخر سنة ١٢٠٨ إلى”حضرة قاضي أفندي القدس الشريف والمتسلم بخصوص دفع التعديات والمظالم عن السكان والمتوطنين منهم بالقدس الشريف”.
الحاكورة وهي أرض تُحْبَس لزرع الأشجار قُربَ الدُّور.
اشتراها المعلم إبراهيم الجوهري رئيس الكتاب من الحاج عبد الله نقيب الأشراف بوكالة الأسقف يوسف بالقدس في عهد إبراهيم بك وأوقفها على الكنيسة القبطية. حجة بختم فضيلة الشيخ حسين أغا زاده محمود القاضي بالقدس الشريف وختم السيد محمد القاضي بالقدس الشريف بتاريخ غرة ربيع الأول سنة ألف وماية وسبعة وتسعين هـ 4 فبراير سنه 1782م. وهناك أيضا وثيقتان عن كيفية سدات المبلغ 1000 محبوب دهب و3322غرشا اسديا عبارة كل قرش من ذلك 40 نصفا فضة المحدد لهذه الحاكورة الأولى بتاريخ 3 ذي الحجة 1199هـ. والثانية بتاريخ 17ربيع أول 1206هـ وأما واسطاء المال والحجج هم المعلم إبراهيم حتحت – الشيخ عبد الرحيم القطب .
وقد مكر الروس على القس جرجس الذي كان وكيل المطران بالقدس فوقع لهم بدون وعي على عقد بيع هذا المكان بدون علم المطران بعد أن اشترها المعلم إبراهيم الجوهري بثلاث وثلاثون عاماـ ثم توفى بعد ذلك ـ وقد أقام به الروس الأرثوذكس حاليا كنيسه تحوى جزءا من السور القديم والبوابة التي مر منها رب المجد إلى الجلجثة ( التي كانت خارج الأسورا آنئذ) ويحتفظون بداخله على توابيت ذهبيه لاستعمالها في الصلوات مثل خزائن كتب الصلوات عند الأقباط.
وهناك أيضا المصبنة التي اشتراها المعلم إبراهيم الجوهري بوكالة المعلم سالم القبطي وكيل عنه والمعلم ميخائيل وكيل عنها بمدينة الرملة وقف وحبس جميع نصف المصبنة على مقام سيدنا الخضر عليه السلام الواقع بالقدس الشريف المسمي بمارجرجس من هيلانة ابنه جورجي واختها بمبلغ ألفان قرشا أسدية بحجة بتاريخ 1190 هـ وكان واسطاء المال والحجج المعلم ياسف وأخيه زكريه ولدى الترجمان والمعلم إسحاق القبطي.