تحالفت اتفاقيات الظلم حول العالم، لتنتج قوالب مادية بامتياز لا تعرف سوى لغة المال، لا تعرف كم يتبقى من أنفاس لدى من يئنون ارتياباً من الموت، آذانها صماء لا تسمع صرخات الاستغاثة الصادرة عبر أفواه من يترجون الحياة ليس من أجل الحياة، ربما لأجل أطفالهم الصغار.
راعوث.. ابنة 21 ربيعاً، تزوجت منذ أكثر من عام، حملت سريعاً، ليأتي مايكل إلي الحياة خاطفاً من أمه سر الحياة، عبر جراحة قيصرية قد تكون هي السبب الرئيسي في تردي صحة راعوث، لكن للأسف لا أحد يعلم أو يجهر بما جرى في الجراحة القيصرية، فبعد أن أنجبت راعوث ولدها في دير البرشا بالمنيا، أصابتها بكتيريا نادرة في الدم، ومن طبيب إلى طبيب، ومن مستشفى إلى مستشفى، حملها زوجها، الذي يمثل لها الزوج والأب، لأن راعوث يتيمة الأب.
لكن الحالة سارت من سيء إلى أسوأ، أصيبت بنزيف حاد في المعدة، وعبر تطورات طبية، تم إجراء جراحتين استكشافيتين، وقرر الأطباء نقلها للمركز الطبي العالمي، وهناك تم إجراء ثلاث جراحات: أولها استئصال جزء من الاثني عشر ثم استئصال جزء من المعدة، وأخيرا استئصال خراجين كبيرين علي الحجاب الحاجز، ولم يقف الأمر عند ذلك، لكن أصيبت راعوث بالتهاب رئوي عنيف، فوضعوها على أجهزة التنفس الصناعي.
حدثني بعض أقاربها، مستنجدين بباب افتح قلبك، بعد أن تراكمت فواتير المستشفى على الأسرة، حتى وصلت إلى ما يتعدى أربعمائة ألف جنيه.. لم تقصر والدتها أبداً وباعت المنزل وباعت الأرض، وجمعت 150 ألف جنيه، ثم لجأ زوجها الشاب الذي يعمل مبيض محارة إلى الكنيسة التي ساعدت بمبلغ قدره مائة ألف جنيه، ليكون المجموع 250 ألف جنيه، ليتبقى أكثر من مائة وخمسين ألف جنيه.
للأسف أطباء المركز الطبي العالمي قرروا رفع الأجهزة ومنع المحاليل والزيارة، الأمر الذي دفع أقاربها وأسرتها إلى رفع حجاب الحياء، المهم حياة راعوث..
وبدأت رحلة طرق الأبواب لجمع المبلغ المتبقي حتى يتم استئناف العلاج مرة أخرى، ونجحت الأسرة في طرق أبواب أصحاب القلوب الرحيمة، وتم جمع مبلغ مائة ألف جنيه أخرى ليتبقي حوالي 67 ألف جنيه وتزيد كل يوم، لأن راعوث مازالت قيد الاعتقال في مملكة التوحش التي لا تعرف كيف يكون المرض في غياب المال.
لجأ الأقارب إلى استدعاء أطباء موثوق فيهم من مركز السيدة العذراء بأرض الجولف، وقرروا حينما شاهدوا وفحصوا حالة راعوث، أنه لا يمكن نقلها حالياً فالنقل فيه خطورة شديدة على حياتها.
كانت أسرتها تتعشم في نقلها لمستشفي فريد حبيب بالعبور لتكون حالة من حالات الرعاية الكنسية، لأن الفاتورة قاربت على النصف مليون جنيه وراعوث لم تتحسن، فهل يتركونها للموت؟ هل المعادلة تظل لصالح التوحش إما المال أو الموت، ألا يوجد طرف وسط يحل المعادلة دون اللجوء للمال أو الفرار إلي الموت لحل المعادلة المقيتة؟
قررت الذهاب إلى المركز الطبي العالمي، هناك في الدور الثاني من قسم الرعاية المركزة، التقيت بالطبيب المعالج الذي أكد لي صعوبة الحالة جداً، وأنه لا يمكن التنبؤ بأي شيء، فطلبت منه الدخول إليها، وسمح لي رغم انتهاء موعد الزيارة، وكان بصحبتي رجل مرهف الحس يحاول المساعدة لكنه يريد التيقن من الحالة.
عبر عنبر ترقد في أرجائه حالات يمكن أن يشتم القاصي و الداني آلامها, وصلت إلى السرير رقم 8 الذي ترقد فيه راعوث، نظرت عضوة طاقم التمريض في عيني نظرة لن أنساها ما حييت، نظرة ملؤها اليأس والرثاء والحزن، ثم سألتني: هل تنتمي لأقاربها أم إلى من يساعدونها؟ أجبت على سؤالها بسؤال قائلة: هل معني كلامك أن كثيرين ممن لا يعرفونها يزورونها؟ أجابت: نعم، كل من يريد مساعدتها يأتي ليتأكد من وجودها ويدفع أي مساهمة في الفاتورة المتراكمة..
خلف الستار الذي يحجب السرير عن عنبر الرعاية رقدت راعوث لم أر ملامح وجهها من كثرة الخراطيم التي نفذت إلى أحشائها عبر أنفها وفمها، حتى ساقيها غطاهما شاش وقطن إلي الركبتين.. صغيرة، بريئة، لم تفرح بولدها، ولا بشبابها، نحيلة الجسد، مغلوبة على حالها تفتح عينها لكنها لا ترى، تتنفس عبر خرطوم ممدود إلى فمها فيخرج الريم من بين شفتيها.
كان بجواري الرجل الذي طلب أن يراها رؤي العين، لم يحتمل المشهد المؤلم فأجهش بالبكاء وانطلق خارج الرعاية المركزة، لأبقي أنا بعد أن تسمرت قدماي في الأرض من هول المنظر. ثم قالت الممرضة: لو عايزين تعرفوا هاتعدي ولا مش هاتعدي دي حاجة في إيد ربنا، وكانت تقصد الشفاء أو الموت.
تركنا الرعاية وذهبنا إلي الحسابات حتى نحاول الحصول على أي تخفيض لكن لم نفلح، وما قيل لنا يتلخص في وجوب التفاوض مع الدكتور عمرو حجاب مدير المستشفى، وإلى الدكتور عمرو حجاب نطلق استغاثتنا.. راعوث تموت ولا يمكن نقلها إلى مستشفى آخرى، ولا يوجد مال حتى يتم دفعه للمركز الطبي العالمي، فحتي الآن يتبقى حوالي 67 ألف جنيه لم يتم دفعها، فهل إذا تم دفعها يتحنن الدكتور عمرو حجاب بعدما قاربت فاتورتها على نصف المليون جنيه ليحتملها حتى تتحسن ظروفها الصحية أو تسمح حالتها لنقلها إلى مستشفى آخرى؟ أو يتحنن البعض ويمنح راعوث قبلة الحياة لتعود لولدها وشبابها ووالدتها التي ستموت بالحسرة والحزن على ابنتها؟
تواصلوا معنا عبر المحمول – 01224003151
تليفون أرضي بجريدة وطني 0223927201
البريد الالكتروني: [email protected]
البريد: مؤسسة وطني للطباعة والنشر – باب افتح قلبك ، 27 ش عبد الخالق ثروت، القاهرة