(مت1:23) (إش7:14)
أهنئكم يا إخوتي جميعا بعيد الميلاد المجيد, جعله الله عيدا مباركا لكم جميعا, وللكنيسة المقدسة, ولبلادنا مصر المحبوبة, وللعالم أجمع.
وأحب أن أتأمل معكم في هذا الاسم العميق في معناه عمانوئيل الذي دعي به السيد المسيح له المجد في بشارة الملاك به (مت1:23), وفي النبوءة عن ميلاده في سفر إشعياء النبي (إش7:14).
الله معنا:
جميل هذا الاسم الذي دعي به السيد المسيح في مولده عمانوئيل الله معنا. اسم فيه الكثير من التعزية, إذ فيه الكثير من حب الله لنا.
إن بركة عيد الميلاد هي هذه: أن نشعر أن المسيح هو الله معنا, الله في وسطنا, ساكن معنا, وساكن فينا.
الله في الحقيقة يحب البشر جدا, مسرته في بني البشر, يحب أن يهب الإنسان لذة الوجود معه, ويحب قلب الإنسان كمكان لسكناه.
منذ أن خلق الإنسان, خلقه علي صورته ومثاله, وأراد أن يجعله موضعا لسكناه, أراد أن يسكن في قلب الإنسان ويحل فيه.
ومرت آلاف السنوات, وإلهنا الصالح يحاول أن يجد له موضعا في الإنسان, ولكن الجميع كانوا قد زاغوا وفسدوا, ليس من يعمل صلاحا ليس ولا واحد.. لم يجد الرب في قلوبهم موضعا يسند فيه رأسه.. فماذا عنك أنت أيها المبارك؟
إن الله ينظر إلي قلبك ويقول: هذا هو موضع راحتي إلي أبد الأبد. ههنا أسكن لأني اشتهيته (مز132:14).
مسكن الله مع الناس:
إن سكني الله مع الناس وفي وسطهم, هي قصة قديمة. إنها قصة خيمة الاجتماع وتابوت العهد, التي فيها نري الله يسكن وسط شعبه.
وكما أن سكني الله مع الناس دلالة خيمة الاجتماع, هي أيضا دلالة أورشليم السمائية في الأبدية, التي قيل عنها: هوذا مسكن الله مع الناس. وهو سيسكن معهم. وهم يكونون له شعبا. الله نفسه يكون معهم (رؤ21:3).
وقد وضح هذا المعني بتشبيه أقوي في حبه:
قال: إنه الرأس ونحن الأعضاء, وقال الرسول عنا ككنيسة إننا: جسد المسيح, ولعل مثل هذا التشبيه هو ما قصده الرب بقوله: أنا الكرمة وأنتم الأغصان (يو15:5), وطلب منا أن نثبت فيه كما تثبت الأغصان في الكرمة, ولعل هذا أيضا هو جزء من الصلاة الطويلة التي صلاها في بستان جثسيماني, حيث قال عن تلاميذه: أنا فيهم, وأنت في, ليكونوا مكملين إلي واحد (يو17:23).
الله الذي حل في بطن العذراء لكي يأخذ منها جسدا, يريد أن يحل في أحشائك لكي يملأك حبا.. إن أفضل مسكن لله هو فيك. الله لا يسر بالسماء مسكنا له, بل هو واقف علي بابك يقرع لكي تفتح له (رؤ3:2), وهو يعتبر جسدك هيكلا لروحه القدوس ويسكن روح الله فيه (1كو3:16).
الله الذي يصر في إلحاح أن يسكن فيك, يخاطب نفسك الحبيبة إليه بتلك العبارات المؤثرة: افتحي لي يا أختي يا حمامتي يا كاملتي, فإن رأسي قد أمتلأ من الطل, وقصصي من ندي الليل (نش5:2). وتصور أن الله واقف طول هذه المدة يقرع علي بابك محتملا من أجلك الطل وندي الليل.
سماؤه الحقيقية هي قلبك, لذلك يطلب إليك علي الدوام, قائلا: يا ابني أعطني قلبك… (أم23:26).
إنه يقول لكل نفس بشرية ما قاله المرتل في المزمور: اسمعي يا ابنتي وانظري وأميلي سمعك, وانسي شعبك وبيت أبيك, فإن الملك قد اشتهي حسنك, لأنه هو ربك (مز45:10, 11).
إن عبارة الله معنا لم يقصد بها أن يكون عمانوئيل معنا في فترة تجسده فقط, وإنما علي الدوام.
وهكذا يقول الرب: ها أنا معكم كل الأيام وإلي انقضاء الدهر (مت28:20). ويقول أيضا: إن اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي, فهناك أكون في وسطهم (مت18:20). ويظل الرب معنا في الأبدية التي لا تنتهي, وعن هذا الأمر قال للآب: أيها الآب, أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي, حيث أكون أنا (يو17:24). وقد طمأننا من جهة هذا الأمر, فقال: وإن مضيت وأعددت لكم مكانا, آتي أيضا وآخذكم إلي, حتي حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضا (يو14:3). وهكذا قال يوحنا الرائي عن أورشليم السمائية إنها: مسكن الله مع الناس (رؤ21:3).
هل إلي هذا الحد يارب؟ نعم: أنا أريد أن أسكن معكم, وأحل فيكم. أجد لذة في عشرتكم. أحب أن أكون في وسطكم.. أنا عمانوئيل, الله معكم..
إن بركة عيد الميلاد تتركز في عبارة (عمانوئيل) الله معنا, فإن كنت يا أخي تحس أنك مع الله, والله معك, تكون قد تمتعت فعلا ببركة عيد الميلاد.. لا تظن أن عيد الميلاد هو اليوم الذي انتهينا فيه من الصوم وبدأنا نفطر!! أو أن عيد الميلاد هواليوم الذي عملنا فيه قداس العيد بطقوسه وألحانه الفرايحي.. عيد الميلاد من الناحية الروحية هو عشرة عمانوئيل, الذي هو الله معنا..
إن الله لا يريد منك شيئا غير قلبك ليسكن فيه.. كل عبادتك وصلواتك هي مجرد عبادة خارجية, إن لم يكن لله مسكن داخل قلبك.
* الله يريد أن يقيم صداقة معك, يقول الكتاب: وسار أخنوخ مع الله, ولم يوجد لأن الله أخذه (تك5:24). منظر جميل أن نتخيل أخنوخ وهو سائر مع الله, وشعور عميق كيف أن الله لم يمكنه الاستغناء عن أخنوخ, فأخذه إليه..