(مت1:23) (إش7:14)
بقلم المتنيح مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث
إن بولس الرسول يشرح مجيء الرب الثاني علي السحاب, واختطافنا إليه, فيختم هذا المشهد الجميل, بقوله: وهكذا نكون كل حين مع الرب, لذلك عزوا بعضكم بعضا بهذا الكلام (1تس4:17, 18).
وهنا علي الأرض نلمح ملاحظة قوية في حياة القديسين.. وهي أن القديسين كانوا يشعرون دائما بوجودهم في حضرة الله. كانوا يرونه معهم علي الدوام, أمامهم وعن يمينهم..
إنها عبارة متكررة علي فم إيليا النبي إذ يقول: حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه (1مل18:15). من فينا شعر باستمرار أنه واقف أمام عمانوئيل الذي هو الله معنا؟..
داود أيضا كان يحس علي الدوام بوجود الله معه إذ يقول: رأيت الرب أمامي في كل حين, لأنه عن يميني فلا أتزعزع (مز16:8), ما هذا يا داود؟ هل الرب أمامك أم عن يمينك؟ هو معي في كل حين وفي كل موضع, وفي كل اتجاه أشعر بوجود الله..
* إن الشخص الذي يشعر بأن الله أمامه, لا يمكن أن يخطئ, سيخجل حتما من الله. ويقول: هوذا الله يراني وأنا أعمل, هوذا الله يسمعني وأنا أتكلم. الله له عينان كلهيب نار تخترقان الظلام, فلو أننا شعرنا أن الله كائن معنا, لكان من المستحيل علينا أن نخطئ. إن خطايانا دليل علي أننا غير شاعرين بوجوده معنا.
هناك حادثة حدثت مع القديس مارأفرام السرياني تثبت هذا الأمر.
في إحدي المرات هددته امرأة ساقطة أن تشهر به إن لم يطاوعها ويفعل الشر معها, فتظاهر بالموافقة علي شرط أن يحدث ذلك في سوق المدينة, فاندهشت المرأة وقالت له: كيف نفعل هذا في السوق؟! ألا تستحي من الناس وهم حولنا؟!, فأجابها القديس: إن كنت تستحين من الناس, أفما تستحين من الله الذي عيناه تخترقان أستار الظلام؟!, وكان لكلام القديس تأثيره العميق في المرأة فتابت علي يديه.
هل تظن يا أخي أن الملحدين فقط هم الذين ينكرون وجود الله؟! أؤكد لك أنك في كل خطية ترتكبها تكون قد نسيت وجود الله أو أنكرته عمليا. لو كنت مؤمنا فعلا بوجوده أمامك, لخجلت وخشيت.. لا شك أن إحساسنا بعمانوئيل- الله معنا- يعطينا الطهارة والنقاوة والقداسة, علي الدوام.
* وإحساسنا بوجود عمانوئيل, الله معنا, يعطينا الشجاعة وعدم الخوف.
لما بدأ يشوع خدمته, قال له الرب: لا يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك, كما كنت مع موسي أكون معك, لا أهملك ولا أتركك.. تشدد وتشجع, لا ترهب ولا ترتعب, لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب (يش1:5, 9).
الإنسان الذي يشعر بوجود الله, يشعر بقوة عظيمة معه, تزيل منه كل خوف وكل اضطراب, وتهبه الثقة والاطمئنان.. واحد يسألك سؤالا محرجا, فتخاف, وتكذب! لماذا تخاف؟ إن الله معك.. لا يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك.
خطية الخوف هي خطية عدم إيمان, وعدم إيمان بعمانوئيل ورعايته. كان داود شجاعا, وكان يقول: الرب نوري وخلاصي ممن أخاف.., وإن نزل علي جيش فلن يخاف قلبي, وإن قام علي قتال ففي هذا أنا مطمئن (مز27:1, 3). الرب عوني فلا أخشي ماذا يصنع بي الإنسان (مز11:6). وفي هذه العبارات نلمح الفرق بين شجاعة القديسين وشجاعة أهل العالم, شجاعة أهل العالم سببها ثقتهم بقوتهم, وشجاعة القديسين سببها ثقتهم بوجود عمانوئيل, الله معهم.
ظهر الله لبولس الرسول في رؤيا بالليل وقال له: لا تخف, بل تكلم ولا تسكت, لأني أنا معك, ولا يقع بك أحد ليؤذيك (أع18:10).
القديس بولس أخذ هذه العبارة, وعاش بها, ممتلئا من الإيمان قوة. وقف قدام ليسياس الأمير, وفيلكس الوالي, وأمام العزيز فستوس وأغريباس الملك. ولم يستطع أحد منهم أن يؤذيه, بل علي العكس خافوا منه. لماذا خفتم أيها الملوك والأمراء من هذا الأسير المقيد بالسلاسل؟ يجيبون: لم نخف منه, وإنما من الإله الذي معه, من الرب الساكن فيه.. بولس هذا في شخصه نستطيع أن نقدر عليه, ولكن لا نقدر عليه عندما يقول: أحيا لا أنا, بل المسيح الذي يحيا في (غل2:20).
قبض ليسياس الأمير علي القديس بولس, فماذا فعل به؟ هل آذاه في شئ؟ كلا, بل أعد قوة مسلحة تتكون من 200 عسكري, و70 فارسا, و200 رامح, فأركبت القديس بولس,وأوصلته سالما إلي فيلكس الوالي بقيصرية.. (أع23:23, 24) صحيح يارب, أنت معنا. وقف القديس بولس أمام فيلكس: وبينما كان يتكلم عن البر والتعفف والدينونة العتيدة أن تكون, ارتعب فيلكس.. (أع24:25).
ارتعب الوالي من أسيره المقيد, من القوة العجيبة التي تخرج منه, من الله الذي معه, من عمانوئيل..
وقف القديس بولس أمام الملك أغريباس, فكانت النتيجة أن قال له الملك: بقليل تقنعني أن أصير مسيحيا (أع26:28). وشهد عنه قائلا: إن هذا الإنسان ليس يفعل شيئا يستحق الموت أو القيود.
هذه فكرة عن عمل عمانوئيل إلهنا, عندما يكون معنا, ويحطم كل قوة أمام عبيده, فلا يقع بهم أحد ليؤذيهم.
هذا هو عمانوئيل الذي كان مع الثلاثة فتية في أتون النار.
فلم تكن للنار قوة علي أجسامهم, وشعرة من رؤوسهم لم تحترق, وسراويلهم لم تتغير, ورائحة النار لم تأت عليهم (دا3:27), حتي انذهل نبوخذ نصر قائلا: ليس إله آخر يستطيع أن ينجي هكذا..