حرمان فقراء بلدته من أكل اللحوم وراء تعلمه الجزارة
كراسة الأخوة وضعت في الصندوق مع جسده كوصية “حقا اشترى الجبل كله”
بين سكان البراري و المغارات هناك من يتخفي وراء سلوك قد يبدو غير مألوف، لكنه في حقيقه الأمر نوعا” من الجهاد الروحى سعيا لاقتناء الفضائل وممارستها “فطوبى لمن يعطى الفقير و يرحم الجائع.. هذا هو مأمن به وسعى إليه خلال مسيرته على الأرض الراهب القمص ابادير الأنبا بولا “ابادير الجزار “..من هو.. وما هى بدايتهو علاقته بلقب الجزار؟
إلى جبل النمور في سن 19
ولد في قرية الرقاقنه في صعيد مصر مركز جرجا محافظة سوهاج
من رجل فلاح قروي بسيط يدعى رميس بشارة جاد الله وسيدة قروية بسيطة تدعى حكيمة قنديل عوض فأطلقوا عليه اسم يعقوب وكان ذلك في 20 يوليو 1934 .
ولما اشتد عوده قدموه الى المتنيح الانبا كيرلس مطران البلينا الذي اعطه الشموسية في كنيسة مارجرجس ( البحرية) في قرية الرقاقنة….
بعد سهرات شبابيه حول التسبحة ومعارف الكتاب المقدس والحديث الشيق عن حياة الاباء القديسين وكيف خرجوا من العالم متطلعين الى ما لا يرى عقد العزم على الخروج من بيت ابيه الجسدى باحثا عن سكنى البراري والاديرة.
وفي عمر التاسع عشر اتحد مع بعض شباب قريتة وفي صباح 19 فبراير 1953 خرج وكانه في نزهة قريبة لكنه هو ورفاقة بنية كاملة اتجهوا الى البرية الشرقية الى جبل النمور الى دير القديس العظيم الانبا بولا اول السواح وهناك تحت اقدام رئيس الدير واسقفة المتنيح الانبا ارسانيوس خضع الشباب وعلى وجوههم بريق الوداعة ونية الجهاد وعهد البتولية .ورشم عليهم رئيس الدير الصليب مباركاً قدومهم واعطائهم الفرصة لاختبار انفسهم في الحياة الجديدة داخل الدير .
وهناك بين طيات الجبل الشاهق وعلى الرمال الصفراء بدا الشاب يعقوب يتحرك ويتسلق سلم الفضيلة باحثاً عن طريق خلاصه ومفتشاً عن طريق العذارى الحكيمات في انتظار السيد الرب الى ملء افراح الملكوت.
ولما اجهد نفسه بعبادات وصلوات وتدريبات روحية ونسكية ووضحت علية عزيمة الجهاد وسكنى البرية قدموه لنوال ثياب الرهبانية بيد المتنيح الانبا ارسانيوس اسقف الدير .
ومد الانبا ارسانيوس يده على راسه ودعاه ابادير ( حبيب الاب ) ليبدا حياة جديدة وينسى ما هو وراء ويمتد الى ما هو قدام …… وتمت الرهبنة في النصف الاول من عام 1953.
ولصلابة عوده واصرار نيته لبس بالثياب الرهبانية في الوقت الذي عاد جميع اقرانه من شباب القرية الذين ذهبوا معه في ذلك الوقت….
ترشحه للدراسة
ولما كان للدير ارض زراعية وقع علية الاختيار ان يكون امينا عليها ورقيبا على توريد محصولها ومصليا لها فنزل الى قرية بوش (مركز ناصر) من اعمال بنى سويف وفي ذلك الحين قام المتنيح الانبا ارسانيوس برسامته قسا على مذبح المسيح المدشن على اسم القديس العظيم الانبا بولا اول السواح وكان ذلك عام 1963 وهنا بدات نعمة الله تعمل فيه بغزارة وحب شديد.
لشهوة قلبه الروحية والفكرية كان شغفه بالعلم واضح وذلك جعل رئيس الدير لم يتردد في ترشيحه للدراسة في مدرسة اللاهوت الخاصة بالرهبان في حلوان … وهناك انكب على الدراسة وتفتحت افكاره وعلت مفاهيمه فكان دارسا نافعا متعمقا فبدات عظاته تاخذ شكلا كتابيا لاهوتيًا مؤثرا فكانت تسلب لب الناس وانتباههم.
الهدوء والبساطة..من سمات خدمته
كان يرعى إيبارشية البلينا مطرانا تقيا متقدم الايام اسمه الانبا كيرلس ولما كان اصلا من رهبان دير الانبا بولا فاستعان بالراهب القس ابادير الانبا بولا ليقيم معه في المطرنية ويعاونه في إدارة المطرانية، وعلى اثر امانته رقاه الى درجة القمصية في 20 مارس 1973 فعمل وكيلا لمطرانية البلينا سنوات طويلة رعاية المطران المبارك الانبا كيرلس. وبعد نياحته تولى رعاية الايبارشية الانبا يوساب الذي لم يدم كثيرا وتنيح. وبعد نياحة الانبا يوساب توجهت دعوة للخدمة في مطرانية صنبو وديروط ومستقام وحبرية مثلث الرحمات المتنيح الانبا اغابيوس الذي كان يعتز بالراهب القس القمص ابادير ويوده بمحبة فياضة فرافق نيافة الانبا اغابيوس قرابة ثلاث سنوات وتغيرت الظروف في ايبارشية ديروط الامر الذي دعا الراهب القمص ابادير الى الاتجاه الى بلدته مسقط رأسه واقام لنفسه مسكنا في وسط الارض الزراعية التى كان يمتلكها والده لكي يكون بمعزل عن الناس وممارسة عبادته وحياتة الخاصة .
وحين علم نيافة الانبا مينا مطران جرجا بسكناه منفردا بالقرب من القرية سمح له بصلاة القداس في كنيسة القرية نظرا لحاجة القرية الى كهنة يخدمون فيها كما كان ينتدبه نيافة الانبا مينا للصلاة في الكنائس المجاورة للخدمة والصلاة.
تميزت خدمته بالهدوء والبساطة ورقة التعبير الى ايامه الاخيرة التي كانت كالظل الذي يبرح سريعا ولا يوجد … ولا غرابة!!
اشتريت الجبل كله
وبعد حياة حافلة بالجهاد وحياة الراهبنة مملوءة باسرار الجهاد الخاص، ولما كان مجمل حياته تسعة واربعون عاما قضى منها اثنان وثلاثون عاما في حياة الرهبنة والخدمة والتكريس، ولما حان وقت الرحيل مرض القمص ابادير مرضا بسيطا الزمة الفراش ثلاثة ايام.. وجمع على اثرها الاقرباء والمحيطين وعرفهم انه سيغادر الجسد الى عالم الامجاد وطلب منهم بناء مدفنه خاصة به كراهب كما طلب ان توضع معة كراسة اخوة الرب وان يصلى علية في كنيسة القرية وفعلا في مساء الاحد 2 يناير 1983 انطلقت الروح البتولية الى الرب الذي احبها لكى تنضم الى عالم الابكار والقديسين.
وقبل نياحته بيومين وهو بكامل صحته روى المقربين حلم أنه اشترى الجبل كله ولم يفهم معنى هذا الحلم ولم يتم تفسيره إلا بعد يومين إذ تتيح وبنيت له مقبرة منفردة في الجبل. و كل من يزور الجبل يشير إلى مقبرة القمص ابادير. حقا اشترى الجبل كله
سبب شهرته بالجزار
اعتاد أهل الرقاقنة أكل اللحوم من بعض الجزرين غير المسيحيين حيث لا يوجد جزار مسيحي واحد في القرية او القرى المجاورة، ولاحظ الراهب القمص ابادير حرمان فقراء القرية من أكل اللحوم ربما لقصر اليد او لغلاظة معاملة الجزارين لهم…. أو لبؤس الحالة الاجتماعية. تقرب القمص ابادير في جسارة او بساطة الى احد الجزارين طالبا منه ان يتعلم الجزارة … فبدأها اولا بأنه اشترى عجلا ودعى احد الجزارين لذبحة وجلس امامه ينظر كيف يتم ذلك … وبالفعل بدا يقوم بنفسة بذبح العجول بعد شراؤها وتسمينها.
وبدأ الناس في شراء اللحم من الجزار الراهب او الراهب الجزار وفي بساطة لكى يرضى كل واحد من ابناء قريته. وبدأ الفقراء وذوى الحاجة فافتح كراسة يكتب فيها اسماء اولئك المحتاجين على ان يقوموا بالسداد خلال اسبوع وربما افتتح هذه الكراسه لكى لا يسبب لهم حرجا، فهو لم يسال يومًا ان يسدد له احد مستحقات وظال هكذا ياتى الاغنياء دافعين والفقراء مكتوبين في دفترهم، وهكذا استمر الحال الى يوم انتقاله ووضع الدفتر كاوصية في الصندوق مع جسده.