ينعي الحزب الشيوعي المصري ببالغ الحزن والأسى رحيل الرفيقة ثريا شاكر، زوجة ورفيقة عمر ونضال الرفيق المهندس فوزي حبشي ووالدة الرفاق والأصدقاء حسام وممدوح ونجوى، التي رحلت عن عالمنا اليوم بعد رحلة نضال طويلة منذ أربعينيات القرن الماضي، وكانت دائماً مصدر قوة وعطاء لكل من حولها من رفاق وأصدقاء وليس فقط لعائلتها الصغيرة.
عرفت منذ الأربعينات بأنها إحدى الثريات الثلاث في سماء الحركة الوطنية والشيوعية المصرية، ثريا شاكر وثريا إبراهيم وثريا أدهم زوجات الرفاق المهندس فوزي حبشي والراحلين الدكتور مختار السيد وحلمي يس، عرفتها الحركة الطلابية الوطنية في الأربعينيات مناضلة صلبة من أجل الاستقلال والديمقراطية وشاركت في اللجان الوطنية للطلبة والعمال، وظلت تواصل النضال من أجل الاشتراكية وحقوق العمال والكادحين، هي زوجة مناضل عرف بأنه معتقل كل العصور، وأم لرفاق ما زالوا على نفس الدرب والأحلام.
بعد شهور من زواجها اعتقل زوجها المهندس فوزي في معتقل الهايكستب عام 1948، وفي يناير 1959 اعتقلت هي وزوجها وكان ابنهما حسام لم يتجاوز العشر سنوات وممدوج 8 سنوات ونجوى الطفلة الرضيعة التي لم تتجاوز تسعة أشهر، وظلت في المعتقل لمدة خمس سنوات.
لم تتخل ثريا حبشي يومًا رغم المطاردات والاعتقالات عن فكرها ولم تفقد إيمانها بحق الشعب المصري في النضال من أجل وطن حر خال من الاستغلال والاستبداد والفساد والإرهاب، يتمتع أبناؤه بحقوق المواطنة والمساواة وعدم التمييز، وتسوده رايات الحرية والعدالة الاجتماعية والاستنارة والعلم والإبداع.
رآها فوزى حبشى طالب الهندسة اليسارى فى منتصف الأربعينيات.. جميلة لبقة مثقفة..وتحرص كلما قابلته على فتح حوارات مطولة معه عن الوطن وفقراؤه .. وعقم نظامه السياسى.. فوجدها كادر مناسب للتجنيد فى منظمته اليسارية .. ولم يكن يعلم أن تلك الحوارات المطولة كانت وسيلتها لتجنيده فى منظمتها اليسارية أيضا.. المهم أصبح الاثنان عضوان فى منظمة ” حدتو” وتزوجا.. وأصبحا معا هدفا للمطاردة والاعتقال، واستمرت الحياة ..
وفى سنة 1959 كانت المحنة الكبرى.. اعتقلت ثريا وفوزي وتركا فى بيتهما ولدين وبنتا.. وأم فوزى العجوز التى توشك أن تكون كفيفة.. فكيف الحال مع الصغار وسنوات الاعتقال قد تطول وتطول.
.. قال العم لثريا: “نوزع” أطفالنا على إخوتنا ليرعوهم.. فترد ثريا: أما يكفى أنهم حرموا من الأب والأم ليحرموا من بعضهم البعض.. ليبقوامعا عند الأم العجوز، ويرعاهم من يرغب من إخوتك وإخوتى وهم معا.
.. ومرت ثلاث سنوات لم تر ثريا فيها ابنتها نجوى التى فارقتها وعمرها تسعة شهور.كانت النداءات فيها تتوالى لكي ترى الأم ابنتها .. . وذات صباح استدعاها مأمور السجن .. فدخلت إليه متوجسة تتساءل عن أي شر سيحيق بها جراء هذا الاستدعاء.. وفى حجرته وجدت على مكتبه طفلة بملابس أنيقة فقالت لنفسها: هذه الطفلة اللطيفة في عمر ابنتى نجوى.. وسألها المأمور هل تعرفين تلك الطفلة؟ وعندما شقت صرختها جدران الحجرة وهى تهتف “بنتى” .. وضع المأمور وجهه في الحائط ليمسح دموعه.
.. وعندما عرفت المعتقلات سجينة تقضى عقوبتها فى جريمة مدنية وهي زوجة لرجل ينتهى اسمه ب” حبشى” اتفقن مها على الادعاء والكتابة برغبيتها فى رؤية ابنتها وعموما الطفلة لاتحمل بطاقة .. وبعد أن نجحت الحيلة أكثر من مرة .. عرفت إدارة السجن فعاقبت المسجونة عقابا قاسيا.
.. وعندما سمح بالزيارة للمعتقلات كان أحد أقاربها يصطحب معه نجوى بحجة انها ابنته وليس فى بيته من يتركها معه.. كل هذا لتسنح لثريا الفرصة برؤيتها ولو من ثقب الباب.. ومع هذا كان أحد الضباط يقف فى وجهها ليسد بجسده هذا الثقب ويمنعها من رؤية نجوى.
.. في الإسكندرية وبعد عشرات السنين قابل فوزى وثريا هذا الضابط.. وصافحه عم فوزى – فكل شئ راح وانقضى كما يرى كثير من اليساريين – أما ثريا فقد رفضت مصافحته وقالت له أنت مجرد جلاد لا يشرفنى مصافحتك.
عزاء المناضلة الراحلة ثريا شاكر سيقام يوم الاثنين الموافق 25 ديسمبر 2017 من السادسة حتى العاشرة مساءً بكنيسة كليوباترا – مصر الجديدة.