عقد المركز المصري للدراسات الاقتصادية اليوم الاثنين، ندوة بعنوان “تحليل ديناميكي لسوق العمل في مصر”، ناقشت المشكلات العديدة التي يعانيها سوق العمل في مصر والتي تتمثل في ارتفاع مستويات البطالة خاصة بين المتعلمين وخريجي الجامعات والإناث، ووجود درجة كبيرة من اللارسمية في المنشآت والعمل، وعدم المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل.
في هذا الإطار، عرض الدكتور راجي أسعد أستاذ السياسات العامة بجامعة مينيسوتا الأمريكية وأستاذ زائر متميز بقسم الاقتصاد بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، دراسة بحثية حول أوضاع سوق العمل في مصر، والتي انتهت إلى أن المشكلة الرئيسية في مصر تتعلق بأن الاقتصاد المصري لا يخلق فرص عمل بالشكل الكافي ولا بالجودة الكافية، وأن معظم فرص العمل الجديدة تخلقها منشآت صغيرة لديها الطابع غير الرسمي.
وقال “أسعد” إن الشباب وأسرهم يعتقدون أن الحصول على الشهادة الجامعية هو السبيل نحو الحصول على وظيفة حكومية لأن القطاع الخاص لا يخلق فرص العمل التي تناسب خريج الجامعة، وتتوافق مع تطلعات الشباب، في حين أن هذه الشهادة تحقق درجة منخفضة من المنفعة عند العمل بالقطاع الخاص لأن مخرجات نظام التعليم في مصر لا تتوافق مع متطلبات سوق العمل، وتحولت الشهادة إلى نوع من الوجاهة الاجتماعية عند الزواج ، مشيراً إلى أن العاملين في الوظائف أو المهن التي تحتاج شهادات جامعية في القطاع الخاص نسبتهم 60%، وهذا يعنى أن 40% ممن يحملون شهادات جامعية يعملون في وظائف لا تحتاج هذه الشهادات.
ومن خلال مسح أجرى عام 2012 تم سؤال الشباب عن أول وظيفة لهم عند دخول سوق العمل، تبين أن نسبة العاملين في القطاع الحكومي والعام انخفضت من حوالي 35% في الثمانينيات من القرن العشرين إلى 25%، بينما ارتفعت هذه النسبة في القطاع الخاص الرسمي من 5% إلى 12%، مما يعنى أن القطاع الخاص الرسمي يوفر 12% فقط من الوظائف الجديدة بالسوق وهي نسبة غير كافية.
أما العمل غير الرسمي في القطاع الخاص أي العمل بأجر وبدون عقد أو تأمينات فيمثل النسبة الطاغية بحوالي 50% من الوظائف الجديدة في سوق العمل المصري.
وكشف أسعد في دراسته أن العمل غير المنظم بدون عقد أو تأمينات في القطاع الخاص أصبح هو الطابع الأساسي لسوق العمل المصري، ويعمل به من يطلق عليهم “أرزقية”، مضيفا أن “40% من الوظائف بالقطاع الخاص بأجر تعتبر وظائف أرزقية وهي من أدنى أنواع الوظائف التي لا تحقق للعامل حماية اجتماعية وليس لها أي ثبات ومرتبطة بالفقر”.
كما أكد انخفاض مساهمة القطاع الخاص الكبير “المنشآت الكبيرة” في توفير فرص العمل والتي تقتصر نسبتها على 20% فقط من الوظائف الجديدة بالسوق، في حين أن الباقي يعمل بمنشآت صغيرة أو خارج المنشآت، مشيرا إلى أن نسبة العاملين خارج المنشآت مثل سائقي الأجرة أو العاملين في الشوارع وغيرهم زادت إلى 60% من سوق العمل بالقطاع الخاص.
وبمزيد من التفصيل، أشار أسعد إلى أن أكثر قطاعات العمل بالقطاع الخاص التي تخلق فرص عمل تتمثل في قطاعات النقل والتشييد والبناء والتجارة خاصة الداخلية، لافتا إلى أن قطاع التشييد والبناء يشكل ربع وظائف القطاع الخاص في مصر رغم أنه لا يخلق وظائف مستدامة أو مستقرة وتكون مرتبطة بانتهاء بناء المشروع، بينما الصناعات التحويلية وقطاع المعلومات والاتصالات والقطاع المالي يشكلون نسبة محدودة جدا في التشغيل، ضاربا المثل بأن 20% من خريجي الجامعات يعملون بقطاع التجارة، في حين أن 7% فقط من خريجي الجامعات يعملون بقطاع المعلومات والإتصالات والبنوك وهو القطاع المفترض أن يكون قاطرة تشغيل الخريجين في القطاع الخاص.
وأكد الخبير الدولي، أن نمو الاقتصاد المصري ركز خلال الفترة الماضية على قطاع العقارات والذي يوفر فرص عمل مؤقتة، ولابد من توجيه الاقتصاد إلى تركيز الاستثمارات على القطاعات التي تخلق فرص عمل كثيفة ومرتفعة الكفاءة.
ومن جانبه، قال لوكا فيدى خبير التشغيل بفريق العمل اللائق لدول شمال أفريقيا بمكتب منظمة العمل الدولية بالقاهرة، إن زيادة النمو الاقتصادي لقطاع التشييد والبناء في مصر تفسر زيادة نسب البطالة، لأن فرص العمل التي يخلقها هذا القطاع غير منتظمة وهى قضية محورية.
كما أن قطاع التجارة لا يخلق دخلا مناسبا، داعيا لتشجيع قطاع الصناعة والقطاع المالي اللذين يخلقان فرص عمل تناسب خريجي الجامعات في مصر، مضيفا أن خلق فرص عمل في قطاع النسيج أمر هام بالنسبة لمصر.
وقال الدكتور إبراهيم عوض أستاذ السياسات العامة بالجامعة الأمريكية بالقاهرة والمدير الأسبق لمكتب منظمة العمل الدولية لشمال أفريقيا، إن هناك تدهور في سوق العمل في مصر.
وطالب عوض بتعزيز دور القطاع الخاص، حيث يلاحظ في الفترة الماضية عودة دور الدولة في النشاط الاقتصادي مرة أخرى بصورة كبيرة، وألا يقتصر النمو الاقتصادي على قطاع التشييد والبناء ، ودعا عوض إلى تعديل هيكل النمو الاقتصادي في مصر، حيث نحتاج إلى نمو كثيف التشغيل وكثيف رأس المال أيضا لمحاربة الفقر وزيادة مستوى المعيشة، ولابد من الاهتمام بالقطاعات الإنتاجية.
وقالت الدكتورة عبلة عبد اللطيف المدير التنفيذي ومدير البحوث بالمركز المصري للدراسات الاقتصادية، إن سوق العمل انهار في مصر لأنه لم يكن هناك اهتمام بقطاعات معينة، وأن التعليم في حد ذاته مشكلة كبيرة لذا يخرج سوق عمل غير صحي، وأن الطلب على العمالة ينبثق من الطلب على السلعة أو الخدمة بمعنى أن مشكلة التشغيل ليست داخل سوق العمل ولكن من سياسات الدولة ونوعية الاستثمار، وإصلاح هذه السياسات سيؤدي إلى إصلاح سوق العمل.
كما أكدت أن فرص العمل التي يخلقها قطاع التشييد والبناء ليست فرص عمل حقيقية وأنها غير مستدامة أو غير مستقرة، وبررت تراجع قطاع الصناعات التحويلية في التشغيل بمعاناة هذا القطاع من البيروقراطية والعديد من المعوقات التي تواجه عمله، فضلا عن عدم توافر العملة الماهرة.