فتح تكرار وقائع إذاعة تسجيلات لمكالمات شخصية، أو ما يلقب أحيانا بـ “التسريبات الإعلامية “، الباب لمناقشة دور الإعلام تجاه قضايا الوطن أمنياً، ومعايير التغطية الإعلامية المتوازنة للأحداث الإرهابية وقضايا الأمن القومي، خاصة بعد الاستنكار الشعبي لإذاعة تسجيلات غير مؤكدة في أعقاب حادث الواحات الإرهابي .
وتسببت الواقعة الأخيرة في إعادة تفجير عشرات الأسئلة الشائكة، مثل هل سعى الإعلام للسبق وتحقيق مكاسب يجوز تمريره على حساب سرية المعلومات والأمن القومي؟، و إلي أي مدي يتسبب التسرع في نشر معلومات غير مؤكدة في إرباك الرأي العام، وكيف خرجت هذه التسريبات، وهل يجوز النقل عن وسائل إعلام غربية في أحداث تخص الأمن القومي المصري.
المعايير المهنية والإعلامية
يؤكد مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، إن عدداً محدوداً من الصحف والفضائيات ارتكبت تجاوزات أثناء تناول حادث الواحات الإرهابي، مما ساهم في بعض التضليل للرأي العام وخلق مناخ مروج لمزاعم الإرهابيين وأهدافهم.. كما ظهر في عدد من وسائل الإعلام كثير من الذين ادعوا أنهم عالمين ببواطن الأمور تحت مسمى الخبراء وروجوا لقصص لا أساس لها من الصحة .
و أوضح أحمد, أن غالبية الوسائل الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة، و رغم نقص المعلومات المتاحة، إلا أنها التزمت في تغطيتها للحادث بالمعايير والقواعد الإعلامية والمهنية, وقد ناقش رئيس المجلس مدى التزام الوسائل الإعلامية المختلفة بالمعايير المهنية والإعلامية وذلك من خلال تقارير لجان الرصد والتقييم والشكاوى .
وأكد رئيس المجلس أن غياب المعلومات لعدة ساعات ليس مبرراً لاستخدام الشائعات المنسوب صدورها لمصادر مجهولة، خاصة فيما يتعلق بأحداث تمس الأمن القومي للبلاد .
وأشار مكرم محمد احمد إلى أن بعض الإعلاميين خلطوا في تغطيتهم بين الرأي والمعلومة وهي مخالفة إعلامية جسيمة..وقرر أمام هذه التجاوزات فتح تحقيق يشمل كل المتجاوزين , ويؤكد المجلس أن التحقيقات تتم طبقاً للقانون باعتباره السلطة المختصة بذلك وسوف تواصل لجان المجلس التحقيق في جميع المخالفات الإعلامية كما يواصل المجلس متابعته للأداء الإعلامي ،
و شدد أحمد أن الخطورة تظهر فى غيبة المعلومات السريعة التي يحتاجها الرأي العام، فيلجأ المواطنون لأبواق الإرهاب، التي تحاول أن تسيطر على الرأي العام بإشاعات غير صحيحة وأخبار كاذبة، مشددًا على أجهزة الإعلام المصرية ألا تسمح بهذا الفراغ.
وتابع بالقول : “وإن كان عليها أن تتوخى الدقة والحذر وأن تعتمد على مصادر معلومات دقيق،ة وأن تحرص على نقل الصورة الحقيقية ونسجل هنا أن التليفزيون المصرى كان أول من بادر بالتواجد فى موقع الحادث”.
وأوضح رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام أن الإرهاب يتعرض للهزيمة فى كل مكان وأن “داعش” تكاد تفنى بعد معاركها فى سوريا والعراق بعد أن تحررت معظم الأراضي التي كانت تحت سيطرتها.
التوازن الإعلامي
من جانبه أوضح المفكر والدكتور قدري حفني، أستاذ علم النفس السياسي، أن التناول الإعلامي تجاه حادت الواحات شابه بعض الارتباك وهذا يرجع لسببين من وجهة نظره، الأول يتمثل في قصور في توافر المعلومات، وعالم الإعلام شان شأن العالم المادي لا يعرف الفراغ ، وهذا الفراغ أدى لزيادة الإشاعات ، وبالإعلام فلم يكون أمام الإعلام سوى هذه الشائعات .
أما السبب الثاني من وجهة نظر الخبير النفسي، فيكمن في أن جزء كبير من الإعلام تربى على الإثارة ، حيث كان يُنظر لهذا الإعلامي من المسئولين على أنه جزء كبير من تحقيق النجاح ، مشيراً إلى أن الإعلام والأمن له ما يُبرر موقفه في التعامل المجتمعي مع الأحداث .
أما عن إمكانية تحقيق التوازن الإعلامي في تغطية مثل هذه الأحداث، فيرى أستاذ علم النفس السياسي، أن الإعلامي يجب أن يعتمد على البيانات والأرقام الرسمية المتعلقة بالحدث، وهو ما يلزم الأجهزة الأمنية كالجيش والشرطة أن تسارع بالإذاعة المبكرة عن وجود اشتباكات ، وأن توضح بأنه لم تتوافر لديه المعلومات والأرقام على أرض الواقع ، منوهاً أن عدم توافر المعلومات يؤدى إلى تسارع المتطوعين لملئ هذا الفراغ المعلوماتى .
مسئولية الرسالة الإعلامية
فيما أنتقد حمدي الكنيسي، نقيب الإعلاميين التناول الإعلامي لحادث الواحات الإرهابي قائلا: لابد من الرجوع فورًا للمصدر الحقيقي، ولا أستجيب لأي تسجيل جاء لي مهما كان مغريا، إنما أرجع للمصدر الحقيقي لأن هذا يمس أمن الدولة والمجتمع، وأعتقد أن هذا شيء بديهي وأتمنى ما حدث ألا يتكرر .
وأضاف “الكنيسى” : إن التناول الإعلامي للحادث تسبب في حالة من الإحباط والقلق للشعب بصفة عامة، وشدد على أن الإعلام لابد أن يكون مثقفاً ومهنياً وملتزماً ووطنياً، ويجب أن يكون الإعلام على قدر المسؤولية، والإعلام سار بقوة غير مسبوقة هو آخر سلاح يحرك الأحداث ويحشد الجماهير ويحبط أو يشجع، إذن فالرسالة الإعلامية أصبحت أقوى وأخطر فعلى من يتصدى للمهمة يعلم أن لديه سلاحاً بالغ الأهمية والخطورة.
و أضاف نقيب الإعلاميين، يوجد وسائل إعلامية تقليدية معروفة هؤلاء يقعون تحت المنظار من النقابة، وإعلام مكتوب تحت عين نقابة الصحفيين، لكن الحلقة المفقودة هو الإعلام الإلكتروني، وهذه المواقع سأسعى جاهدا في مجلس النواب لأن تضاف مادة خاصة بهم في القانون، لأننا أذا تركنا هذا الأمر بهذا المستوى سنصل لنتائج سيئة،
وتابع سنحاسب أي شخص لو كان عضوا في النقابة وكتب ما يعرفه عبر أي وسيلة أخرى، وننذره ثم نشطبه نهائيا، ومن ليس عضوا في أي نقابة فلا بد أن يحصل على تصريح لمزاولة المهنة ويأخذ التصريح عليه الالتزام بميثاق الشرف الإعلامي ومدونة السلوك المهني وممكن يلغى التصريح تمامًا، ويُمنع من ممارسة أي عمل إعلامي , مشيرا إلى أن المعايير المهنية غابت بسبب أن الإعلام الخاص ظهر وانتشر بصورة غير عادية، وانتشرت معه أجندات مختلفة الأشكال والمصادر والأهداف.
التأكد من صدق المعلومة
وقالت الدكتورة نجوى كامل، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة : بالتأكيد هناك مشكلة خطيرة تعاني منها بعض وسائل الإعلام المصرية، فلو طبقنا القواعد المهنية سنتجنب كثير من الإشكاليات التي توثر علي مصداقية الإعلام لدي الجمهور .
وأكدت على أهم القواعد التي يجب أن تراعى هي الدقة والتي تعني التأكد من صدق المعلومة قبل التسرع في إذاعتها أو نشرها ، المشكلة الأخرى غياب الوعي بخطورة نشر شائعات دون تدقيق علي الأمن القومي وعلي الروح المعنوية للشعب ، نحن نعيش حربا ضروسا عدونا غير واضح كما كانت الحروب السابقه فقد يكون جار لى او زميل او قريب وهنا يصبح النشر جريمة خيانه متكاملة الاركان.
وأضافت نجوى كامل: أما النقل عن وسائل إعلام غربية للأسف البعض ينقل دون وعي مصطلحات قد تؤثر بالسلب علي الوعي المجتمعي لطبيعة ما نواجه مثل مصطلح الجهاديين بدلا من الإرهابيين، أو ولاية سيناء وغيرها من المصطلحات.
وعن تمكن الإعلام من نشر حالة الرعب ، قالت أستاذ الصحافة بجامعة القاهرة :لا اعتقد فاليوم هناك حالة من الرفض الجماهيري للإعلام وبالتالي عدم المصداقية جعل تأثير الإعلام أصبح وضعيف ، ما نحتاجه الآن هو إعلام مهني بعيدا عن السبق والإثارة.
المغالطات في أرقام .. السوشيال ميديا
وقال الدكتور سامي عبد العزيز، العميد الأسبق لكلية الإعلام جامعة القاهرة، إن إذاعة إحدى القنوات بعض التسجيلات من داخل الحادث خطأ مهني فادح، مشيرا إلى أنها مفبركة ومقصودة، منتقدًا خروج بعض المواقع الإخبارية ومستخدمي السوشيال ميديا بأرقام عن أعداد الشهداء من رجال الشرطة غير دقيقة ، حيث أن تلك الأخبار تفقد الإحساس بالثقة في الشرطة.
وأضاف عندما نعلن عن استشهاد 60 من الشرطة فنحن نؤكد للجماهير إن الشرطة غير مسيطرة على أرض الواقع، موضحًا أن تلك المغالطات في أرقام الشهداء كان هدفها زعزعة الثقة بين الشعب وجيشه وشرطته, مشددا على ضرورة تكوين إدارة إعلامية داخل العمليات الأمنية، حيث أن السوشيال ميديا يقوم بتزييف الحقائق ولا ينتظر البيانات الرسمية، ويجب أن تكون تلك البيانات سريعة.
وأضاف على الأقل نعمل إشارة سريعة على ما يتم في الحادث بدون تفاصيل، أفضل من التكتم عليه حتى انتهائه, مشيرا، إلى أن إطالة الفترة بين الحادث والبيان الأول للداخلية يُعطي فراغ للطرف الأخر في إصدار ما يحلو له من بيانات.
التنسيق الإعلامي والأمني.
من جانبه قال اللواء طلعت مُسلم، الخبير الأمني والإستراتيجي إن دور الإعلام هو القيام بدوره في نشر المعلومات والوعي والحفاظ على حرية الرأي والتعبير ، لكن تواجه المجتمع والإعلام أحداث وقضايا شائكة وحساسة تتطلب التنسيق بين المؤسسات الإعلامية وبين الجهات الأمنية والرسمية ، ومن خلال التأكيد على الحقائق المختلفة سواء بيانات أو أرقام .
وأكد مُسلم أن هناك أحداث وقضايا مطلوب فيها قدر من الاحتفاظ بسرية المعلومات من منطلق الإحساس بمصلحة الأمن القومي للبلاد ، منوهاً أن التغطية الإعلامية لحادث الواحات شابها قدر من الاندفاع فى الاستنتاج والتكهن ، وقيامه بعرض تصورات على أنها حقائق ، ولذلك فكان عليه أن يُراعى البُعد الأمني للحادث الإرهابي ، خاصة في ظل وجود عناصر إرهابية عدو للبلاد لا نريد لها أن تعرف التحركات الأمنية ، مؤكداً على أهمية التنسيق والتشاور بشأن القضايا والأحداث بين الإعلام والجهات الأمنية .
وفيما يتعلق بنقل وسائل الإعلام من وكالات الأنباء الأجنبية التى تعمل فى مصر فى مثل هذه الأحداث ، يرى الخبير الأمني والإستراتيجي أن هذه الوكالات تعمل فى مصر بموجب تصريح بممارسة هذا الدور ، ومن هنا فيجب أن تصن شروط هذه التصارح ما بين الدولة وهذه الجهات على الحدود والقواعد التي يجب أن تلتزم بها فى ضوء تعاملها الإعلامي مع مثل هذه الأحداث .
فيما قال اللواء فؤاد علام، وكيل جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق: أن دور الإعلام في قضايا الإرهاب لا يجب أن يكون التغطية الإعلامية فقط، لكن الأهم هو مواجهة الفكر بالفكر وإجراء حوار مفتوح حول أفكار المتطرفين وكشفهم، مع إبراز هذه الأفكار ومدى تأثيرها وخطورتها على المجتمعات، مشيرا إلى أنه يجب أن نسعى من خلال الإعلام لتصحيح هذه المفاهيم الخاطئة والمغلوطة
.