من منا يستطيع أن ينسي الجريمة البشعة التي ارتكبت الأيام الماضية في الواحات واستشهد فيها عدد من إخوتنا أفراد الشرطة؟لماذا يقتل الإنسان أخاه؟وكما نعلم جميعا أن الجريمة الأولي في التاريخ ارتكبها أخ مع أخيه,وعندما تحدثنا الكتب المقدسة عن هذه الجريمة,تظهر لنا مواجهة إنسان مع آخر ليس للعناق والتحية والمحبة المتبادلة,ولكن تكشف لنا القتل,كنا ننتظر لقاء المحبة,ولكننا وجدنا العنف,ويتساءل ملاخي النبي:أليس لجميعنا أب واحد؟أليس إله واحد خلقنا؟فلم يغدر الإنسان بأخيه مدنسا عهد آبائنا؟(2:10).كم من جرائم ترتكب بسبب الحقد والغيرة؟كم من حياة تم القضاء عليها بسبب أشياء سطحية وتافهة؟لا أحد ينكر أن الشر هو السبب الرئيسي في ذلك,كما أن الحقد والحسد يدفعنا إلي ارتكاب مثل هذه الأفعال,لذا يحثنا يوحنا الرسول قائلا:لا أن نقتدي بقايين الذي كان من الشرير فقتل أخاه.ولماذا قتله؟لأن أعماله كانت شرا وأعمال أخيه كانت خيرا(1يوحنا2:12),فبالنسبة لقايين لم يعتبر هابيل أخا له ولكنه منافس وعقبة أمامه تمنعه أن يمتلك كل شئ,كما يري فيه تهديدا لحياته,فبالرغم من أن قايين لديه كل شئ,إلا أنه يريد أن يضاعف كل خيراته علي حساب أخيه,لذلك سعي إلي التخلص منه.
ما الذي يدفعنا لكل هذا؟يوجد إحساس بالشر داخلنا فإذا تحاورنا معه واتحدنا به,نصل إلي الجريمة,لذلك يجب علينا أن نحارب هذا الشعور الخاطئ قبل أن يسيطر علينا,ويجب أن نسوده,لأن هذا الوازع يبدأ بالنمو داخلنا ويدفعنا إلي الخضوع له,وإن لم نسيطر عليه ونوقفه,سنمتلئ منه ونشحن أحاسيسنا حتي نصنع الشر,وهذا ما وقع فيه قايين إلي أن وصل به الأمر بأن يجد أمامه أداة وليس أخا,ثم صب عليه كل حقده وغله,لم ير أخاه ولكن شاهد أمامه عقبة تمنعه من أن يكون الأول والأخير.وكما يقول الفيلسوف سقراط:إذا أقبلت الحكمة انتصرت العقول علي الشهوات,وإذا أدبرت انتصرت الشهوات علي العقول.كانت لغة الحوار بين قايين وأخيه من طرف واحد فقط,وهذا ما نقع فيه نحن عندما نتحدث دون انتظار رأي الآخر أو سماع كلماته,وعندما تحدث قايين بمفرده لم تسعفه الكلمات ولكنها أصبحت أسلحة فتاكة ضد أخيه,لأن الكلمة هي المكان الأول لزرع السلام أو العنف,القبول أو الرفض,الحب أو البغض,لذلك عندما نتحدث,يجب أن نسمع ونقبل الآخر,خلاف ذلك سنصبح عداونيين,فالخطيئة الأولي هي إساءة استخدام الكلمة,فحديث قايين كان ذاتيا ولم يميز أخاه أو يعره أي اهتمام.ماهي أسباب جريمة قايين والإنسان اليوم؟
أ)الطابع الديني:أحدهما يقول للآخر:إن الهيكل سيظهر في أرضي أو كما يدعي الكثيرون هكذا:معي أنا فقط أوالله هو ملكي بمفردي فعندما نجد فئتين أو مجموعتين تتواجهان مدعيتان بأن كل منهما تمتلك الحقيقة الدينية بمفردها,تنتهي هذه المواجهة بالعنف والقتل والدمار.إذا أردنا أن نتغلب علي هذه المشكلة,يجب أن نعي بأن كل واحد منا يعرف الحقيقة من زاوية,والمواضيع التي تخص الله والحياة الروحية لاتقف عند الحقيقة المجردة التي تخص فئة بعينها,ولكن عند المعني الجوهري,أي أكون تابع لمذهب أو عقيدة بعينها لايعني أنني امتلك الحقائق الروحية والدينية بمفردي,ولكنني افهمها بطريقتي الخاصة دون أن أمنع الآخرين في البحث بطريقة أخري ليصلوا إلي الله.لأن الإنسان الذي يدعي بامتلاكه الحقيقة كلها بمفرده ويمنع الآخر في اكتشافها يبدأ في استخدام العنف تجاهه ولا يستطيع أن يبدأ في الحوار معه,إذا علينا أن نتجنب الحروب الدينية أو الحروب المقدسة,لأن المقدس الحقيقي هو احترام وقبول ومحبة الآخر,مهما اختلف معي أو عني.
ب)الطمع أو حب التملك:فمثلا أقول:هذه الأرض ملكي,أو الأرض التي تطأها قدماك هي من حقي أنا ابتعد عنها.نجد هنا شريعة حب التملك الفظة التي تجعلنا ندوس الآخر ونعتبره عدوا ومنافسا لدودا لنا,ونحن نعلم جيدا أن حروب العالم مبنية علي هذه الشريعة:وضع الأيادي علي حقول البترول أو الثروات المعدنية,أو احتلال الأرض باعتبارها منطقة استراتيجية.
ج)التنافس علي امرأة:وهذا هو السبب الثالث للجريمة مدعيا:هذه المرأة هي من حقي,وهنا يلعب العنف في حقل الشهوة والجنس,لأن العنف هو رفض الآخر من أجل ملذاتي الشخصية.ونختم بكلمات المفكر قولتير:إن الذين يجعلونك تعتقد بما هو مخالف للعقل,قادرون علي جعلك ترتكب الفظائع.