تزداد أهمية الثقافة يوما بعد يوم في ظل هذه الظروف التي تتطلب منا جميعا التكاتف لمواجهة الإرهاب، الذي غدا يواجه العالم أجمع، وهنا تأتي أهمية المكتبات المتنقلة التي توقفت لسنوات عدة بعد ثورة 25 يناير 2011 وأحداث الانفلات الأمني وعاد استئنافها من جديد وتولت هذا النشاط المهم دار الكتب والوثائق القومية، حيث قامت وزارة الثقافة بتدشين المكتبات المتنقلة بحديقة حيوان الجيزة (التى تشهد يوميا زيارة أكثر من 20 ألف مواطن)، ثم بحديقة الأزهر، ويتم الإعداد حاليا لوجودها بمستشفى 57357، أيضا هناك مطالب بانطلاقها في حديقة الأسماك وغيرها من حدائق مصر.
وتأتي هذه الانطلاقة إيمانا بضرورة أن تصل الثقافة إلى جميع الفئات الاجتماعية، وكما نادى الدكتور طه حسين في كتابه “مستقبل الثقافة في مصر الصادر عام 1938″ بأن الثقافة للجميع ينهل منها الخفير كما ينهل منها الوزير.
و”المكتبة المتجولة أو المكتبة المتنقلة” هي أحد أصناف المكتبات وتقوم بجولة في المناطق النائية في أوقات منتظمة لتتصل بالمستفيدين كل في مكانه.
وقد تشمل جولاتها بعض المدارس النائية حيث يكون جمهورها من التلاميذ. فهي حافلات مجهزة من الداخل تضم مكتبة تحوي كتباً متنوعة بين المعارف العامة والمجالات العلمية، سيما العلوم الاجتماعية، إضافة إلى قسم خاص بالأدب يضم روايات عربية وعالمية، تلبي حاجات القراء بمختلف أنماطهم وفئاتهم العمرية، مع كتب خاصة للأطفال.
وداخل الحافلات هناك أماكن مخصصة للرسم، وأخرى لمسرح العرائس.
تصطحب تلك الحافلات روادها في جولة داخل الحديقة بينما يمارسون أحد نشاطاتهم المحببة، ومثل هذا النوع من المكتبات المتجولة لايقتصر وجوده في مصر بل يوجد في عدد من البلدان.
ومن بينها: تونس، الجزائر حيث تتبع المكتبات المتجولة المكتبة الوطنية.
أما عن نشأة هذا النوع من المكتبات فيخبرنا التاريخ عن الجذور والبدايات التي تعود إلى أكثر من مئة وخمسين عاما عندما قامت مؤسسة “وورينجتون” بأول تجربة لها عندما وضعت كتبا بعربة يجرها حصان.
وتطورت الخدمة بعد ذلك في بريطانيا, وكذلك في أمريكا التي عرفت أول استخدام لها في ولاية “ماريلاند” منذ عام 1905.
وكذلك انتشرت في أوربا في حوالي تلك الفترة. وبحلول عام 1912 ظهرت أول مكتبة متنقلة تسير بقوة محرك، ولقد بدأت فرنسا تجربة المكتبة المتنقلة عام 1919 وطورت حيث تعتبر من الدول التي تمتلك مئات الناقلات التي تحمل آلاف الكتب إلى المناطق المحرومة من النشاط الثقافي، أيضا عرفت الهند المكتبات المتنقلة بفضل منظمة اليونسكو في عام 1953, حتى قبل أن تعرفها بعض الدول الأوروبية.
وقد عُرفت الخدمة في الضفة الغربية في مدينة الخليل في عام 1956 قبل أن تنطلق إلى مدن أخرى هناك.
وهناك خصائص وأهداف للمكتبة المتنقلة: تلبية الميول والرغبات والموازنة بين الرغبات وبين التوجيه غير المباشر نحو الهدف، الاهتمام بالكتب ومصادر المعلومات الحديثة والمتنوعة في موضوعاتها، تغيير المقتنيات من حين إلى آخر بقدر مايمكن، وجود الكتب والدوريات والمطبوعات والمواد السمعية والبصرية التي تفيد جميع المستفيدين وتمثل كل فروع المعرفة وبشكل فيه قدر من التوازن وأن تحوى كتبا كافية ومناسبة للأطفال.
أيضا هناك مواصفات خاصة للمكتبة المتنقلة تميزها عن المكتبات الكلاسيكية، من أهم هذه الخصائص:
يجب أن تتسع المكتبة المتنقلة لحوالي خمسة آلاف مجلد و لإمكانية حركة الراود لاختيار ما يريدوا منها، ويجب أن تكون الإضاءة كافية وأن تتوفر وسائل التهوية والأجهزة المضادة للحريق والمواد التي تحفظ المطبوعات من التلف، وأن تسمح نوافذها بدخول الضوء وإمكانية فتحها دون نفاذ مياه الأمطار والأتربة إلى داخل العربة.
ولا يمكن أن يتأتي النجاح لهذه التجربة الحية والجادة إلا بأن تعهد إلى شخص موهوب ومسئول، ذلك أنه يجب على أمين المكتبة المتنقلة أن يكون مؤهلا في علم المكتبات ومدربا في مجال المهنة المكتبية وأن يكون واسع الثقافة و لديه رغبة صادقة في عمله، وأن يقوم بالإشراف على وضع مقتنيات المكتبة في السيارة والمحافظة عليها ويقوم بترتيبها في رفوف السيارة، ويقوم باختيار مقتنيات المكتبة حسب ميول المستفيدين وإرشادهم إلى المصادر التي تناسب ميولهم.
و يقوم أمين المكتبة المتنقلة أيضا بإعداد جدول لخط سير المكتبة وإعداد تقارير يومية وشهرية عن نشاط الكتبة ومقترحات المستفيدين لتطوير الخدمة المكتبية، والقيام بإعداد قوائم بمقتنيات المكتبة وتنشيط القراءة إلى جانب إعارة الكتب ومتابعة المتأخرين في إرجاعها.
تحية إلى هذه التجربة الحيوية، ونطمح أن تتجاوز فترة الثلاثة شهورالمقررة سلفا (من أغسطس الى أكتوبرالجاري) حتى يمكننا أن نجني جميعا ثمارها في بنيان الفكر والوجدان
اخلاص عطاالله