كيف للمنطقة الهادئة فى قلب محافظة مطروح أن تتحول لمنطقة حرب ويتصارع على أرضها اشد جيوش وقوات فى العالم فى حرب أوقفت تاريخ العالم والمعروفة بالحرب العالمية الثانية والتى بمجرد أن تسمع أسمها تتخيل صوراً بالتاكيد أقل عنفا من الحقيقة فى الحرب التى وصفها الباحثين أنها من اشد الحروب عنفا وجنونا كيف دخلت العلمين فى هذا الصراع وقتا من الزمن وكيف عادت بحلتها لتصبح من أجمل الأماكن السياحية فى العالم .
مدينة العلمين تقع عند الكيلو 106 من طريق الأسكندرية – مرسي مطروح، ويبلغ عدد سكانها حاليا قرابة10000نسمة وهى تعج بالتاريخ الروماني وتحمل بين ربوعها تاريخ طويل مع الكثيرمن ملامح التميز ليس جغرافيا فحسب بل تاريخياً أيضاً فأرتبط أسمها بالكثير من الصراعات والحروب بين الدول العظمى بدء من معركة العلمين الأولى حتى المعركة الرابعة والتى انتهت بإنتصار قوات الحلفاء.
وكانت دول الحلفاء اختارت منطقة العلمين أثناء تقهقرها، لتكون خطاً دفاعياً لما تتمتع به من ظواهر طبيعية مهمة فيحدها من الشمال البحر المتوسط ومن الجنوب منخفض القطارة وبالفعل أستطاعت النجاح فى النهاية ، بدأت العلمين المعركة الأولى بين قوات الجيش الثامن البريطاني وبين قوات المحور في الفترة من 1 يوليو إلى 26 يوليو 1942 وافتتح المشهد بهجوم قوات المحور حتصى لقيت قصفاً بريطانياً مركزاً إلى درجة طلبها النجدة من قيادة جيش المحور لعجز مدفعيتها فعل أي شيء. وتلقت هذه الفرقة مجموعة قتالية مساندة، لكن القصف البريطاني أجبرها على التوقف مرة أخرى.
وفي يومي 2 و3 يوليو كان الموقف مشابهاً للقوات الألمانية، حيث كان القصف المركز للجانب البريطاني يجبرها على التوقف، في 3 يوليو تعرضت فرقة أريتي الإيطالية لهجوم نيوزلندي أدّى إلى انهيارها، وبالكاد استطاعت القوات الألمانية صد هذا الهجوم مما اضطر رومل إلى إيقاف هجومه عدة أيام بالعلمين.
واستمرت المناوشات حتى انفجرت حرب العلمين الثانية والتى تعد من أهم معارك الدبابات على مدار التاريخ، والمعركة الفاصلة في مسرح شمال أفريقيا ومن أقوى المصادمات خلال الحرب العالمية الثانية.
وهى وقعت في العلمين 90 كم غرب مدينة الإسكندرية في مصر بين القوات الألمانية والإيطالية بقيادة إرفين رومل، والقوات البريطانية بقيادة برنارد مونتجمرى. وشهدت المعركة انتصار حاسما للحلفاء ومثلت نقطة تحول لحملة الصحراء الغربية.
فبعد أن فشل القائد الألماني إرفين رومل في اختراق الخطوط البريطانية في معركة علم حلفا لم يكن أمامه ما يفعله سوى انتظار الهجوم البريطاني التالي على أمل أن يقوم بصده على الأقل. وفي يوم 23 سبتمبر 1942 سافر رومل إلى ألمانيا لتلقي العلاج، تاركاً وراءه غورغ فون شتومه Georg Stumme قائداً لقوات المحور في شمال أفريقيا
وفى صباح 23 أكتوبر عام 1942، تقدمت القوات البريطانية فى منطقة العلمين، التي كان يتحصن بها روميل وقواته، بعد تأكد الجنرال «مونتجومري» من عدم وصول الإمدادات الكافية لهم فهاجم قوات روميل؛ للقضاء على جميع قوات المحور فى منطقة شمال إفريقيا، تمهيدًا لنزول القوات البريطانية والأمريكية إلى الساحل فى 8 نوفمبر 1942. وأدرك روميل وقتها أن المواجهة المباشرة مع الجيش الثامن البريطاني ستتسبب فى خسائر فادحة لقواته، وينتهي به الأمر إما مقتولًا أو أسيرًا، فقرر اعتماد سياسة الانسحاب وتعطيل الجيش الإنجليزي مع توريطه فى مواجهات غير مباشرة تتسبب فى خسائر له، وانتهى الأمر بأن خسر رومل ما بين عصر 3 نوفمبر، وعصر 4 نوفمبر حوالي 200 دبابة.
اختتمت المعركة فى 8 نوفمبر، بعد أن قطع الجيشان مسافة 2300 كم، حتى وصلا إلى تونس، التي شهدت آخر المعارك الحاسمة فى إفريقيا، وانتهى بموجبها وجود قوات المحور فى القارة الإفريقية..
ولم تكن الهزيمة التي تعرضت لها قوات المحور دليلا على ضعفها أو قدرات الحلفاء بقدر ما كانت القوات الألمانية ضحية لاخطاء القيادة العليا. بداية من الاعتماد على القوات الإيطالية ولم تكن إيطاليا ابدا عونا لألمانيا بقدر ما كانت عبئا عليها نتيجة جهل ضباطها واعتمادهم على اساليب القتال القديمة وكذلك قدم الأسلحة وسوء تدريب القوات، وكان هتلر يفرض على قيادة اركانه إرسال قوات ألمانية للاراضى التي تخسر فيها إيطاليا مثل البلقان وشمال أفريقيا، وادى هذا بالطبع إلى اضعاف القوات الألمانية وتشتيتها على اكثر من جبهة بالاضافة إلى غياب الإمدادات عن القوات في ارض المعركة خصوصا فى الطاقة والمحروقات الامر الذي أدى لخروج الدبابات الألمانية لايام كاملة من القتال نتيجة نقص الوقود، كذلك طول خطوط الإمداد أدى إلى اعاقة المحور على ارض المعركة إذ كان اقرب ميناء هو طبرق وكان يبعد عن ساحة القتال 500 كم كما كان صغيرا لا يسع الحمولات الكبيرة. كما أن العدد المحدود من الدبابات والمدرعات على جانب المحور بات سببا رئيسيا أيضا لخسارة المعركة ، اما أحد أهم الأسباب المهمة التي ادت لخسارة رومل فهو نجاح البريطانيين في فك شفرة الاتصالات الألمانية، وهو خلل خطير في القيادة الألمانية التي ظلت تحارب 6 سنوات بدون تغيير شفرة الإرسال التي اعتقدوا انها معقدة وغير قابلة للكشف. وأصبح الحلفاء في ميدان المعركة على علم بكل التحركات الألمانية قبل حدوثها وهو ما ساعد مونتجمرى على اكتشاف خطة رومل قبل بدء المعركة. وعلى الرغم من أن مونتجمرى لم يكن عبقرية عسكرية إلا أن كل العوامل السابقة التي ادت لانتصاره كانت كفيلة بجعله بطلا في نظر الإنجليز.
كان مونتجمرى يعرف باسم «الڤايكونت الأول للعلمين»، وهو مولود فى لندن لأسرة أيرلندية الأصل فى 17 نوفمبر 1887، وتلقى علومه فى مدرسة القديس بولس ثم التحق بالكلية العسكرية الملكية فى ساندهِرست ثم التحق بصفوف الجيش البريطانى فى 1908، وشارك فى الحرب العالمية الأولى من 1914 إلى 1918 وكان برتبة نقيب، وبرهن فى هذه الحرب على مهارته القتالية ومقدرته فى القيادة، وبقى فى الخدمة بعد انتهاء تلك الحرب وتدرج فى الرتب والمناصب. وامتدت خدمته فى الجيش البريطانى من عام 1908 حتى 1958 وكان قائدًا للجيش الثامن من 1942 حتى 1943.ولم يكتف مونتجمرى بما حققه من انتصارات بل ظل يلاحق القوات الألمانية فى شمال أفريقيا إلى أن اضطرت إلى الاستسلام فى تونس فى مايو 1943 كما خاض مونتجمرى العديد من المعارك الحاسمة ومنها الحرب الإنجليزية الأيرلندية والثورة العربية فى فلسطين والحرب العالمية الثانية، وحصل على العديد من الأوسمة العسكرية الرفيعة.
وخلفت تلك الحرب للتاريخ آلاف القتلى من الجنود والضباط واللذين دفنوا بمقابر العلمين مثل مقبرة الكومنولث لضحايا الحرب العالمية الثانية التي تضم 7367 مقبرة لضحايا من بريطانيا ونيوزيلاندا واستراليا وجنوب إفريقيا وفرنسا والهند وماليزيا، كما تشتمل على أسماء 11945 من الجنود الذين لم يتم العثور على أشلائهم وقد كتب أسماء بعضهم على الحوائط.
بينما تحتوي المقبرة الألمانية التي شيدت خلال عام 1959 وتقع على مسافة ثلاثة كيلومترات غرب مدينة العلمين وتطل على البحر مباشرة من فوق جبل مرتفع نسبيا على 4200 جندي ألماني وبنيت على طراز قلاع العصور الوسطى. بينما تعد المقبرة من أجمل المقابر من حيث الفخامة وفن المعمار، وتضم كنيسة صغيرة ومسجدا وقاعة للذكريات ومتحف صغير، بالإضافة إلى 4800 من الضحايا، وتشير لوحة إلى أن الصحراء قد ابتلعت أجساد 38 ألف شخص من الضحايا وتضم مقابر وادي الحلفاوي ضحايا الحرب العالمية الثانية للألمان وقوات التحالف، وتقع في وادي الحلفاوي
كما تم تشييد متحف العلمين الحربي الذي يعبر عن سير معركة العلمين الفاصلة، ويضم مجموعة من الأسلحة والدبابات والذخيرة للقوات المشتركة في الحرب العالمية الثانية، كما يضم خرائط عن سير المعارك.
وبمرور 75 لمعركة العلمين ونهاية الحرب العالمية الثانية قام الرئيس عبد الفتاح السيسي بمراسم التأبين مشاركاً ممثلي 50 دولة أجنبية، وعدد كبير من أسر ضحايا الحرب العالمية الثانية والمحاربين القدماء الذين شاركوا في هذه المعركة وبحضور عدد من الوزراء المصريين والقيادات الأمنية والعسكرية وذلك بمقابر دول الكومنولث التي ترعاها إنجلترا.