صدر مؤخرًا عن المركز القومي للترجمة كتاب “ما العلمانية؟” لـ”كاترين كنسلر” أستاذة الفلسفة بجامعة ليل3 (فرنسا)، من ترجمة دكتور الفلسفة “جيوم ديفو” ومدرس اللغة اللغة العربية بالمدرسة الفرنسية محمد زناتي.
الكتاب ينقسم إلى جزئين؛ في الجزء الأول تشرح الكاتبة “العلمانية” عن طريق وضعها في مقارنة بين “التسامح” و”التسامح الرحب” من منظور المواطنة، ثم تشرح “العلمانية” من خلال تطبيقات عملية، مثل جدواها بالنسبة للثقافة والتعليم. أما الجزء الثاني فيتناول نصوص لجون لوك ونصوص عن “العلمانية” مع شرح لها.
يوضح الكتاب أن “العلمانية” و”التسامح الرحب” تتفقان في السماح للجميع في الاعتقاد بأي معتقد أو حتى عدم الاعتقاد بأي شيء. لكن توضح الكاتبة شيئًا آخر هو أن المنطلق الذي يسمح به في “الاعتقاد” أو “اللا اعتقاد” مختلف بشكل جوهري، ف”التسامح الرحب” يتعامل مع كل موقف على حدى، الأمر الذي قد يضعنا في نفس الأزمة مع كل طارئ جديد وهو “هل سيسمح أبناء الدين الحاكم الدينية الحاكمة من قبول هذا المستجد أم ستمنعه؟”، أما “العلمانية” فهي تتخذ مبدأ عامًا وهو “لا أحد يكره على الدخول في دين دون عدمه والاعتقاد ليس ضروريًا لتأسيس المدنية السياسية” وتخرج منه إلى “عدم الإكراه في دخول دين دون آخر” و”لا أحد يكره على عدم التدين”. وبالتالي فمن خلال المبدأ العام يمكن مناقشة أي مستجد طارئ وإيجاد حل مناسب لكل أبناء المجتمع باختلاف معتقداتهم.
وتطرح الكاتبة تلك الفكرة في النظام التخيلي للقانون العلماني، فهي تبحث عن حلول لأشخاص وهميين حتى تضمن أن يتحقق العدل للجميع، وهي تطبق القانون ذاته حتى لو كان شخص واحد في المجتمع هو المختلف أو لو لم يكن هناك مختلفون من الأساس. والهدف هنا هو منع الأغلبية فكريًا أو عقائديًا من فرض سطوتهم بحجة قلة عدد المختلفين أو حتى عدم وجودهم. وبالحفاظ على حقوق “الغير موجودين” ترسخ العلمانية حق المواطن المستقبلي والمواطن المتشابه مع الباقيين في الاختلاف مستقبلًا وعدم الخوف من سطوتهم التي فرضوها بأغلبيتهم.
وإلى جانب عن المقارنة بين العلمانية والتسامح، فنجد أن “التسامح” بشقيه –المنغلق والرحب- مبدأه هو “اللا مواطنة”، فالتسامح يجعل الفئة الحاكمة، والتي ذات دين محدد تتعامل بتعالي مع الطوائف الدينية الأخرى، فهي التي قد تمنحهم البقاء أو الطرد، كما كان في الخلافة الإسلامية أو في حكم الكنيسة في أوروبا في القرون الوسطى. كما أن “التسامح” جاء ليحاول إيجاد التعايش بين طوائف الشعب، لذا كان من الصعب التعايش مع الملحدين، أو كما اسمتهم الكاتبة “الكفار”، لأنهم لا يوجد لديهم رابط اجتماعي لذا يصعب دمجهم في المجتمع. وهنا نرى بوضوح انعدام فكرة “المواطنة”. فببزوغ فكرة “المواطنة” في ثوبها الحديث مقترنة بالديموقراطية التمثيلية، أصبح هناك ما يمكن أن يجمع أبناء دولة واحدة وهو “الانتماء للوطن” وهو الأمر الكافي لدمج جميع الأفراد في مجتمع واحد، وهو مجمتع جميع أبناء الوطن. لذا ف”العلمانية” هي الفلسفة التي تتناسب مع مبدأ “المواطنة”. لأن “التسامح” يخلق فئة أعلى من جميع الفئات، وهو بذلك يجعل أبناء الفئات الأخرى تحت رحمة تسامح تلك الفئة، ولأن “التسامح” بنوعيه لا يأتي من مبدأ كلي بل يتعامل مع كل موقف على حدى فقد نجد هذا “التسامح” يتم سحبه لأي ظرف طارئ أو غير متوقع، الأمر الذي لا نراه في “العلمانية”.