الفن بطبيعته لا يوصف، لكنه ملئ بالمعاني والإحساس وجمال الأشكال وقيمته في حريته وصدقه، ووظيفته في تعميق الحياة والقدرة على التعبير عنها، فالفن يقدم للإنسانية الجمال والحب والخير، وينهي عن الشر والدمار، ويجعل للحياة معنى ويخلق من الإنسان، إنساناً له فائدة ووجود إيجابي في المجتمع ، يشعر بالراحة والسعادة والسلام.
المتأمل للعمل الفني ذات الطابع الرمزي والخيالي، يجد المعنى الفلسفي الذي يقصده الفنان في إطار تحليل فني للعالم المعاصر ، نلمس ذلك في الشكل بألوانه الصراع الذي يبرز معانٍ كثيرة منها قوة .. ضعف .. تحدي .. وتأمل وغيرها من التصورات لمضمون العمل الفني تكمن وراء هذه الأشكال، أين أنت أيها الإنسان الراغب في السلام وسط الزحام مع رحلة الآلام ”صراع الإنسان مع الحياة“ لأن الفن قيمة إنسانية رائعة، وبالفن الراقي نستطيع أن نهزم الإرهاب والتطرف، وقد يغرقه ويهدده بالهلاك.
الفن له القدرة على تخفيف حدة الحياة المادية، ويسمو بالإنسان ليعيش حياة روحانية، فالفن موجود في أعماق وجداننا، لكن لابد أن نراه بأعيننا ليدرك كل فرد في المجتمع أهمية الفن والجمال.
الثقافة والفن لهما التأثير الفعال الذي يجعل أي مجتمع في وحدة إجتماعية متماسكة، في نسيج قوي متضامن مع ترقية المشاعر، وبالتالي الإرتفاع بمستوى الذوق الفني الذي يولد رؤية فنية تتصف بالشفافية تعجز المادة أو أي فكر مظلم عن خلقها.
تلك هي قضية وزارتي التعليم والثقافة الأساسية، وهي قضية إعادة التنوير والإبداع لإضاءة عقول ووجدان الأجيال الصغيرة والشباب لتصل إلى مكانها الصحيح في الحياة ، فالفن بمدلوله الشامل ينبغي أن يكون عنصراً مساهماً ومشكلاً لكل مظاهر الحياة وأدواتها، لتكون مصر صانعة الأمجاد كماضيها الحضاري لنجد فيها كل أنواع المعرفة والثقافة والجمال، وما أكثر أماكن السحر والجمال في بلدنا،بلد الحضارات الإنسانية والأمجاد الدينية.
بالعناية بالثقافة والتنوير يستطيع الإنسان المصري إدراك القيم الجمالية في الأشياء وتذوق المعاني التي يقصدها أي عمل فني .. لوحة أو لحناً، أو قطعة نحت أو قصيدة،ووأيضاً الإستمتاع بالأعمال الأدبية والمرئية والمسموعة كالسينما والمسرح والتليفزيون.
وظهور النحت والرسم كانت له أهمية كبرى لملامح ومعالم المجتمع، نلمس ذلك في حياة قدماء المصريين والعصور المتتالية حتى نهاية القرن العشرين، ونظامهم الإجتماعي والسياسي والديني والعلمي ، كل هذا نجده من خلال الأثر التاريخي وفن العمارة ،وإظهار قيم الجمال والزخرفة فيها.
وهكذا نجد المجتمع القديم كان يتنفس حياته فناً ويقيم الجمال في كل ما يشيده، فنجد العمارة القديمة بمصر تطالعنا حتى الآن مع العمارة النوبية المتميزة بالرسوم والطابع الخاص ، والفنون الأخرى مثال اللوحات الفنية الموجودة حالياً في مباني بعض دور الصحف المصرية مثل الأهرام والأخبار وروز اليوسف، وأيضاً نجد اللوحات والتماثيل معروضة في بعض البنوك والدواوين الحكومية ، ولا ننسى التماثيل الميدانية المنتشرة بالقاهرة والأسكندرية وبورسعيد والإسماعيلية وبعض مدن الصعيد، وغيرها من الجداريات الفنية المعروضة على طول كورنيش الأسكندرية.
كما نجد تماثيل لرواد الأدب والفن مثل أمير الشعراء أحمد شوقي وحافظ إبراهيم والعقاد ، طه حسين ، أم كلثوم ، عبد الوهاب ، نجيب محفوظ ، سيد درويش وتوفيق الحكيم، كما نجد تماثيل للزعماء المصريين وشهداء الوطن أمثال عبد المنعم رياض وأحمد حمدي والنصب التذكاري للجندي والشهيد في ميدان كل مدينة بمصر.
وكأنها ذاكرة للتاريخ ونافذة للفن تصافح أنظار المارة في كل مكان كتمثال إبراهيم باشا وسعد زغلول ومصطفى كامل وطلعت حرب وأحمد عرابي وتمثال نهضة مصر، فالإبداعات الفنية جزء من جمال الطبيعة وسحر المكان للبيئة المحيطة ، وبذلك يعيش الإنسان والجمال يحيط به في الحياة.
في ظل هذا المناخ كانت الحرف فناً والكلمة واللحن فناً، والعرض التجاري فناً، وبالتالي كان الفن يعيش في ضمير الناس ووجدانهم ومصاحباً لمظاهر حياتهم.
ومع كل التطور والتقدم فإن الفن يقدم للإنسانية الجمال والحب ويجعل للحياة معنى .. لذا لابد أن تُخصص نسبة من مجمل تكاليف المباني العامة والخاصة للأعمال الفنية والتجميل المعماري .. وهذا المطلب تُمليه مرحلة التحول في مجتمعنا الذي يسعى للتنمية الشاملة عن طريق تهيئة المناخ المعماري الذي يتحقق في رحابه اللقاء بين العمارة والفنون الأخرى وخاصة في المدن الجديدة التي تشيدها الدولة .. مع مسارات للطرق الجديدة الآمنة.
هذا ما نفتقده اليوم في بعض الأماكن بالرغم من إتساع رقعة المنشآت العامة التي أتمنى أن تزدهر بالجمال عن إقتناع ويتحقق أروع لقاء بين التعمير والفن .. وتكون الحياة ذوقاً شائعاً في نظر المجتمع.
إن تربية الذوق العام تبدأ من رسالة المدرسة ومبانيها، وذلك في تنسيق فصولها وحدائقها وتزويدها بمستنسخات فنية مصرية وكذلك الإخراج الفني لكتب الأطفال المصحوبة بالرسوم، والإعتناء بالمسرح والهوايات الفنية، وبقدر من الوعي نحقق تربية القيم الروحية مع الناشئين وتنوير عقولهم بالقراءة والمعرفة المستمرة وإطلاق طاقاتهم المبدعة في كل المجالات الفنية والثقافية والعلمية ،وأيضاً بالوعي الوطني والذي بدوره يؤدي إلى التربية الإنسانية وخلق ذوق عام رفيع يرتقي بذوق المواطن، فكلما إرتفعت ثقافة الشعب في مختلف الفنون، إرتقت سلوكيات المواطنين وتذوقهم ووعيهم بتاريخهم وإعتزازهم بأجدادهم وآبائهم بوهويتهم الوطنية.
دور الفن في المجتمع يحقق مناخ ملائم لإستقبال روائع الفنون برؤية وسلوك يتذوقها أفراد المجتمع بعيدة عن التلوث البصري الذي يهدد المجتمعات، والفن يلهب خيال المشاهد المتلقي ويسعى لقراءة إبداعات الرواد لأن الثقافة والمعرفة ملهمة للإبداع لتحقيق طموحاتهم وأحلامهم، لأن مصر بلد الحضارات عرفت من الفنون والعلوم قبل العالم الذي يعلق بالذاكرة لقوة كل الفنون النابعة من بيئتنا ومن تراثنا الزاخر بكل ماهو أصيل،ووالذي يتميز بالإستمرارية في قوة البناء والرصانة والشموخ.