” على الدولة أن تنتبه لهذا الخطر المقصود، وهو تغييب العقل والفكرة فى الدراما وجعلها بعيدة عن قضايا المجتمع بدلاً من أن تعمل على دعم المرحلة بأبعادها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية، تلعب الدراما والسينما على عنص التغييب والتسطيح والتهميش.. للأسف الدولة متقاعسة وتوقفإنتاجها منذ ثورة يناير، وبالتالى فقدنا رمانة الميزان فى أن نرى توازناً فكرياً فى الفن وكان على الدولة ألا تستسلم لهذا العزوف وهذه السلبية، وهذا الافلاس، ولو عملت عملين فىالسنة لحافظت على هذا التوازن..
“هكذا قال الكاتب والسناريست محفوظ عبدالرحمن الذى رحل عن دنيانا عن
عمر يناهز الـ 76 عاما، داخل العناية المركزة، بأحد المستشفيات الخاصة، بعد صراع مع المرض الأمر الذى جعله يقول عن انتظاره لحظة
الموت: “لن أكتب أي وصية فليس لدي أموال لأورثها لأبنائي فأنا رجل ولدت وكبرت وسأموت وأنا منتمي للطبقة المتوسطة.. هناك أشياء طلبتها من أسرتي منها عدم إقامة سرادق عزاء لأني لا أود أن تكون لحظة وداعي مسألة تقليدية أو أن أتسبب في إجهاد الناس.. ولكن أسرتي رفضت هذا الطلب تماماً، الأمر المدهش أنني رغم أن
فكرة الموت لا تخيفني لكني أخاف من أن أفقد الناس، وأصعب شيئ في حياتي حينما أتلقى خبر وفاة أحد المقربين لي”.
ولد محفوظ عبد الرحمن فى 11 يونيو 1941 ، تخرج من جامعة القاهرة عام 1960 و كان قد بدأ الكتابة قبل تخرجه بأعوام ، عمل في عدة أماكن صحفية ثم بعد تخرجه عمل في دار الهلال و استقال عام 1963 ليعمل في وزارة الثقافة، في البداية في دار الوثائق التاريخية ثم شارك كسكرتير تحرير في اصدار ثلاث مجلات متوالية : مجلة السينما – مجلة المسرح والسينما- مجلة الفنون.
محفوظ عبد الرحمن والأعمال الأدبية المكتوبة كتب القصة القصيرة و النقد الأدبي و المقالة في مجلات : الآداب – الثقافة الوطنية- المساء- الكاتب- الرسالة الجديدة- الجمهورية- و فيما بعد في الأهرام-
البيان الإماراتية- الهلال- كاريكاتير- العربي- الأهالي ، كتب محموعته القصصية الأولى “البحث عن المجهول و الثانية” أربعة فصول شتاء” ، و
روايت الأولى “اليوم الثامن” نشرت بمجلة الإذاعة و التليفزيون و “نداء المعصومة” نشرت عام بجريدة الجمهورية.
كتب سهرة للتليفزيون “ليس غدا” عام 1966، و قدم أول مسلسل تليفزيوني “العودة الى المنفى” عن قصة أبو المعاطي أبو النجا 1971، ليعمل فى الفترة ( 1974~ 1978) في تليفزيون الكويت قدم فيها العديد من الأعمال القيمة.و يستقيل عام 1982 من وزارة الثقافة و يتفرغ للكتابة .
كتب أكثر من عشرين مسلسلا للتليفزيون منها : ( ساق البامبو: ، أهل الهوى ، أم كلثوم ، بوابة الحلواني (ج1 إلي 4) ، ،
،الكتابة على لحم يحترق ، ليلة سقوط غرناطة ، عنترة ، الزير سالم ، سليمان الحلبي ، هذا بالاضافة للعديد
من الأفلام منها حليم ، القادسية ، ومن مسرحياته: بلقيس ، محاكمة السيد ميم ، الحامي والحرامي ، السندباد البحري ، ليلة من ألف ليلة وليلة ، عريس لبنت السلطان حصل على العديد من الجوائز منها : جائزة الدولة التشجيعية ، أحسن مؤلف مسرح من الثقافة الجماهيرية، الجائزة الذهبية من مهرجان الإذاعة و التليفزيون عن مسلسل أم كلثوم ، جائزة الدولة التقديرية في الفنون، جائزة العقد لأفضل مبدع خلال 10 سنوات من مهرجان الإذاعة و التليفزيون ، جائزة النيل وهى أرفع وسام فى الدولة المصري الدراما الرمضانية ترك محفوظ عبد الرحمن وراءه مسيرة من الأعمال الأدبية، فهو يعد من أهم مؤلفي الدراما العربية الذين ارتبط بهم الجمهور ارتباطًا وثيقا، خصوصا من خلال مسلسلاته التي عرضت طوال شهر رمضان، وتنوعت بين الدينية، والتاريخية،والاجتماعية، والسير الذاتية، وبدأت علاقته بالدراما الرمضانية عام 1971، عندما قدم أول أعماله “العودة إلى المنفى”، وعرض لهعام 1976 مسلسلا “الزير سالم” لأحمد عبدالحليم، وجاسم النبهان، وأحمد الصالح وإخراج حسين الصالح، و”سليمان الحلبي” لأحمد مرعي، وعبدالله غيث، الذي قدم معه في العام التالي مسلسل “عنترة بن شداد” لأحمد مرعي، وعبدالله غيث ، وفي عام 1979 قدم مسلسل “ليلة سقوط غرناطة” لأحمد مرعي، وعبدالله غيث، وفي عام 1987 قد”الكتابة على لحم يحترق” لعبدالله غيث، وسميحة أيوب، وإخراج عباس أرناؤوط. وتعد أول تجاربه الاجتماعية من خلال مسلسل “قابيل وقابيل” الذي قدمه في عام 1991، لفاروق الفيشاوي، وأحمد مظهر، وإخراج إبراهيم الصحن، ، وخالد زكي، وإخراج أحمد توفيق، قدم عام 1999 مسلسل”أم كلثوم” لأنعام محمد على وصابرن ومجموعة من رموز الفن .
بوابة الحلواني كان لمسلسل “بوابة الحلواني” تأثير قوي في أذهان الجمهور من خلال الأجزاء التي كتبها ، وعرض الجزء الأول 1992،الجزء الثاني 1994، الجزء الثالث 1997، الجزء الرابع 2001 ، وهو
مسلسل تاريخي مصري من اربعة أجزاء، يعالج مرحلة حكم الخديوي إسماعيل لمصر.يستعرض المسلسل مراحل من تاريخ مصر، من خلال مسار أسرة الحلواني بقرية الفرما، التي صارت مدينة بور سعيد بعد حفر قناة
السويس. محاولا تسليط الضوء على نواح من
الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للحقبة الزمنية.. ينقل المسلسل صورة شبيهة بالواقع ليوميات المجتمع المصري خلال بدايات القرن، بما في ذلك تداخل الطموحات السياسية والاقتصادية للأفراد، وكذا الصراعات القائمة من أجل إقصاء الآخر والاستفراد بالهيبة والسلطة.
أخرج العمل إبراهيم الصحن وقد شارك فيه الممثل محمد وفيق بدور الخديوي ، وأحمد راتب بدور سلامة الحلواني، وشيرين وجدي بدور ألمظ وعلي الحجار بدور
عبده الحامولي ،وفنانون آخرون ( حسن كامي وسميرة عبد العزيز وسمية الألفي وحسن حسني وأحمد راتب وغيرهم )
استعر الجزء الاول منذ عام 1859 م تقريبا وبداية اجراءات حفر قناة السويس واواخر حكم الوالي سعيد باشا وبداية حكم الخديوي إسماعيل ، كما استعرض هذا الجزء قصة عائلة الحلواني ومشوار عبده الحامولي وألمظ قبل احترافهم للغناء
وانتهى الجزء بافتتاح قناة السويس عام 1869
تناول الجزء الثاني انطلاق عبده الحامولي وألمظ وما حدث لعائلة الحلواني وتركهم لبورسعيد (الفارما سابقا) وسكنهم القاهرة بالاضافة لظهور شخصيات جديدة قريبة لعائلة الحلواني وللخديو أسماعيل و بعض الرموز الوطنية مثل علي مبارك ورفاعة الطهطاوي ومحمود سامي البارودي وأحمد عرابي
أما الجزء الثالث تكملة سريعة للجزء الثاني مع استمرار نفس الشخصيات والممثلي بالإضافة الي بعض حالات الحالات الزواج والطلاق ،وعلى المستوى السياسي التعرض لما حدثت له مصر والخديو إسماعيل منذ عام 1869 وحتى عام 1876
ويأتى الجزء الرابع ليتناول سيرة عائلة الحلواني ووفاة ألمظ كما إستعرض أواخر عصر الخديو إسماعيل وإنتهاء بعزله عن الحكم محفوظ عبد الرحمن والفن السابع ومن أشهر سيناريوهات الكاتب محفوظ عبد الرحمن في السينما المصرية فيلم “ناصر
56″ عام
1996،بطولة الممثل أحمد زكي وإخراج محمد فاضل ،هو فيلم سينمائي ولا يعد تسجيلا روائيا لحياة الرئيس جمال عبد
الناصر، لكنه استقطاع عدة شهور من حكمه فقط خلال عام
1956 والتي اعتبرها الفيلم أهم وأخطر فترات قيادته لمصر قبل وبعد تأميم قناة السويس باعتباره من أهم إنجازاته السياسية، حيث كانت شركة قناة السويس دولة داخل الدولة، وعندما سحب البنك الدولي عرضه فجأة بتمويل مشروع بناء السد العالي، أعلن جمال عبدالناصر تأميم القناة في ميدان المنشية بالإسكندرية في 26 يوليو عام 1956 مما أدى لحدوث العدوان الثلاثى على مصر، ليعلن جمال عبدالناصر في خطابه بالجامع الأزهر المقاومة والكفاح للتصدى للأعداء.. يتناول الفيلم حياة عبدالناصر بين وزرائه ومكتبه وخطبه وعلاقاته بأعضاء مجلس قياده الثورة، ثم بوالده، وزوجته، وأولاده الصغار الأربعة.
أما فيلم ” حليم” من إنتاج عام 2005 من إخراج شريف عرفة ،ويصور الفيلم سيرة حياة الفنان الراحل عبد الحليم حافظ يجسدها الفنان الراحل أحمد زكى في آخر عمل سينمائي له على الشاشة الذهبية ، تبدأ الأحداث في مستشفى كينجز كوليدج بلندن حيث ينام حليم على فراش الموت، ويتذكر مع صحفي يدعى رمزي كل الأحداث التي مرت عليه عن طريق الفلاش باك، فيتذكر علاقاته الإنسانية والعاطفية ورحلته
الطويلة مع الفن، وتظهر علاقته بنوال”منى زكي”ابنة قرية الحلوات التي
ساعدها كثيراً ووقف بجانبها حتى التحقت بكلية الطب بالقاهرة، بينما هي تعيش قصة حب له من طرف واحد، كما تظهر علاقته بفتاة تدعى جيهان”سولاف فواخرجي”وهي الفتاة التي التقى بها أول مرة على شاطئ العجمي وظل يحبها حتى ماتت، وتظهر أيضاً
علاقاته بكمال الطويل ومحم الموجي ومحمد عبد الوهاب وعبد الرحمن الأبنودي ومصطفى أمين وعلي أمين ومجدي العمروسي وصلاح جاهين، ولحظات الانكسار بعد نكسة 67 ولحظات السعادة بعد الانتصار في حرب أكتوبر.
حصد فيلم “حليم” أربع
جوائز من المهرجان القومي للسينما المصريةهي:جائزة الإخراج لشريف عرفة، جائزة الموسيقى للموسيقار عمار الشريعي، جائزة المونتاج لداليا الناصر، جائزة أفضل شركة إنتاج شركة “جودنيوز” (جائزة المركز الثالث).
أثرى الثقافة العربية والإنسانية
نعت الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما الى الأمة العربية والعالم رحيل الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن الذى أثرى الثقافة العربية والإنسانية بإبدعاته المسرحية والسينمائية والتليفزيونية، والادبية على مدار ما يقرب من ستين
عامًا، فكانت مسرحياته هى أيقونة المسرح العربى فقد عرضت فى جميع الدول العربية ومثلها فنانون محترفون وهواة من جميع الدول العربية، كما شهدت دول الخليج العربى تألقه كمؤلف درامى قدم عشرات المسلسلات التليفزيونية، قبل أن يعرفه جمهوره فى القاهرة..كان مسلسل العودة من المنفى هو أول مسلسل تليفزيونى يكتبه عن قصة أبو المعاطى أبو النجا عن حياة جبرتى الثورة العرابية عبد الله النديم، وكان المسلسل بالأبيض والأسود، إلا أن المسئولين بالتليفزيون افترضوا كما حدث من قبل فى المسرح أنه كاتب معارض وأنه ضد النظام الحاكم بعد رحيل عبد الناصر وهو ما جعلهم يتخذون موقفا ضده فمنعت أعماله واضطر إلى الهجرة خارج مصر وعرضت أعماله فى تليفزيونات دبى وتونس، والكويت، والسعودية، وعدة بلاد أخرى وظلت أعماله ممنوعة فى التليفزيون المصرى 11 عامًا حتى عرض له مسلسل بوابة الحلوانى مصادفة، واستمر إبداعه مقدمًا أم كلثوم، وناصر 56، وحليم، وفى المسرح قدم بلقيس.
تصوير الواقع المصري
أكد الدكتور عمار علي حسن على إن الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن، كان فنانا من طراز رفيع، إذ حرص طيلة حياته على أن تجمع أعماله الفنية بين العمق والجاذبية، وهما قيمتان لا تجتمعان بسهولة في زماننا، إذ إن هناك من يعتقد أن لفت انتباه الجمهور، ومن ثم تحقيق الانتشار، لا يكون إلا بالسطحية والابتذال، وهناك على النقيض من يتصور أن العمق لا يحقق نجاحا جماهيريا.
ويقول حلمى النمنم وزير الثقافة أن محفوظ عبد الرحمن يعد أحد أهم المؤلفين الذين برعوا في تصوير الواقع المصري من خلال أعماله الأدبية والابداعية التى ستظل حاضرة في قلوب وعقول المصريين .
المزج بين رؤية الماضى والحاضر
اعتبرالكاتب والسيناريست مجدى صابر أن مصر فقدت قامة كبيرة وعظيمة فى تاريخ الدراما، مؤكداً كان إنساناً على خُلق وصديقاً كبيراً، يحب عمله، ودائماً يسعى للارتقاء بمستوى الدراما، وكان نموذجاً للكاتب الكبير الذى لم يكتب يوماً شيئاً يخجل منه، على النقيض كانت كل كتاباته تفوح منها رائحة هذا الوطن سواء أم كلثوم، وحليم، وأعمال أخرى،محفوظ عبدالرحمن كان عملاقاً ومبدعاً فى كل المجالات، وكان صاحب رسالة واضحة تكمن فى أعماله الوطنية والإنسانية، عرض قضايا بلده والعالم العربى بأعمال تمزج بين رؤية الماضى والحاضر، فهو كاتب لا يعوض
وقال الدكتور صلاح فضل : إن رحيل الكاتب محموظ عبد الرحمن خسارة كبيرة للدراما العربية والفن المصري، وللثقافة بشكل عام، لأن محفوظ عبد الرحمن كرس كل مواهبه الأدبية والإبداعية لكي يقدم النماذج الكبرى في السياسة والثقافة والإبداع وأتقن مع عدد قليل من أبناء جيله تقنيات كتابة السيناريو للسينما، وأهم من ذلك ابتكر وسائل فنية جديدة، في تقنيات الدراما التليفزيونية فيعتبر هو وأسامة أنور عكاشة أصحاب الفضل الأول في تأسيس أشكال الدراما المختلفة فوداعا لمبدعي مصر، وأحد أعمدة قوتها الناعمة.
قال القاص الكبير سعيد الكفراوي، عاش
الكاتب محفوظ عبد الرحمن مهتما بالدراما فكتب المسرح بأشكاله المختلفة واستوحى التاريخ فى أعماله الدرامية وأنجز العديد من المسلسلات التى شاركت فى تشكيل ذاكرة للمصرين (بوابة الحلوانى وبيرم ومسلسلاتالخليج ثم أم كلثوم التى كانت تغلقالمحلات فى العالم العربى عندعرضها).
ومن الجدير بالذكر ان دارالحلم للنشر والتوزيع أصدرت عام2013 كتاب “محفوظ عبد الرحمن..مقاطع من سيرة ذاتية” للإعلامية سميرة أبو طالب، في ثلاثة فصول تتضمن بداياته مع الكتابة، وتنقله ما بين أنواع إبداعية مختلفة، والمعارك التي خاضها داخل الوسط الثقافي، والقضايا التي تضمنها إبداعه إضافة إلى أبرز الشخصيات المؤثرة في مشواره الإبداعي.
تقول سميرة أبو طالب إن اختيار توقيت الكتابة عن شخصية بحجم محفوظ عبد الرحمن لم يكن نابعا من اختياره لجائزة النيل في الفنون هذا العام، وإن كانت تعكس احتفاءً حقيقيا بكل القيم التي أرساها محفوظ عبد الرحمن من خلال إبداعاته، وإنما الظروف السياسية التي كتب فيها محفوظ عبد الرحمن والتغيرات المجتمعية التي ساعدت في بلورة رؤيته لقضايا العدل والحرية والكرامة الإنسانية، وهو ما ينسحب على تلك الفترة التي نعيشها، ووجدت في تقديم سيرته الذاتية من خلال مشواره الإبداعي حافزا لمن يريد أن يخطو باتجاه مستقبل هذا البلد. رحل محفوظ عبد الرحمن الأب والإنسانوالفنان المبدع وبقيت أعمال شاهده على عظمة هذاالكاتب الكبير والإنسان
العظيم..