قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (647)
لأننا نعايش في أيامنا هذه استفحال ظاهرة الشكوي من أي شئ, والتشكيك في كل شئ, خاصة من المنتمين إلي الطبقات المترفة, نتابع عن كثب الجدل الدائر حول بدء تنفيذ المرحلة الثالثة من الخط الثالث لشبكة مترو الأنفاق والتي تربط محطة العتبة بالطريق الدائري عند محور روض الفرج, وهي المرحلة التي تعبر نهر النيل أسفل جزيرة الزمالك متضمنة إنشاء محطة مترو وسط حي الزمالك, علاوة علي أكثر من محطة تهوية لخدمة الخط العابر للحي… وذلك استلزم بطبيعة الحال بدء اتخاذ التدابير التخطيطية والتنفيذية لتأمين مناطق الإنشاءات وإغلاق بعض محاور الحركة في الشوارع وتعديل مسارات المرور… وذلك بالقطع مهما نال قسطا وافرا من الدراسة, إلا أنه تسبب في أزمات مرورية وارتباك في الحركة علاوة علي إقلاق راحة السكان والمترددين علي الحي, وإعاقة تحركاتهم التي ألفوها للوصول إلي مقاصدهم سواء كانت منازلهم أو مدارسهم أو أنشطتهم المختلفة.
ما يحدث في الزمالك ليس سيناريو غير مسبوق, وليس عملا عدائيا متعمدا ليقض مضجع أهل الحي, فهو تكرار لما سبق اتباعه في كافة مراحل ومسارات شبكة مترو الأنفاق في سائر أحياء القاهرة, حيث كان علي سكان كل حي أن يتحملوا نصيبهم من ضريبة إنشاء ذلك المرفق الحيوي الذي انعكس بفوائد جمة علي وسيلة انتقال الملايين في العقود الثلاثة الأخيرة وأصبح لا غني عنه في القاهرة التي توحشت من جراء الازدحام وتعاني من التكدس المروري السطحي بشكل شبه دائم.
إذا.. مترو الأنفاق مشروع قومي يخضع لدراسات مستفيضة من جانب الخبراء والمخططين وتستثمر فيه الدولة مليارات الجنيهات وتسهم في تخطيطه وتنفيذه خبرات أجنبية ومصرية متخصصة تعمل بعيدا عن الهوي وتتخذ قراراتها بناء علي معايير علمية جادة وبعد المفاضلة بين كافة البدائل المتاحة… فلا يستقيم أن يتضاءل كل ذلك أمام معاناة وقتية أو ارتباك مؤقت يواجهه أهل الحي الذي تعبره شبكة المترو -والذي لا أستهين به إطلاقا- فتكون النتيجة انطلاق موجات غضب واحتجاج ورفض للمشروع تنزلق نحو صور غريبة غير مسئولة من النقد والتشكيك!!
الأمانة تقتضي أن أسجل أن ليس كل أهل الزمالك غاضبين من مترو الأنفاق أو كارهين لما يتسببه من إزعاج لهم… لكن يظل صوت الشريحة الغاضبة المحتجة عاليا تتلقفه وسائل الإعلام خاصة وأنه يحمل نبرة متعالية منعزلة عن ذلك المشروع القومي وليست مقصورة علي النبرة الاحتجاجية علي معاناة مرحلة تنفيذه… فتلك الشريحة تري أن سكان الزمالك يتعرضون لغبن كبير نتيجة عناد الدولة وإصرارها علي عبور شبكة مترو الأنفاق لجزيرتهم الهادئة المترفة التي لا حاجة لها إلي المترو -وأرجو أن ألفت نظركم إلي تعبير جزيرتهم!!!- وكأننا بصدد اقتحام جمهورية مستقلة ذات سيادة رغما عن إرادة مواطنيها!!!… حتي أنهم يرددون ويكررون أنه كان في مقدور الدولة أن تبتعد بخط المترو العابر لنهر النيل بعيدا عن جزيرة الزمالك التي لا تحتاجه, والذي يهدد خصوصيتها وهدوءها كما تهدد أعمال إنشاءاته سلامة مبانيها وأساساتها.
وفي ذلك ينبغي لفت نظر أهل الزمالك الكرام أنهم لا يتعرضون لأي اعتداء أو غبن وأن دراسات خبراء النقل تؤكد أن حتمية ربط جزيرتهم بشبكة المترو أملتها اعتبارات الشبكة القومية للنقل في مدينة القاهرة وتستهدف خدمة جميع شرائح المجتمع الذين يترددون ويعملون ويدرسون في حي الزمالك وأنه حتي لو تصور سكان الحي الآن أنهم لا حاجة بهم إلي خدمة مترو الأنفاق, هم حتما سوف يقدرون وجودها وقد يصبحون من مستخدميها في المستقبل كما سبق أن حدث مع أحياء أخري مشابهة في تركيبها الاجتماعي مثل أحياء المعادي ومصر الجديدة وغيرها.
ثم أن الخبراء أفادوا بما يدرأ مخاوف أهل الزمالك ويبعث إليهم بكل طمأنينة إزاء أية مخاطر تهدد مباني الحي أثناء إنشاء خط المترو سواء عبر مسار أنفاقه أو في مواقع محطاته, فقد أكدوا أن عمق الخط العابر لنهر النيل والمار أسفل الزمالك ينخفض كثيرا أسفل مناسيب أساسات مبانيها ومنشآتها ولا يمثل أي تهديد لسلامتها, كما أن جميع تدابير السلامة والأمان في تصميم وتنفيذ هياكل ومرافق المحطات تم مراعاتها.. إذن الأمر برمته لا يتجاوز إنجاز مرحلة أخري من مراحل الشبكة القومية لمترو الأنفاق وسرعان ما تنتهي معاناة أهل الزمالك من الارتباك المؤقت في بعض شوارعهم وتحركاتهم ويتمتعون بالنقلة الحضارية التي يحققها المترو في حيهم وفي حياتهم.