استضاف المركز المصري للدارسات الاقتصادية الدكتور على المصيلحي وزير التموين والتجارة الداخلية فى ندوة بعنوان “سياسة الدعم … إلى أين؟” وعقبت عليها الدكتورة عبلة عبد اللطيف المدير التنفيذي ومدير البحوث، المركز المصري للدراسات الاقتصادية ، بينما أدار الندوة عمر مهنا رئيس مجلس إدارة المركز المصري للد ارسات الاقتصادية، ركزت الندوة على الدعم كأحد الآليات المهمة التي استخدمتها الحكومات المختلفة بما فيها الحكومات الرأسمالية لتحقيق الحماية الإجتماعية والتماسك الإجتماعي ، ولكن هناك حاجة إلعادة صياغة مفهوم الدعم في مصر للحفاظ على الحماية والرعاية معاً حتى ينعم المجتمع بالإصالحات التي تتم الآن ، إذ يُمكن تقسيم أنواع الدعم المختلفة إلى دعم نقدي مقابل العيني، ودعم مباشر مقابل غير المباشر وتتمثل هذه الأنواع في الحالة المصرية كما يلي : أولاً الدعم النقدي والمتمثل فى دعم صناديق المعاشات نظراً لفشل النموذج الحالي في تحقيق التمويل الذاتي ومواكبة الزيادات المستمرة، معاش الضمان، تكافل وكرامة، المساعدات الإجتماعية ، ثانياً الدعم العيني وهو التموين سابقاً، وحالياً يعتبر التموين في مرحلة التحول من الدعم العيني إلى الدعم النقدي من خلال إتاحة السلع بسعر السوق ولكن يتم شرائها من أماكن محددة بمبلغ محدد، إلا أن الخبز مازال ضمن الدعم العيني، فهو يباع بسعره الثابت رغم اختلاف التكلفة والتي من المتوقع أن تصل مع الزيادة الأخيرة إلى 60 قرشاً للرغيف، ويندرج كل من الدعم العيني والنقدي ضمن الدعم المباشر.
أوضح الدكتور على المصيلحى أن الدعم غير المباشر ألا وهو دعم الطاقة من خلال دعم مصادر توليدها مثل دعم الكهرباء من خلال دعم السولار الذي يتم به إنتاج الكهرباء ، حيث أن مشكلة الدعم في مصر ليست وليدة اللحظة، ولكنها نتيجة التطورات التي شهدها النظام الاقتصادي منذ خمسينيات القرن العشرين ، حيث أن موازنة الدعم في مصر قبل عام 1954 لم تكن تتعدى 2 مليون جنيه ومع التوجه الإشتراكي وملكية الدولة لعناصر الإنتاج ظهرت التسعيرة الجبرية، ولكن ظل الدعم يقدم بإتاحة بعض السلع بسعر أقل من التسعيرة الجبرية ، ومع مع الإنفتاح الاقتصادي وملكية القطاع الخاص، بدأت الفجوة بين الأسعار الحقيقية والمدعمة في الاتساع الأمر الذي لم يقتصر على زيادة فاتورة الدعم فحسب بل أفرز تشوها للسوق ودافعا للسوق السوداء، ولعالج الأخيرة جاء التعامل من خلال فرض الرقابة وليس معالجة التشوه، كما تم الإستمرار في زيادة الدعم مع الإبقاء على الأسعار المدعمة ثابتة مما أدخلنا في دائرة مفرغة، فعلى الرغم من أهمية المحافظة على الحماية الإجتماعية و لكن هذا لا يعني إغفال التنافسية.
أشار “المصيلحى” إلى أن تحرير سعر الصرف ضاعف من تكلفة السلع المعتمدة على الإستيراد مثل الزيت والسكر، وتجاهل زيادة التكلفة سينعكس بخسائر على الشركات القابضة، وليس بالظهور في الموازنة العامة للدولة ، منوهاً أن الزيادة االأخيرة في نصيب الفرد في بطاقة التموين هدفت إلى استيعاب زيادة االأسعار بعد تحرير الصرف بحيث يتم تقليل الفجوة بين سعر السوق والسعر المدعم للسلع ، مشيراً إلى أن الزيادة المقترحة كانت 40 جنيه للفرد ولكن تم التوصية بزيادتها لـ50 جنيه لإحتواء الزيادة الجديدة في أسعار الوقود، وتم الإتفاق مع اتحاد الغرف التجارية على تحميل الزيادة الجديدة في أسعار الوقود على المخابز، مع الإبقاء على سعر الخبز دون تغيير ،وأضاف : فإحدى أهم مشكلات الدعم في مصر هي الرؤية المنفردة وتشتته ما بين تموين، كهرباء، تضامن، إسكان، نقل…إلخ ، لذلك لابد من رؤية متكاملة للدعم تراعي احتياجات الفئات المختلفة ، يجب احتساب قيمة كل ما يحصل عليه الفرد من سلع وخدمات مدعمة، وتوجيهها مباشرة إلى مستحقيها ، فهناك عدد من المسوح التي يتم الإستعانة بها لوضع نماذج اقتصادية اجتماعية يتم من خلالها تحديد خصائص الشرائح المختلفة على معايير أكثر دقة من معايير الدخل والإنفاق، وهي نماذج تتسم بالشمول والمتابعة الدورية ومحاولة زيادة الدخل ، وأهم هذه المسوح هو مسح القرى الشامل والـ1000 قرية الأكثر فقراً، وأخيراً التعداد السكاني الذي يتم إجراؤه حالياً ، منوهاًأنه سوف يتم التحديث الدوري للبيانات ومعاملات النموذج، وسوف يُساعد في ذلك استكمال منظومة قواعد البيانات المتكاملة ، مؤكدة أنه جاري الإنتهاء من تنقية قواعد بيانات التموين، وتم الربط مع وحدات الصحة المميكنة لتحديث المواليد والوفيات في نفس وقت حدوثها. أكد وزير التموين والتجارة الداخلية أن هناك استراتيجية لإصلاح منظومة التجارة الداخلية، حيث تستهدف المرحلة الأولى منها زيادة القطاع المنظم بها من 10 % إلى 28% من القطاع خلال عامين ، وأضاف : جاري العمل على تعديل قانون الرقابة على سوق المال للسماح بالبورصة السلعية.
من جانبها أوضحت الدكتورة عبلة عبد اللطيف أنه مطلوب رؤية متكاملة للإصلاح الاقتصادي، لذلك من الضروري تناول إصلاح الدعم في ضوء الإصلاحات الأخيرة ، منوهة أنه هناك عدداً من الشروط المسبقة لنجاح أي برنامج إصلاحي منها البدء في الإصلاحات المؤسسية والهيكلية التي تؤثر على الاقتصاد بالتسلسل الصحيح وبحزم متوازنة ومنها توحيد قواعد البيانات، وإعادة هيكلة الموازنة، وتطوير منظومة الضرائب والعمل على توصيل الإستراتيجية للشعب من خلال تدابير واضحة لحماية سُبل معيشتهم، والتأكيد على ما تحقق من مستقبل أفضل للمواطنين ، وكذلك تكليف جهة محددة بمراقبة تنفيذ خطة الإنقاذ، وتقديم تقارير أسبوعية إلى رئيس الجمهورية ومجلس النواب، مع عدم إجراء أكثر من تغيير في السياسات التي من شأنها أن تؤثر سلباً على المواطن في نفس الوقت ، وعدم اتخاذ أي خطوات لرفع الدعم قبل تعديل قاعدة البيانات لتحقيق الإستهداف السليم للفئات محدودة الدخل والأولى بالرعاية ووجود جدول زمني واضح ومؤشرات أداء لكل خطوة.
كما أكدت المناقشات على أن حل مشكلة الدعم ليس فقط رفع أسعار المنتجات المدعمة ولكن أيضاً خفض تكلفة المنتج نفسه؛ أي تحسين كفاءة إنتاجه الاقتصادية، و هذا الإجراء كفيل وحده بخفض قيمة الدعم حتى لو لم تمس أسعار المستهلك ، حيث تركز جهود الدولة على الشق الخاص برفع الأسعار أكثر بكثير من الشق الخاص بتحسين الكفاءة .. وأن الدعم العيني ليس بدرجة الإفادة الاقتصادية مثل الدعم النقدي، فالأخير يحمل معه تأثيرات مضاعفة نتيجة ارتفاع الميل الحدي للإستهلاك في مصر وبالتالي إعادة تدوير مبلغ الدعم النقدي في الاقتصاد.
فى حين أشارت المناقشات أيضاً إلى أن ما جاء خلال الإجراءات الأخيرة هو إصلاح مالي وليس إصالح اقتصادي، والأول هو صاحب الحظ الأكبر من الإهتمام ، بينما أن العدالة الضريبية وإدخال أصحاب المهن الحرة ضمن المجتمع الضريبي يُساهم بشدة في إيجاد تمويل للدعم اللازم ، وأن قطاع المخابز لا يزال يُعاني من تسرب الدقيق المدعم، لذلك تستطيع بعض المخابز أن تبيع الخبز الحر أقل من سعر تكلفة تصنيعه الحقيقية.