ناقشت مؤسسة قضايا المرأة المصرية مؤخرا مع اعضاء مجلس النواب مقترح لقانون الأحوال الشخصية، الذي أعدته المؤسسة من خلال نقاشات واجتماعات مع فئات مختلفة، على مدار أكثر من عشر سنوات . حيث قامت المؤسسة بعرض هذا المقترح على مجلس النواب ، وحاولت المؤسسة في هذا القانون تحقيق المصلحة الفضلى للأسرة بشكل عام ومبادئ العدالة والمساواة وحقوق الإنسان، لكي تسود هذه المبادئ في تنفيذ القانون وتفعيله، على حد قولهم باجتماعاتهم بحسب بيان للمؤسسة اليوم.
أكدت مؤسسة قضايا المرأة على ان المقترح يتضمن عدد من المواد المنظمة للخطبة والزواج والطلاق والرؤية والحضانة حيث أعطى المشروع أهمية خاصة لعدد من القضايا مثل:
1- تعريف الخطبة في المادة (1 )بأنها: ( اتفاق سابق بين رجل وامرأة على الزواج يجوز اثباتها بالكتابة ومثلها الوعد به صراحة وقبض المهر وقراءة الفاتحة وما جرت عليه العادة والعرف من تبادل الهدايا، ولا تعد الخطبة زواج او الزام بإتمامه.
– مع بيان ما ترتب لكل من الطرفين عند العدول عن الخطبة في المادة(3) من معالجة أمر التعويض والهدايا.
2- أما فيما يتصل بالزواج فقد تعرض المشروع لقضية تعدد الزوجات إنطلاقا من أن التعدد مباح كإباحة الزواج من الأولى وتعترى كل أنواع المباحات وطوارئ الظروف التي تطرأ على المباحات فتنقلها أحيانا من المباح إلى غير المباح ، وأن التعدد رخصة وليس بحق . ومن اجل إعمال قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المنافع ، فان مشروع القانون قد توخى جوهرياً أن تكون إباحة التعدد مقصورة على درء حالات الضرر فتنص المادة (18) على إنه : يجوز للزوج أن يعدد زوجاته بما لا يتجاوز الأربعة ( الا ان الاصل واحدة ) إلا إذا كان هناك شروط فى وثيقة الزواج يمنع ذلك، أوإذا خيف عدم العدل بينهم. وتقرر المادة (14) على الزوج الراغب فى التعدد أن يتقدم بطلب إلى محكمة الأسرة للحصول على إذن بذلك مرفق به إقرار عن قدرته المادية والصحية على ان تمهل الزوجة شهر لتقرر الاستمرار من عدمه، ولا يجوز رفض طلبه وانما تعلق المحكمة الاذن به حتي يثبت ، ضمان جميع حقوق النفقة والإسكان والمساواة في جميع أوجه الحياة وعدم ظلم الزوجة الأولى والاولاد.
أما المادة (15)فتنص على استدعاء المحكمة للزوجة المراد التزوج عليها فإذا أعلنت شخصيا او بتوكيل خاص عنها ولم تحضر أو امتنعت عن استلام الإعلان بت في الطلب بعد تقديم تقرير من خبيرى المحكمة.
وتعالج المادة (16) موافقة الزوجة على الإذن بالتزوج أو تعليق الموافقة على إلزام الزوج بتحديد مبلغ لاستيفاء حقوقها ونفقة أولادها وإذا مثلت الزوجة المراد التزوج عليها(أمام المحكمة) وثبت لدى القاضي تعذر إستمرار العلاقة الزوجية رغم قدرة الزوج على التعدد وأصرت على المطالبة بالتطليق طلقتها المحكمة طلقة بائنة مع النظر في حقوقها الشرعية ، ويعد ذلك إذن بالزواج.
ولا يساورنا الشك في أن هذه المواد التى لا تتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية سوف تسهم إلى حد كبير فى الحد من تلاعب البعض بهذا الحق وإستخدامه دون كفاءة بقدر ما ستقلص الأعداد الهائلة من قضايا طلب الطلاق للضرر التى تتقدم بها الزوجات نتيجة للزواج بأخرى أمام المحاكم وتظل متداولة لسنوات طويلة دون أفق لإصدار أحكام فيها.
3- من الأمور الهامة التي يعالجها مشروع القانون كذلك عقود الزواج والشروط التي يمكن أن تتضمنها قطعا للخلاف وحسما له في المستقبل، فتنص المادة (18)انه يجب علي الموثق (المأذون) أن يبصر الزوجين أو من ينوب عنهما بما يجوز لهما الإتفاق عليه فى عقد الزواج من شروط خاصة وتدوين البيانات التي تفيد مطالعتهم تلك الشروط بالوثيقة وأعطت هذه المادة بعض أمثلة لهذه الشروط كالاتفاق على من تكون له ملكية منقولات منزل الزوجية وحق الانتفاع بمسكن الزوجية في حالتى الطلاق أو الوفاة.
وقد اهتم مقترح القانون ببيان أثار الزواج فتنص مادته (34) على الحقوق والواجبات المتبادلة بين الزوجين والأبناء والمادة (35) على حقوق الزوجة علي زوجها كالإحترام والحفاظ على كرامتها والنفقة بمشتملاتها بالمعروف وعدم التعرض لأموالها الخاصة وعدم الإضرار بها ماديا أو معنويا وعدم التعسف معها في صلتها بأرحامها.
4- عالجت المواد من (36 : 52) أمر النفقات وذلك لتدارك بعض الثغرات في القوانين واللوائح السارية على مكافحة أساليب الإحتيال والتهرب من أداء النفقات الواجبة علي الزوج لاسيما نفقات الأسرة والأبناء وفقد نصت تلك المواد علي أن :
– يقصد بالنفقة الغذاء والكسوة والسكن والفرش والغطاء ومصاريف العلاج والخدمة للزوجة إن كانت ممن تخدم في أهلها والتعليم للصغار وغير ذلك مما يقضي به الشرع ، ونظراً لما إعتاد عليه بعض الأزواج من تقاعس عن أداء النفقة بسبب كثرة الديون المستحقة عليهم لآخرين.
– للنفقة المستمرة امتياز على سائر الديون.
– يثبت دخل المدعي عليه عن طريق نيابة الاسرة للحد من التلاعب والفساد والمحسوبية تطلب من النيابة العامة إجراء التحقيق ومباشرته بنفسها مع إلزام أي جهة حكومية أو غير حكومية بإفادة النيابة العامة بما تحت يدها من معلومات، و أوجب نص هذه المادة على النيابة العامة أن تنهي التحقيق وترسله مشمول بمذكرة موجزة بالنتائج فى موعد لا يجاوز ثلاثين يوما من تاريخ وصول طلب المحكمة إليها.
– إذا امتنع الزوج عن الإنفاق علي زوجته نفذ الحكم عليه إن كان له مال ظاهر فان لم يقل إنه معسر أو موسر ولكنه أصر على عدم الإنفاق طلق عليه القاضي فى الحال إذا طلبت الزوجة ذلك وإن إدعي العجز فإن لم يثبته طلق عليه حالاً وان أثبته أمهله مدة لا تزيد عن شهر ، فإن لم ينفق طلق عليه بعد ذلك.
5- حاول مقترح القانون حل مشكلة اثبات النسب وطرق اثباته التي تطول فيها مدد التقاضي حيث عمدت المادة (73) إلي تقنين اللجوء إلي الوسائل العلمية لإثبات نسب المولود فاتحة الباب بذلك إلى استخدام كافة التطبيقات العلمية المعروفة والمستقبلية فى سبيل ذلكعلى ان يلزم القانون المدعى عليه للمثول امام الجهات الطبية وفى حالة عدم المثول يقضى بما طلبتة المدعية.
6- نظرا لتظلم العديد من الزوجات اللاتى إعتاد أزواجهن الدخول إلى السجن لفترات قصيرة ولكن بشكل متكرر من عدم قدرتهن على طلب الطلاق طالما لم يحكم على الزوج بعقوبة مقيدة للحريات لمدة ثلاث سنين فقد روعى فى نص القانون على معالجة هذا الأمر ولذا نصت المادة (87)على انه لزوجة المحبوس المحكوم عليه نهائياً بعقوبة مقيدة للحريات مدة سنة فأكثر أن تطلب إلى القاضي بعد مضي ستة أشهر من بدء تنفيذ العقوبة، التطليق ولو كان له مال تستطيع الإنفاق منه ويكون لها ذلك أيضا إذا إعتاد الزوج الحبس كأن قيدت حريته لثلاث مرات فأكثر متفرقة ولو كانت كل مدة لا تجاوز الشهر.
8- كما تم تنظيم الرؤية والحضانة والاستضافة في المواد من 118 الي122حيث تناولت الآتي: أن الحضانة من واجبات الأبوين معا ما دامت الزوجية قائمة بينهما فإن افترقا ولو بغير طلاق تكون على النحو التالى :
1 ـ يثبت حق حضانة الطفل للأم على أن يراعي القاضي عند البت في ذلك مصلحة المحضون:
أ – الأم
ب – أم الأم
ج – أم الأب
د- الأب .
ثم يليه باقي ترتيب الحاضنين ، حيث ان من أكثر ما يعنينا في هذه المادة هو جعل ترتيب الأب رقم (4) في الحاضنين بعد أن كان ترتيبه قد يصل إلى (12) أو أكثر في مرتبة الحاضنين.
– زواج الحاضنة الأم، لا يسقط حضانتها ما لم يتعارض هذا مع مصلحة الطفل الفضلى التى يقدرها القاضى ، وفى تلك الحالة زواج الأم الحاضنة يعفى الأب من تكاليف سكن المحضون وأجرة الحضانة، وتبقى نفقة المحضون واجبة على الأب.
ž 9- كما تناول مقترح المشروع كيفية اقتسام العائد المشترك بعد الطلاق او الخلع بين الزوجين ، ويقصد به المدخرات (مالية – عينية) التي تكونت أثناء قيام العلاقة الزوجية نظير عمل الزوج أو الزوجة واستثماراتهما ، وتأتي تلك المادة كمحاولة لحمايةالزوجة التي طلقها زوجها بشكل تعسفي وكذلك حماية للزوج الذي قد تلجأ زوجته للخلع بعد ان يحصل ايأً منهما علي ما تم ادخاره نتاج عمل او مجهودات واعباء مشتركة بينهما ، حيث اكد المقترح علي تمتع كل من الزوج والزوجة بذمة مالية مستقلة ( نتيجة ميراثه من أهله – أعمال واستثمارات سابقة على الزواج …..) ، كما حاول تنظيم كيفية الاتفاق علي تقسيم العائد المشترك ونسبة كل من الزوجين فيهسواء تم ذلك فى عقد الزواج أو فى أي عقد أخر ، بالإضافة الي كيفية عمل مقاصة بين الحقوق المالية الشرعية للزوجة في حالة الطلاق ونصيبها من العائد المشترك.
وفي ختام مقترح القانون أكدت مؤسسة قضايا المرأة المصرية على انه يجب الاعتراف بأننا فى وضع اجتماعي معقد يفتقد العدالة والمساواة، حيث اننا في توقيت يجعلنا في أمس الإحتياج إلى مدونة قانونية وحقوقية موحدة ورشيدة تنهض على رؤية واقعية وشرعية عقلية وعملية مستنيرة، تضع في إعتبارها وروحها ملامح المعضلات الأسرية والتحديات التي تواجه الاطراف الضعيفة في اثناء العلاقة الزوجية وما بعدها كي تحكم بينهم بالحق، وتعيد تعادل ميزان القوة داخل الأسرة المصرية لتمنح كافة أفرادها مواطنة غير منقوصة، فكما قال الغزالي: (إن القانون هو الذى يميز الحدود والقياس من غيره، كأنه الميزان أو المعيار للعلوم كلها، وكل مالم يوزن بالميزان، لا يتميز فيه الرجحان من النقصان ولا الربح من الخسران)