· لم يرهبوا الالآم او الموت بل بجسارة رفضوا انكار ايمانهم المسيحى
· كيف لكل هذا الشبه بين حياة القديس وتمسكه بالايمان والشهداء
فى عمق الصحراء وفى جبل القلمون يقبع دير الانبا صموئيل المعترف تجاه مدينة مغاغة في جبل القلمون بالصحراء الغربية بحوالي 70 كيلو مترا في أعماق الجبل، والقلمون كلمة يونانية معناها الغاب أو البوص وهو الاسم المناسب والمعبر عن طبيعة هذا الوادى الذى يكثر فيه نبات البردى، ومازال هذا النبات ينمو بالدير إلى الآن، ويعتبر أصغر الأديرة القبطية عموما وأصعبها وصولاً إلا أن هذا الطريق الوعر لم يمنع الزوار من كل العالم لزيارة الدير الذى يعد آية على التحمل والإيمان من سيرة الانبا صموئيل وايقونات الدير العظام كالانبا انداروس الصموئيلي وغيرهم … لينضم لهذه الكوكبة من القديسين شهدائنا في العصر الحديث الذين لم يرتعوا أو يخافوا من صوب النيران بل في شجاعة فضلوا الموت عن إنكار الإيمان..
ولهذا نعود معكم للوراء لمعرفة تاريخ الدير ومؤسسيه والآيات التي جرت ومازالت تجرى والتي بإيمان متوقعين أن تجرى لان صوت الدم صارخ على طريق الدير .
يفهم من بعض المصادر التاريخية أن هذا الدير كان عامراً ومعروفاً منذ الوقت الذى نشطت فيه الحركة الديرية في القرن الرابع الميلادى بواسطة الرهبان الذين أرسلهم الانبا أنطونيوس، وكان الدير يعرف بدير السيدة العذراء بجبل القلمون حسب ما ذكره الانبا باسيلوس أسقف ورئيس دير الانبا صموئيل المعترف فى كتابه ” بستان القلمون” ولما هجم المقوقس على الأديرة هجره الرهبان فتخرب وتغطت مبانيه بالرمال بين أواخر القرن الخامس وأوائل السادس وظل مجهولاً تحت الرمال حتى كشف عنه الانبا صموئيل وأعاده إلى الوجود الرهبانى فى النصف الأول من القرن السابع الميلادى، وأشار إلى ازدهاره فى هذه الفترة أثنان من المؤرخين هما الشيخ أبو المكارم سعد الله جرجس بن مسعود وتقى الدين المقريزى الذين عاشوا بعد القرن العاشر الميلادى فقال عنه الاول ” أنه من الاديرة الكبرى ويمتلك ملاحات يستخرج منها سنويا ثلاثة الآف أردب من الملح وكان به سنة 894 ش أكثر من 200 راهب ويؤمه الكثير من الزائرين.
يقول المقريزى بالدير قصران مبنيان بالحجارة وهما عاليان كبيران لبياضهما وفيه أيضا عين ماء تجرى وخارج الدير ملاحة يبيع الرهبان ملحها، ويتبين من هذين المصدرين أن الدير ظل عامراً حتى القرن 15 ثم تخرب مرة أخرى، بعد ذلك تجدد الدير في عهد البابا كيرلس الخامس بواسطة الرهبان الذين أتوا من دير البراموس سنة 1895 تحت رئاسة القمص مكسيموس وظل عامراً إلى الآن بل ويقدم شهداء على أسم السيد المسيح.
وعن وصف الدير توجد مغارة أنفراد للانبا صموئيل منقورة داخل الصخر فوق جبل عالى على مسيرة ساعة من شرق الدير وكان يوجد بالمغارة حفرة كان يخزن بها الماء مدة تعبد الانبا صموئيل ودفن بالدير الانبا صموئيل وظلت سيرته ورفاته نوراً لزوار الدير ومقصدا للمرضى والمتعبين وعلى اسم الدير كان يتمجد السيد المسيح ، وحسب شهود عيان من زوار الدير والرهبان حدث في ليلة من شهر أغسطس سنة 1927 ان دق جرس الكنيسة ثلاث دقات من تلقاء نفسه، وفى الصباح الباكر علم الرهبان أن البابا كيرلس الخامس تنيح،
كما جاء فى تاريخ الانبا صموئيل لمؤلفه الشماس نصيف فانوس المطبوع سنة 1952 نقلا عن مجلة الإيمان الصادرة فى شهر كيهك سنة 1666 ش ” أنه كان فى هذا الدير طاحونة للغلال وعلى رأسها عصفورة وكانت الطحونة تدار ليلاً ونهاراً فإذا حدث بها عطل كان غراباً يطير ناحية الفيوم وينعق فوق بيت نجار فيفهم ان الطاحونة في حاجة إلى إصلاح، وتخرج من الدير بطريركان هما البابا تيموثاؤس الثانى والبابا غبريال الخامس وأعترف البابا كيرلس السادس بهذا الدير كدير قانونى في المجمع المقدس في 1959 حسب النبذة التى صدرت عن سيرة القديس العظيم الانبا صموئيل المعترف من مكتبة الدير
وعن مساحة الدير يقول القمص صموئيل تادرس السريانى فى كتابه عن ” الأديرة المصرية العامرة” أن خبراء المعمار الذين زاروا دير الأنبا صموئيل طافوا حول أطلاله البالية التى كانت تقوم عليها المبانى وقدروها باثنى عشر فدانا وكانت هذه المساحة ليست بكثيرة على دير كان يسكنه أكثر من مئتى راهب حتى أواخر القرن الثانى عشر وجدير بالذكر أن مساحة الدير الحالى اقل بكثير مما كانت عليه .
مغارة الانبا صموئيل تقع على بعد أربعة أو خمسة كيلو متراً من الدير من الجهة الشرقية، وهى قرب قمة الجزء الشرقي من جبل القلمون ، ويتم الوصول اليها بتسلق مطلع رملى حاد الإرتفاع ويوجد بالمغارة حوض للمياه تتجمع فيه مياه الأمطار وكان الأنبا صموئيل فى أواخر حياته يقضي بها معظم الوقت ويوجد بالدير اربعة عيون للماء البئر داخل الخورس الثانى بكنيسة العذراء بالدير عين السامار، وعين البردى، العين الجديدة.
“زيارات المؤرخين للدير”
وعن زيارات بعض المؤرخين للدير يقول الأنبا باسيلوس: اولهما كانت زيارة بلزونى سنة 1819 ولم يكن أحد يسكن الدير وقت زيارته وكانت توجد بقايا كنيسة كبيرة وبعض الصور، والثانية كانت زيارة شوينفرث سنة 1886 وقال انه رأى بقايا الكنيسة ووجد أرشين فى الكنيسة القديمة على جانبي الهيكل مع بقايا رسوم دينية وكان رأيه أن أحدث مبانى الدير لا تتعدى القرن السابع عشر ومساحة الدير 55 فى 67 مترا وتأتى اهمية هذه الزيارة انها سبقت مباشرة وصول القمص أسحق البرموسي فى اواخر القرن التاسع عشر، حيث بدأ فى تعمير الدير ثم زيارة بيدنل وكان وقتها يوجد بالدير من خمس إلى ستة رهبان وعدد قليل من اشجار النخيل وكانوا يقومون بعمل مبنى مربع من الحجر ثم زيارة سمولنسكى الذى قال أن المبنى بسيط جدا والحوائط القديمة بها بقايا رسوم يصعب التعرف عليها.
ويوجد بالدير جسد الانبا صموئيل وسجل سمولنسكى زيارته عام ، 1908 أما زيارة كلارك فجاءت سنة 1912 فذكر الدير ضمن الثمانية اديرة الموجودة بمصر وانه الدير الباقى من أديرة الفيوم.
أما قديسنا الذى اسشتهد الزوار وهم يزورون ديره فهو أحد الآباء العظام المشهور بجرأته وأعترافة بالإيمان الصحيح مفضلا أن يفقد عينه اليمنى عن أن يفقد إيمانه.
ولد عام 598م بقرية دكلويا بالقرب من مليج النصارى ( مركز شبين الكوم الآن) كان والداه غنيين سالكين بالمحبة محبين للفقراء وزرقهم الله صموئيل بعد دموع بسبب تأخر الإنجاب ولما جاء للدنيا تربي على الإيمان ومحبة السيد المسيح، حتى كبر وصارح والديه برغبته في حياة البتولية والرهبنة فبنى والده كنيسة فخمة لكى يتعبد بها أبنه صموئيل، وبالفعل تعبد بها حتى توفى والديه فقرر الذهاب إلى البرية ووزع كل أمواله على الفقراء وأختار أن يكون فقيرا زاهدا متعبداً وذهب بوحى الروح القدس إلى مغارة الانبا اغاثون وقضى بالدير ثلاث سنوات في حياة الزهد، كان يصوم أسبوعا ويقتات بالعشب فقط والماء وبعد ذلك سيم قسا على كنيسة الانبا مقاريوس وكانت مصر وقتها تئن من تعسف الحكام البيزنطيين.
بدأ مع كل هذا مجمع خلقيدونية المشئوم الذى كان من نتائجه أن هرب السلام وانقسمت الكنيسة فاستغل الامبراطور هرقل الموقف للدخول في معتقدات المصريين، وعين المقوقس أسقفا الذى بدأ فى مطاردة البطريرك وصب غضبه على سكان البرية من الرهبان والنساك الذين ذاع صيتهم بأيات المعجزات التي كانت تجرى على أيديهم فارسل المقوقس الى البرية قائدا يدعى ” ماكيس اتريانوس” ومعه “طرمسوس ليون الذى كان يؤمن بأفكار تخالف التعليم المسيحى، فهجموا على الرهبان وامروهم بالموافقة على عقيدة طوموس فتقدم الانبا صموئيل المعترف بجرأة في رفض هذه العقيدة قائلا ليس لنا بطريرك غير الأنبا بنيامين والجنود حولهم رافعين أسلحتهم فهجم عليه الجند، وانهالوا ضربا حتى سقط مغشيا عليه وفقد أحد عيني، وما أن تعافى بقوة الرب حتى ارشده الروح القدس للذهاب الى دير النقلون بالفيوم، حيث كانوا لا يتوفقون عن الصلاة فتقاطر الناس من كل صوب لاخذ بركته.
فلما علم المقوقس قبضوا على الأنبا صموئيل المعترف وعذبوه عذابا اليمآ ثم طرحوه خارج المدينة فانفرد في جبل القلمون وأخذ يبنى كنيسة مهجورة، وبعد أيام هجم البربر على الدير ولما دخلوا المذبح خرج القديس ووبخهم فاوثقوه بعمود وانهالوا ضربآ حتى تعبوا ونقلوه إلى بلادهم وهناك باعوه كعبد ل زركندس وحاول أرغامه على عبادة الشمس والسجود لها، فرفض وشرح لهم الايمان المسيحى فحبسوه وارادوا ايقاعه في الخطيئة فحبسوه وقيدون من قدميه مع جارية فلما ضاق به، وصرخ الى الرب انفكت السلاسل وخرست الجارية ومرضت بالجزام فخاف البربر لئلا يؤذيهم جميعا من فرط الايات والمعجزات التي كانت تجرى على يده فشفي الجارية وسامحها كما صلي الى زوجة الوثنى زركندس فمنحها الله نسلا رغم شيخوختها فتعهد البربر بعمد مضايقة المسيحيين، بعد أن أمضى الانبا صموئيل فى الأسر ثلاث سنوات بل زاد وأعترف الكثيرون منهم بالايمان المسيحى… فكل مقاصد الله تعمل للخير للذين يحبون الرب
بحسب كتاب القس صموئيل وهبه الذى صدر عام 1980 فإنه من المتداول عن تسليم الآباء لبعضهم أن الانبا صموئيل قبل نياحته اجتمع بتلاميذه وقال لهم أن الأيام القادمة ستكون شريرة وستحدث مضايقات كثيرة للمسيحيين وقواهم وثبتهم على التمسك بالايمان، وتنيح الانبا صموئيل في شهر كيهك سنة 696 م.
نقول بكل فخر و إيمان انه طوال تلك القرون والسنوات والكنيسة تقدم ولاتزال شهداء بإيمان راسخ وقوى حتى على أعتاب دير الانبا صموئيل تمثلوا بشفيعهم ولم ينكروا السيد المسيح حتى طالت الرصاصات قلوبهم وصدروهم والأطفال تبكى .. ومع ذلك كان إيمانهم كالجبال كشفيعهم الانبا صموئيل المعترف.