الكتب المقدسة تنصحنا بمحبة الصديق والعدو, لأنهما خليقة الله. استقبل الشعب المصري الكريم المضياف قداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان وفتح له قلبه, وهو الذي أتي ليحمل معه السلام الحقيقي, ونستشف ذلك من رسائله التي تدعونا إلي إرساء السلام والمحبة والعدل والقانون والمساواة, وقد عرف عن البابا فرانسيس دعمه للحركات الإنسانية والعمل علي إذابة الطبقات بين المجتمع لتحقيق العدالة الاجتماعية وتشجيع الحوار الذي يساعد علي التواصل بين مختلف الديانات والمعتقدات والثقافات, ويشجعنا علي الاحترام غير المشروط للإنسان وآدميته بنشر المساواة بين كافة المواطنين دون أدني تمييز. البابا فرنسيس يحمل السلام والمحبة لكل فرد وفئة, قائلا: واجب علينا أن نعلم الأجيال القادمة أن الله خالق السموات والأرض, وليس بحاجة إلي حماية من البشر, بل علي العكس, هو الذي يحمي البشر, كما أنه لا يرغب مطلقا في موت أبنائه بل في حياتهم وسعادتهم.. لذلك استقبله كورال كنيسة سان جوزيف في لقائه مع قداسة البابا تواضروس في البطرسية بترنيمة طوبي للساعين إلي السلام مرددا مع الموسيقي: ليعطي كل منا السلام قريبه بمحبة وأمانة ترضي الله, لأن ما يعرف عن البابا فرنسيس محبته الحقيقية للجميع والانفتاح مصحوبا بالاحترام الكامل لأصحاب الديانات والمعتقدات الأخري, لهذا يستطيع أن يؤثر بكلمته علي كثيرين من أجل تحقيق السلام في العالم كله مناديا به من مصرنا الحبيبة, لأن من يثبت في السلام أولا, يستطيع أن يثبت فيه سواه, فالإسنان الصالح المسالم يحول كل شئ إلي خير وهذا ما جعل البابا فرنسيس لا يتأثر بالأحداث السلبية التي عشناها جميعا كمصريين يوم أحد السعف مع بداية أسبوع الآلام, لأن من يثبت في السلام لا يسئ الظن أبدا ولا ييأس من الظروف التي تحيط به.. كلمات بابا الفاتيكان وخطواته رسالة للعالم لتشهد بما تنعم به مصر من سلام مهما كانت الظروف التي تمر بها, وذكر البابا مصر مشيرا كيف أن الله أسمع فيها صوته, وكشف عن اسمه لموسي النبي فوق جبل سيناء جبل العهود, وأودع الله شعبه والبشرية الوصايا الإلهية, وعلي أرض مصر وجدت العائلة المقدسة: يسوع المسيح وأمه العذراء مريم والقديس يوسف الملجأ الأمين والضيافة السخية. وأثبت ذلك قداسة البابا فرنسيس أثناء تنقلاته بسيارة فيات زرقاء بسيطة ليست مصفحة ودخل الاستاد في سيارة صغيرة مكشوفة حيث القداس الإلهي الذي ترأسه, ليؤكد للعالم كله أنه في أرض السلام لا يحتاج إلي من يحميه. وإذا صنفنا الناس وعلاقتهم بالسلام, نجد ثلاث فئات مختلفة: أولهم, من يعيشون بسلام مع أنفسهم ومع الآخرين أيضا, وثانيهم من لا يعيشون بسلام ولا يدعون الآخرين ينعمون به فهم عبء علي غيرهم وعلي أنفسهم أيضا, وثالثهم من هم ثابتون في السلام ويسعون إلي أن يعيدوا الآخرين إليه, وهذا ما يقوم به البابا فرنسيس في كل رحلاته وهو علي يقين بأن كل هذا السلام يسبب له المضايقات من أعداء السلام الذين يجولون في العالم حاملين الدمار والخراب والقتل والفناء, وكما يقول المثل: الكراهية وسيلة لغاية, أما الحب وسيلة وغاية. كم هي مؤثرة ومعبرة كلمات البابا فرنسيس في الجلسة الختامية لمؤتمر الأزهر العالمي للسلام, قائلا: إن مصر التي أنقذت الشعوب الأخري في زمن يوسف من المجاعة, هي مدعوة اليوم أن تنقذهم من مجاعة المحبة والأخوة, إنها مدعوة لتقديم قمح السلام لجميع القلوب الجائعة للتعايش السلمي. وبهذه الكلمات يحاول قداسته أن يبين للعالم قدر مصر ودورها التاريخي في نشر السلام, وهذه الثقة يجب أن نفخر بها جميعا كمصرين وأن نكون أهلا لها بتحقيقها علي أرض الواقع يوما بعد يوم, في الداخل والخارج, ويؤكد قداسته أنه جاء لمصر كرسول سلام, وهذا ما يشجع شعوب العالم أن يفعلوا مثله ويزورون مصر التي باركها الله وباركتها العائلة المقدسة. ومن العجيب أن نجد صيغة خطابات قداسة البابا فرنسيس وسيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي وقداسة البابا تواضروس والإمام الأكبر د.أحمد الطيب تسير في خط واحد تحمل الدعوة للمحبة والسلام وكأنهم متفقين علي النص معا, وهذا ما يؤكده البابا فرنسيس في خطاباته بأن الله يدعونا إلي المحبة غير المشروطة, والمغفرة المجانية, والرحمة والاحترام المطلق لكل حياة, والأخوة ما بين أبنائه مؤمنين كانوا أو غير مؤمنين, وكما يردد المصلح مارتين لوثر كينج: أنا مقتنع تماما بأن الحقيقة المجردة من السلاح والمحبة الخالية من كل مصلحة سيكونا لهما الكلمة الأخيرة, لقد أتي البابا فرنسيس بسيف ونار السلام والحب ليغير العالم طالبا من الله أن يجعله أداة للسلام والوحدة والاتفاق والرجاء والتفاؤل بين شعوب الأرض, لأننا للأسف نستعد للحرب بأجسام العمالقة وللسلام بأجساد الأقزام, فالشر يجري بالكيلومترات, ولكن الخير يسير بالمتر, فإذا سألنا جميع الناس: أتريدون السلام؟ سيكون الرد القاطع وفي نفس واحد: نتوق إليه ونريده ونحبه.. ولكن إن لم نفعل الخير والبر لن نصل إلي السلام, ونصغي إلي المرنم في المزمور: السلام والبر تعانقا (مزمور134:11), فإذا عملنا البر, سنجد السلام للتو, لأن البر والسلام لا يتخاصمان, فإذا طلبنا السلام ورفضنا صديقه أي البر, لن يأتي إلينا لأنه سيفصح لنا علانية, قائلا: أنا صديق البر وكل من كان عدوا لصديقي فلن آتي إليه, إذا لنسعي جميعا أن نكون صناع سلام كما طلب البابا فرنسيس, ولا نترك الفرصة للعالم المادي أن يسيطر علينا ويسلبنا المحبة والسلام, لأنه ليس هناك خطر أن تكون السفينة في الماء, لكن كل الخطر عندما يكون الماء في السفينة, المؤمن في العالم ليست مشكلة, ولكن أن يكون العالم في المؤمن فهذه هي الكارثة.
Discussion about this post