الضوء “النور” المشع من وراء نسيج الألوان له معني عميق .. فالنور يضيئ ظلمة الألوان الداكنة .. كما أن النور يضيئ السماء المظلمة .. فالضوء ومضة من بريق خاطف في لحظة من الزمان .. والعين الباطنة للفنان تبصر الأشياء من خلال الوجود .. حيث التعبير عما وراء الأشياء .. وكأن الحياة تتدفق في بلاغة التعبير عن النور صفة النقاء.
عبر الفنان القبطي بالضوء في لوحاته عن وجود الخالق .. فالنور من سمات السيد المسيح المميزة .. حتي أن المشاهد يستطيع لأول وهلة التعرف علي شخصية المسيح له المجد وهي صفة من صفات الروحانية التي تنساب وتشع من الشخوص المرسومة للسيد المسيح والعذراء مريم والقديسين في تكوينات عديدة من الصور والألوان لإظهار المعني المطلوب مثل أيقونة البشارة، وأيقونة العماد .. وبزوغ النور من أيقونة القيامة وصعود جسد العذراء مريم وغيرها من الأيقونات.
برع معظم الفنانيين في إستخدام الأدوات والألوان في تكوين إبداعاتهم الفنية المليئة بالضوء والقداسة .. وعبروا عما يجيش في نفوسهم من المشاعر والأحاسيس حتي وصلت إلي درجة عالية من الكمال والأصالة الإبداعية في الرسم الديني.
وتأكيدا لهذا المعنى كان الفنانون في حالة صفاء مع الله ليمنحهم القدرة خلق وإبداع العمل الفني .. ويخصهم بالذكاء والقوة حتي يحسنوا من مزج الألوان لتصبح أكثر تألقاً وأكثر تعبيراً ومرونة وإبهاراً لمعجزات الكتاب المقدس.
إستخدم الفنانون اللون الأبيض الذى يدل علي الطهر والنقاء والأمل ليسطع على سطوح إبداعاتهم .. كما يشعرون به من خلال “معجزة القيامة” وبزوغ “نور الحياة” بعد “ظلام الموت” .. كما أن شفافية اللون الأبيض وما يحمل من معان أثيرية نجدها تشع من ثياب جسد المسيح النوراني .. ومن حوله الملائكة بتدرج النور والضوء الأبيض الذى أعمى أبصار حراس القبر .. وزلزل المكان .. ليتم وعد الرب يسوع للبشرية .. “أبطل الموت بموته .. ليعطينا الحياة بقيامته المجيدة.”
وأشعة النور – الضوء الأبيض – يعبر عن الروحانية والحياة في ظل الألوان الداكنة .. وبذلك حقق الفنان القبطي صيغة تصويرية حديثة .. فظهرت لوحات مختلفة المذاهب الفنية تبعاً للبلاد التي رسمت فيها .. وأتفقت في صفة واحدة وهي ” القداسة ” الموجودة من خلال الألوان المضيئة والتي تشع طهراً يسري سحرها في النفوس .. فينيرها مبدداً ظلمة الشر.
ونجد تلك الإبداعات المنيرة روحياً ولونياً وكأنها موعظة روحية مصاغة بالألوان من خلال رحلة حياة وإنتصار السيد المسيح له المجد علي الأرض .. نرى فيها وجودا وتاريخاً كاملاً بأحداث كثيرة .. تركزت كلها في النور الآتى من الله خالق الكون ..”النور الحقيقي”.
وعندما يريد الفنان القبطى البدء فى تصوير – رسم – معجزات الكتاب المقدس .. فلابد أن ينهمك في فلسفتها أكثر من تنفيذها .. ويرى أن المعرفة والتعمق في الكتاب المقدس يساعدان الفنان في إبداعه .. فلابد أن يدرس موضوع لوحته .. لا أن ينقل رسوم غيره من الفنانيين .. بل من خلال رؤية ذاتية لكل فنان.
وهكذا كان لأيقونات ولوحات الفنانيين دور عقائدي بالغ الأهمية .. لقد أضافوا بعداً روحياً ومعنوياً جديداً إلي البعد المرئى .. ويعتبر ما عثر عليه من أيقونات ولوحات من القرن الثاني الميلادي وحتي إزدهارها في عصر النهضة .. أرقى مابلغه فن الأيقونة علي مر التاريخ .. بل كان هو المنطلق الذى أستمد منه فن الأيقونة فيما بعد قيمته .. ليزدهر في أوروبا وكل بلاد العالم.
والفنان في جميع العصور هو حلقة إتصال مهمة في مجتمعه وعقيدته .. ولا يمكن أن يكون منفصلاً فهو الذى يربطنا بالماضي والحاضر .. ويسجل حضارة عصره لتكون هذه الحضارة بصمة وإشارة مثمرة للأجيال .. لتخاطب أعماق الإنسان وتلمس أوتار الوجدان من خلال لغة الألوان.